سمعتها من عجوز وقورة، تقف متيّبسة على جانب الطريق، تحتاج من يأخذ بيديها للناحية الأخرى، تُحرَج من طلب العون وتستسلم للانتظار، حتى يأتيها شاب “ابن حلال” فيتمِّم لها الأمر، تلتقط أنفاسها بعد الوصول وتحيِّيه قائلةً: “شكرًا يا ابني كتَّر خيرك”!
سمعتها من طالب غرقان قبل الامتحان، يطلق لحيته ويُربي شعره (على أساس أنه بيذاكر)! يصرف الساعات في تصوير “التبييضات” ولا يجد الوقت ليذاكرها!! أخيرًا يعود لمنزله منهكًا، فيجد والده مقدِّرًا “مجهوده” بكوب من الشاي، فيرد عليه: “شكرًا يا بابا كتَّر خيرك”!
قد تنظر إليها على أنها “دعوة” لطلب الخير لإنسان صنع معك إحسان، وقد تنظر إليها على أنها وسيلة للشكر تُرفَق مع مثيلاتها “ميرسي” و “ثانكس”!! لكننا هنا سنرتفع عن حوارات البشر، ونتوجه لأعلى حيث مسكن الإله الذي يحب البشر و«يهب خيرات للذين يسألونه» (متى7: 11)، لنعرف الخير المُعّد لنا من يده ونعدِّده فنحمده.
كتر خيرك و الألوان
بطول التاريخ وعرضه، اختلف الفلاسفة على وضع تعريف محدَّد للخير، فبالنسبة لبعضهم هو لغز يصعب حله، وبالنسبة للآخرين هو قيمة يندر وجودها. لكن اتفق الجميع على أنه حدث أو ظرف يحدث للإنسان يعقبه السعادة والفرح والاكتفاء.
لكنن هنا سنعِّرف الخير باستخدام عِلم الألوان؛ فلكل إنسان لونه من الخير الذي يبتغيه، البعض خيره في الأوراق الخضراء ($)، والآخر في الأحجار الصفراء (gold)!! البعض خيره في “البلاطي” البيضاء، والآخر في “البِدَل” السوداء، أو السير على “السجادة” الحمراء!! المهم أن لكل إنسان الخير الذي يملأ عينه أيّا كان لونه!
عزيزي القارئ العاشق للألوان، لك أن تحدّد لونك من الخير، وأن تنام تحلم به، لكن دعني أذكرك أن الإنسان في أحسن أحواله لا يجيد اختيار “لون” الخير الصالح له، لأنه في “كتالوجه” مصمَّم فقط على قبول الخير من إلهه. إن لم تصدقني فاذهب إلى داود، الذي اختار لون الهروب “الرمادي” قائلاً: «إني سأهلك يومًا بيد شاول، فلا شيء خير لي من أن أفلت إلى أرض الفلسطينيين» (1صموئيل27: 1)، بدلاً من انتظار لون المُلك “الذهبي”، رغم أنه المرشح الوحيد الممسوح للمُلك!! وأيضًا يونان المبشر الذي ربح أكثر من 120 ألف نفس في يوم واحد، تجده يختار لون الموت “الأسود” قائلاً: «يا رب خذ نفسي مني؛ لأن موتي خير من حياتي» (يونان4: 3)، بدلاً من لون الثمر “الأخضر” ليواصل استخدامه المعجزي وفائدته لهذه النفوس!
إن أكثر إنسان يتمتع بألوان الخير الإلهية، هو الذي يترك اختيار اللون الذي يناسبه من الخير لإلهه الذي يحبه، ويكتفي هو فقط بمراقبة إحسانه والرد عليه قائلاً: ما أكثر خيرك.. أو كتّر خيرك!
كتَّر خيرك والأسباب
لكل شيء سبب، ولكل خير سبب، وإذا عُرِف السبب بطُل العجب! فالمشكلة عند البعض، ليست في تعريف الخير، بالألوان أو بغيرها، لكن المشكلة في كيفية وسبب الحصول على هذا الخير!
