“إيه حكايتِك معانا يا 2011، ناويالنا على إيه؟!” هكذا خرجت الكلمات مرتجفة من فم صديقي، وأنا معه أتابع ما يحدث، ما بين الهاتف ومواقع الأخبار، مغلوبًا من دموعي على دماء سالت، فهي دماء بشر خلقهم الله وأحبهم، بغضِّ النظر عن لونهم ومعتقدهم بل وحتى سلوكهم ومعاملتهم.
ما الذي يحدث؟! إشاعة.. فتنة.. حي شعبي بسيط يتحول فجأة إلى ساحة قتال.. هجوم.. سلاح.. وفي لحظات تحول سكون الليل إلى أبشع ضجيج.. رصاص.. حريق.. جرحى.. قتلى.. صراخ.. نحيب..
دقَّ الهاتف ليخبرني بما كان له وقع الصاعقة على آذاني ووجداني.. “أبانوب”.. كان عند كنيسة مارمينا وأصابته رصاصة ولم يتمكنوا من إسعافه.
لست أدري كم من الوقت قضيت في ذهول.. لقد كنا معًا منذ أيام قليلة مضت، وكان من آخر المودعين لي في طريق عودتي من إمبابة، بمحبته المعتادة!! ما هذا الذي حدث؟! ما الذي أوجده هناك وقت الأحداث؟ لست أدري، فقد سمعت الكثير من القصص. لكني أوقن الآن أنه مع المسيح وذاك أفضل له جدًا.
لم يكل “أبانوب كرم” التاسعة عشر من عمره، عرفه كل من عايشوه كفتى رقيق المشاعر يحب الجميع ويحبونه، ناجحًا في دراسته ينتظره مستقبل طيب. على أن الأهم أنه، منذ بضعة سنوات، وضع ثقته في الرب يسوع كمخلِّص شخصي له، ورجع إليه تائبًا عن خطاياه، محتميًا في دمه الكريم الذي سُفك على الصليب من أجل غفران الخطايا.
من يومها وكلمات الحب للرب لم تفارق أبانوب، حتى أن آخر ما كتب على صفحته على موقع “الفيس بوك” كانت هذه الكلمات: “أنا باحبك يا رب ، خليك معايا أنا محتاج لك أوى. أنا عاوزك إنت يارب. خليك معايا فى الامتحانات، ووفقنى، وساعدنى أنا وكل الناس. إنت أب عظيم وما فيش أعظم منك. باحبك يا رب”. الأمر الذي سجَّله الكثيرون ممن تابعوا صفحته، بالإضافة لملاحظتهم أن صفحته كانت تحوي الترانيم فقط.
ولتقديره لما عمله المسيح معه، كانت أمنيته الغالية، والتي طالما سمعتها تخرج من قلبه بعمق، أن يعرف القريبين منه الرب مخلِّصًا شخصيًا، بل وجميع الناس.
ووفاءً للأمانة التي في عنقي تجاه رغبته هذه، وبناءً على أن ما حدث يصرخ بأعلى صوت، يهز الكيان، ولا يمكن أن نأخذ منه موقف المتفرجين، ولا أن نكتفي بالأحزان والأوجاع والمرارة الداخلية ونستسلم للتساؤلات والبحث عن المسبِّبات؛ بل لا بد مما هو أعمق وأكثر أثرًا. بناء على ما تقدَّم دعني أوجِّه سؤالاً يجب أن يجيب عليه كل شخص بمفرده بمنتهى الأمانة، سؤال إجباري، سؤال إجابته تساوي الحياة كلها، بل والأبدية أيضًا:
ماذا لو كنت أنا أو أنت مكان أبانوب؟
عندي 3 درجات من الإجابة أرجو أن تعبرهم بالترتيب:
1) إن كنت لست متأكدًا أين كنت ستكون اليوم: ربما أنك لم تَنَل الإيمان الحقيقي بالمسيح بعد. فهل تغامر بأبديتك وتعيش هكذا بلا رجاء، بلا خلاص، وقد تنتهي الحياة في أي لحظة؟ وما أرعب نهاية الحياة دون المسيح!! هيا قم الآن وارجع بتوبة حقيقية لإلهك، وبالإيمان احتمِ في دم المسيح فتنال الغفران، إنه على استعداد أن يغفر وأن يغيِّر، بل هو لا يكفّ عن التعامل معك ليقودك إلى ذلك.
