فرعون كرمز للشيطان

يُعتبر فرعون موسى من أقوى الصور المُعبِّرة عن الشيطان؛ سواء في استخدام الحيل لإفناء شعب الله (خروج 1: 10)، أو في أنه قاتل (خروج 1: 16، 22)، وكذَّاب (خروج 8: 8، 15)، أو في مراوغاته ليمنع خروج الشعب من مصر (خروج 8: 25-28؛ 10: 10، 11، 24)، أو في هجومه الشرس عليهم عند البحر الأحمر (خروج 14: 5-10).  وعندما ندرس هذه الصور سنفهم المزيد من أساليب عمل الشيطان لكي نتحذَّر منه.

وقبل أن نتناول هذه الصور، يبرز أمامنا سؤالٌ هام وهو: لماذا سمح الرب بوجود الشيطان؟  وهذا ما نراه أيضًا في قصة فرعون.  فقد أعلن الرب له قائلاً: «لأجل هذا أقمتك، لكي أُريكَ قوَّتي، ولكي يُخْبَر باسمي في كل الأرض» (خروج 9: 16).  هذا يعني أن الرب هو الذي أقامه، وأنه سيتمجَّد من خلاله، ويُظهر قوَّته فيه وفي القضاء عليه، ويُنادَى باسمه في كل الأرض.

وهل كان الله يعلم بسقوط الشيطان، وأنه سيكون سبب البلاء لكل الجنس البشري؟  بكل تأكيد نعم.  وهل كان بوسع الله أن يمنعه أو يبيده؟  بكل تأكيد أيضًا نعم.  ولو كانت المسألة هي إظهار قوة الله في سحق الشيطان، لكان قد قضى عليه من لحظة سقوطه، أو في أي وقت أراد.  وهذا أيضًا يظهر في الرمز الذي أمامنا مُمثَّلاً في فرعون.  فقد قال الرب له: «فإنه الآن لو كنتُ أمدُّ يدي وأضربك وشعبك بالوبإ، لكنتَ تُباد من الأرض» (خروج 9: 15).  فلا بد إذًا أن هناك للرب حكمة من بقاء الشيطان فترة طويلة من الزمان.

وفي كثير من الأحيان نرى الله لا يتدخل ويمنع شر الإنسان ولا حيل الشيطان، لكنه يتحكَّم فيه ويُسخِّره ليخدم مقاصده كاملة الإتقان.

ويبقى السؤال ما هو الخير الذي يمكن أن يحدث من وجود الشيطان ومن حيله ومكايده أو هجومه وشراسته وشرَّه؟

أولاً: عن طريق حيل الشيطان وسقوط الإنسان، ظهرت محبة الله في بذل الابن الوحيد على الصليب ليصنع الفداء للإنسان.  وعلى أساس الفداء أمكن للإنسان أن يتبرَّر ويُساكن الله في مجده في السماء، وليس فقط أن يعيش على الأرض في الجنَّة.

ثانيًا: وجود الشيطان وأعماله في الأرض يعطي المجال لتدريبنا الروحي كمؤمنين.  وهو المجال الذي نُظهر فيه ولاءنا ومحبتنا لسيِّدنا.  وهناك دروس روحية يرى الله في حكمته أن نتعلَّمها عن طريق الشيطان.  فإذا خدعنا بمكره فإن هذا سيقودنا إلى مزيد من الحذر والسهر، وإذا هاج علينا تعلَّقنا بالرب أكثر، وإذا ضغطنا وأذلَّنا فإننا نسمو روحيًا وننمو.  إنها فرصة لكي نجاهد وننتصر على تجاربه في حربنا الروحية، وبذلك يتزكَّى إيماننا ونحصل على شهادة تقدير من الرب نفسه، مثلما حدث مع أيوب، ثم أخيرًا لما تنتهي الحرب نُكلَّل أمام كرسي المسيح.

وفي تاريخ الكنيسة المبكِّر كان الشيطان كالأسد يثير الاضطهاد ضد المؤمنين، فتشتتوا.  لكن الذين تشتتوا جالوا مُبشِّرين بالكلمة.