فمثلاً رجل الإيمان ابراهيم، ظن في يوم أن امرأته الجميلة سارة، قد تكون سبب الخير بالنسبة له، فقال لها: «قولي إنك أختي، ليكون لي خير بسببك... فصنع لأبرام خيرًا بسببها»، وبالفعل نجح إبراهيم ظاهريًا في إيجاد سبب يحصل به على الخير الذي يبتغيه، ولكنه فوجئ أن نفس سبب الخير (سارة) أضحى سببًا لشر رهيب وكوارث بالنسبة للأخرين؛ فقد «ضرب الرب فرعون وبيته ضربات عظيمة بسبب ساراي امرأة أبرام» (تكوين 12: 13، 16، 17)، والأكثر من ذلك أن ابراهيم نفسه صُعِق عندما وجد نفسه يبيت في حضن الغنم والحمير، بينما زوجته المحبوبة (سبب الخير) تقترب من حضن رجل آخر!
عزيزي الباحث عن الخير، كُفَّ عن البحث عن أسباب وهمية تظنها ستجلب لك الخير، لأنها قد تجلب لك الشقاء والتعب، أو في أحسن الأحوال ستجلب لك الخير الذي لا تحتاجه!
فلا تتخيل أن كلية القمة ستكون سببَ القيمة والفخر لك بين الناس، ولا تظن أن الهجرة ستكون سببَ الأمان بعيدًا عن أخطار البلاد والعباد، ولا تحلم أن الزوجة الجميلة المرحة ستكون سببَ السعادة وعدم الملل؛ فقد تتغير طبيعة الأسباب، وتصبح أسباب الخير هي في الحقيقة موانع له. فالخير هو فقط الذي يأتي من يد الرب الإله بلا أي أسباب، وقتها فقط تتعالى همساتك لإلهك: كتّر خيرِك!
كتَّر خيرك والحصار!
الآن صديقي الهُمام، لعلك فهمت أن إلهك الصالح يختار لك اللون الذي يناسبك من الخير أفضل منك، ولعلك اقتنعت بعدم جدوى الأسباب البشرية في جلب الخير لك؛ الآن بقي أن تعرف أن إلهك “الخيِّر” لن يعطيك قائمة بالخيرالذي اختاره لك، لكنه وعد أن يحاصرك به من كل جانب، بل وسيفاجئك به على مرِّ الأيام.
فمن قدامك «الحياة والخير» (تثنية30: 15)، ومن خلفك «خير ورحمة يتبعانني كل أيام حياتي» (مزمور23: 6)، وحين تنام «نفسه في الخير تبيت» (مزمور25: 13)، وحين تسير يتقدمك «ببركات خير» (مزمور21: 3)، وحين تجوع يملأ «نفسًا جائعة خبزًا (خيرًا)» (مزمور107: 9)، وحين تشبع «لا يعوزهم شيء من الخير» (مزمور34: 10)، حتى حينما يأتي الشر، يحوله الرب فتجده «قصد به خيرًا» (تكوين50: 20)، فما رأيك في هذا الحصار المُحكم!!
أضف إلى ذلك أنك داخل هذا الحصار، ستتعرف على دُرَّة الخير ومنبعه؛ الرب يسوع شخصيًا؛ فإذا تقابلت معه وتذوقته، سيصبح هو بذاته خيرك، وتكتفي به قائلاً: «أنت سيدي. خيري لا شيء غيرك» (مزمور16: 2)، ووقتها لن تحتمل عينك “ألوان” الخير الموجودة فيه، ولن تتوقع مفاجآته الصالحة في حياتك، وسيكون نشيدك اليومي الصباحي: صباح الخير يا رب.. شكرًا.. كتَّر خيرك!
أقولك إيه وانت محاصرني بخيرك من زمان
وأطلب ليَّ إيه، وأنا بين إيدين إلهي الحنان
يا ريتني أهدا ومانتظرش تيجي الأسباب
دي كتير بتخدعني، وكتير بتسد لي الأبواب
فخيري وكفايتي فيك وحدك يا رب الأرباب
خلاص حرمت اختار ليَّ!! ده أنا عندي عمى ألوان
كتّر خيرك إنك حاببني وعايزني، ومقدَّر طبعي كإنسان