وإذا عبرت الخطوة الماضية وصِرتَ:
2) متأكدّا من إيمانك: لا تغضب مني.. أرجوك تأكد مرة أخرى. افحص نفسك وحياتك بأمانة وإخلاص في ضوء أمرين غاية في الأهمية: (1) كُرهك للخطية ومقاومتها في حياتك، (2) رغبتك المُخلصة وجهادك للحياة لمجد الله وفي رضاه. أرجوك لا تجامل نفسك، ولا تحاول أن تتجمَّل أو تتصنع. لا تلبس أقنعة. أنت تتعامل مع الله الذي يكشف القلوب والنيات ولا يمكنك خداعه، وليس من المهم الآن خداع الآخرين؛ بل الخوف كل الخوف أن تخادع نفسك فتخسرها إلى الأبد.
والآن إلى الخطوة الأخيرة:
3) تأكدت يقينًا من إيمانك وضمنت بصدق أبديتك: إذًا دعني أسألك: وكيف تعيش حياتك إذًا؟ هل إلى الآن تحيا مثلك مثل كل الآخرين وكأن لا ثمن دُفع فيك (من فضلك اقرأ 1كورنثوس6: 20؛ 7: 23)؟ هل ما زلت تعيش لرغباتك وشهواتك (غلاطية5: 19-26)؟ هل سعيك الدؤوب هو تحقيق ذاتك وإثبات “الأنا” فيك (غلاطية2: 20)؟ استفق يا عزيزي واسمع قول الكتاب «هو مات لأجل الجميع؛ كي يعيش الأحياء فيما بعد، لا لأنفسهم، بل للذي مات لأجلهم وقام»، وتذكر «أنه لا بد أننا جميعا نُظهر أمام كرسي المسيح؛ لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع: خيرًا كان أم شرًا» (2كورنثوس5: 15، 10).
أما آن الأوان لأن نستفيق ونقتني القليل الذي بقى من العمر، ونصلي من القلب:
يا رب علِّمنا أن العمر قصير قصير
فاعطنا نقوِّم طرقنا لنرضيك كل المسير
نحيا لك، لإكرامك، مهما يكن شكل المصير
ودعني أهمس في أذنك بكلمات قليلة أخيرة يا أخي المؤمن:
* دقِّق في كل تصرف فقد يكون الأخير. لقد نال صديقنا المدح من الناس لأن كلماته الأخيرة كانت تعبِّر عن الحب للرب، وهل كان يعرف وهو يكتبه أنه القول الأخير له؟ لذا حري بنا ونحن نتصرف أي تصرف أن نتذكر أنه قد يكون الأخير في الحياة، ويا سعدنا إن أكرمنا به الرب، يومها سننال المدح منه هو، وما أروعه!
* ليزِد إيماننا في وسط الضيق. فقد أخبرنا الرب يسوع به من قديم (مثلاً: يوحنا16: 1-4، 33)، وقد قال: «قُلْتُ لَكُمُ الآنَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ، حَتَّى مَتَى كَانَ تُؤْمِنُونَ» (يوحنا14: 29). فإذا أتت اليوم، ألا يزيد إيماننا فيه، وفي كل وعوده، وعلى رأسها أنه آتٍ سريعًا ليأخذ المؤمنين إليه؟!
*لا تكره أحدًا. بل تذكر أن الرب قد قال «وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ... لأَنَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟...» (متى5: 44-48).
*تكلَّم عن المسيح، فالناس، اليوم، جميعًا، في مسيس الحاجة إلى معرفته كالمخلِّص. لا تُضِع وقتًا دون أن تفعل ذلك.
* أخيرًا ارفع رأسك، وانتظر سيدك آتيًا قريبًا لينهي سيل الدماء، ويمسح الدموع، ونبقى معه أبدًا فرحين في أحلى الربوع. وقل معي من القلب:
آمين تعال أيها الرب يسوع.