والآن دعونا نتأمل في أساليب عمل الشيطان من خلال ما سجله الكتاب عن فرعون في أيام موسى.

* لقد قام فرعون جديد استلم الحُكم. وهو صورة للشيطان الذي استلم السلطان بعد سقوط الإنسان.

 

* قال هذا الفرعون لشعبه: «هوذا بنو إسرائيل شعبٌ أكثر وأعظم منا.  هلمَّ نحتال لهم لئلا ينموا... فجعلوا عليهم رؤساء تسخيرٍ لكي يُذلوهم بأثقالهم... ولكن بحسبما أذلوهم هكذا نموا وامتدوا» (خروج 1: 9-12).  وكلمة «نحتال» تذكِّرنا بأسلوب الحيَّة القديمة كما رأيناها في الجنَّة إذ قيل عنها: «وكانت الحيَّة أحيل جميع حيوانات البرية» (تكوين 3: 1).

* كانت المحاولة الأولى أنه جعل عليهم رؤساء تسخير لكي يذلوهم بأثقالهم.  فاستعبد المصريون بني إسرائيل بعنف ومرَّروا حياتهم بعبودية قاسية في الطين واللبن وفي كل عمل في الحقل (خروج 1: 13، 14).  لقد قصد أن يستنفد كل قوة الرجال في أغراضه ومصالحه من الصباح إلى المساء، وكل ما عملوه كان عنفًا وسُخرةً.  وكان هذا بهدف أن يمنع تكاثرهم ونموهم.  والشيطان يعمل نفس الشيء مع أولاد الله، إذ يستهلك كل الطاقة والوقت في الأشغال الزمنية، وقد يحيط الإنسان بظروف كربة تضغطه نفسيًا من الصباح إلى المساء، فيعود آخر اليوم فاقدًا كل طاقة ورغبة في أي عمل روحي.  فلا وقت ولا شهية للكتاب أو الصلاة أو الاجتماعات أو الخدمة أو الشركة مع المؤمنين، وبذلك يتوقف النمو.

* أما المحاولة الثانية فكانت من خلال القابلتين إذ أمرهما فرعون قائلاً: «حينما تولِّدان العبرانيات... إن كان ابنًا فاقتلاه، وإن كانت بنتًا فتحيا» (خروج 1: 16).  وفي هذا نرى صورة للشيطان “كالقاتل” الذي قال عنه: «ذاك كان قتَّالاً للناس من البدء» (يوحنا 8: 44).  إن الطفل حديث الولادة وهو في المهد هو في غاية الضعف، ويحتاج إلى المساعدة في التنفس والإطعام.  وإذا حُرِم من ذلك فإنه يموت بكل سهولة.  وهذا أسلوب الشيطان مع المولودين حديثًا من الله.  فإذا تعرَّض أحد هؤلاء الصغار إلى عثرة، فإنه يُصدَم ويفشل في بداية الطريق، ويفقد الثقة في مصداقية الأمور الروحية.  وقد يستخدم الشيطان أشرارًا لكي يُشكِّكوا في وحي الكتاب المقدس وسلطانه، ويبثون تعاليم فاسدة تُسمِّم النفوس.  إن الكتاب المقدس هو أنفاس الله التي يستنشقها المؤمن وينتعش بها، وهو اللبن العقلي العديم الغش لكي ينمو به.  وإذ فقد الهواء والغذاء فإنه يموت. 

* أما المحاولة الثالثة التي احتال بها فرعون على الشعب فهي أن يطرحوا كل ابن في النهر.  ومرة أخرى نرى صورة للشيطان “كالقاتل”.  وفي النهر يمكن أن نرى المُتع والملذَّات والشهوات الشبابية.  وقد نجح الشيطان أن يغرق بيوت المؤمنين بهذه المواد التي تُمتِّع الجسد وتُشبع شهواته عن طريق الإنترنت والفضائيات التي تحمل كل صور الفساد لإمتاع وإشباع الشهوات التي تغرق الناس في العطب والهلاك. 

هذه صور من حيل الشيطان..

فلنتحذَّر ونسهر ولا نجهل أفكاره.