“ديفيد موريس” شاب كندي لم يتجاوز الخامسة عشر من عمره، قرر أن يعطي الرب سنتين من عمره ليخدمه، ويشهد عنه في البلاد العربية، فذهب إلى لبنان وكانت خدمته هي دعوة الناس لحضور الفرص الكرازية التي كانت تعقد وقتئذ. وذات يوم صلى ديفيد وطلب وجه الرب لكي يذهب معه في زيارات هذا اليوم، ثم انطلق لدعوة البعض من خلال العناوين التي كانت قُدِّمت له. كانت الساعة الرابعة بعد الظهر، حين طرق “ديفيد ” باب أحدهم، فتح الباب رجل قوي أشقر طويل القامة، رمق “ديفيد” بعينيه قائلاً: “ماذا تريد يا فتى؟”. وبأدب شديد قال ديفيد: “أنا ديفيد موريس، من كندا، وقد جئت لدعوتكم لسماع كلمة الله اليوم الساعة السابعة وها هو العنوان يا سيدي، سنكون مسرورين جدًا لو تمكنتم والعائلة من الحضور”. فقال الرجل: “إن شاء الله، إن شاء الله”؛ وبسرعة أغلق الباب في وجه ديفيد. شعر ديفيد بأن الرجل مقيَّد، وليست لديه أدنى رغبة في سماع كلمة الله؛ فقرَّر أن لا يستكمل بقية الزيارات ليذهب ويصلي من أجل هذا الرجل.
استمر ديفيد يصلي حتى ميعاد الاجتماع، فتطلع في الحضور، علَّه يراه، لكن لم يأتِ الرجل.
وفي اليوم التالي ذهب إليه، وطرق الباب، ففتح الرجل وقال له: “أنا ديفيد موريس لقد حضرت بالأمس لدعوتكم لحضور الاجتماع، لكن يبدو أنه لم يكن لحضرتكم وقت، لكن ما زالت الفرصة قائمة، ونتعشم أن تأتي”، فأجاب الرجل كعادته: “إن شاء الله، إن شاء الله”!! وشعر ديفيد بروحه أن الرجل مسكين جدًا، وأن قيوده كثيرة وثقيلة، فوجد نفسه يترك بقية برنامج الزيارات، ليذهب ليصلي بإلحاح لأجله. ومع ذلك لم يحضر الرجل.
في اليوم الثالث صام ديفيد وصلى بدموع غزيرة لأجله، وكعادته، وفي الرابعة ذهب إليه، وطرق بابه، ففتح الرجل: وأراد موريس أن يقول له باللغة العربية: “إنها المرة الثالثة بل والأخيرة أيضًا”، فلم تسعفه الكلمات وغلبته دموعه، فسالت ساخنة على خديه، وقبل أن يهم بالإنصرف، نظر إلي الرجل بنظرات مشبَّعة بالمحبة الصادقة، كان لها أعظم الأثر على قلب الرجل الحجري. فدخل الرجل بيته، وأغلق بابه، وصرخ من أعماقه صرخة مُرَّة سمعتها الزوجة والأولاد، فجاؤوا مسرعين، ليسمعوا ويروا منظرا لم يعهدوه من قبل، الأب يبكي بدموع غزيرة وآهات كثيرة ويقول (وهو يرفع عينيه ويديه نحو السماء): “أنت لسه يارب فاكرني، ما أنا بِعتك من زمان.. أنا نسيتك.. وأنت لسه بتدور عليُ”. ثم طلب من الرب العفو والرحمة. وانتقلت هذه العدوى المباركة إلى الزوجة والأولاد، فطلب الجميع الرب، وقرروا أن يعودوا إليه، ويتركوا ما عداه. وقبل أن تأتي السابعة كانت العائلة بأكملها في قاعة الاجتماع. ولاشك أنه برجوعهم كان الرب أكثر من فرح في السماء، و ديفيد موريس أكثر من فرح على الأرض.
قارئي الفاضل.. وقارئتي الفاضلة
مهما كان بعدك.. ومهما كانت شرورك.. فالمسيح يبحث عنك.. وإن كنت تركته، أو نسيته، فهو ما يزال يحبك.. فليتك تقبله، وتدخل في حوار معه، إنه ينادي: «تعالوا نتحاجج يقول الرب، إن كانت خطاياكم كلطخات قرمزية، فإنها تبيض كالثلج، وإن كانت حمراء كصبغ الدودي، تصبح في نقاء الصوف» (إشعياء 18:1 - الترجمة التفسيرية).