في غابة الصنوبر

سأحكي لك قصة الأخ الراحل فؤاد عجميان، كما نشرها ابنه بموقع النعمة على الإنترنت: “وُلد فؤاد عجميان في نهاية القرن التاسع عشر في ضيعة متن عرنوق السورية.  ومنذ كان طفلاً كان يتيم الأب، وقبل أن يبلغ العشرين من العمر ترك بيت الأسرة وهاجر إلى لبنان ليحصل على فرصة للعمل. 

تزوج من فتاة لبنانية وأنجب منها ولدين.  ولكن إدمانه للقُمار جعله يخسر كل شيء حتى باع بدلة العُرس وخاتم الزفاف وبَدَّد ثمنهما على طاولات القمار.  ولما فشل في حياته قرَّر الطلاق من زوجته ليتخلص منها ومن ولديه.  وحسب الميعاد تقابل مع زوجته وولديه أمام إحدى الكنائس في بيروت.  ولما كان الولدان مع أمهما قالت لهما: اذهبا إلى أبيكما!  وعندما ذهبا إلى أبيهما، الذي انعدمت من قلبه كل محبة ورحمة، قال لهما: ارجعا إلى أُمِّكما!  ولما شعرا أنهما مرفوضان من الأب والأم، لم يذهبا لأحد بل تعانقا عند إحدى زوايا مبنى الكنيسة حيث أجهشا في البكاء في منظر مأساوي حزين.

فتركهما الأب القاسي لحال سبيلهما مع أمهما، وذهب هاربًا من العائلة، بل ومن الله، عائدًا إلى مدينة حلب السورية.  وبعد أن مَرَّ بمدينة طرابلس جلس ليستريح في ظل شجرة، وفجأة جلس بجواره ثلاث رجال لم يكن يعرفهم، طلب أحدهم من الآخر أن يحكي له قصة الابن الضال والآب المُحِب (لوقا15).  ولما سمع فؤاد عجميان القصة وجد أنها تشبه قصته، فقرر الرجوع لبيروت على أمل أن يبدأ بداية جديد في عمله وعائلته كالابن الراجع.

وفي الصباح حصل على بعض الأموال من أحد زبائنه القدامى، لكن للأسف خسر أيضًا كل ما يملك وبَدَّده على طاولة القمار.  ولما أخبر أصحابه بقصته تحنَّن أحدهم عليه وأعطاه ما يكفي لوجبة طعام واحدة، فشعر بخزي الخطية؛ فقرر الانتحار.  ذهب إلى دكان السيد سعيد نجم في أحد أحياء بيروت واشترى منه أداة للموت وتوجَّه بعدها إلى غابة الصنوبر في منطقة السيوفي ببيروت ليقتل نفسه.

لكن الله الآب المُحِب أرسل له، وفي نفس المكان، وبطريقة عجيبة، خادمًا كان يعرفه اسمه عيسى المصري، ولما رآه سأله: أأنت فؤاد عجميان؟  وما الذي تحمله في يدك هنا في الغابة؟  فاعترف بأنه كان سينتحر وحكى للخادم قصته بالتفصيل.  قال له الخادم: أنت تحتاج إلى علاج جذري من الرب يسوع المسيح الطبيب العظيم.  واستضافه، وأخذه في مساء ذلك اليوم إلى الكنيسة للاستماع إلى خادم الرب برنابا نوس، الذي تكلم بإرشاد الروح القدس أيضًا في هذه الليلة عن الرب يسوع المسيح الطبيب العظيم الأخصائي في تغيير القلب والحياة.  اعترف فؤاد عجميان للرب بخطاياه، وطلب منه أن يعطيه قلبًا جديدًا، فكانت تلك الليلة فاصلة وتاريخية في حياته، وصار في المسيح خليقة جديدة، ورجع إلى زوجته وأولاده، وغيَّر الرب كل كيانه ومسلكه، مما جعل المحيطين به وخصوصًا من غير المؤمنين يتعجبون؛ فقال أحدهم: سُبحان الذي غيَّر الذي لا يمكن تغييره؛ هذا الإنسان المُستعبَد لشروره إذ أعاد له كرامته وعائلته وجعل حياته تشع بنور المسيح.”

صديقي..صديقتي.. حقًّا إن الرب يسوع هو الطبيب الأعظم.  لقد صلَّى داود النبي قديمًا قائلاً: «قَلْبًا نَقِيًا اخْلُقْ فِيَّ يَا اللهُ وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي» (مزمور51: 10).  ومكتوب: «إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ.  الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ.  هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا» (2كورنثوس5: 17).  لقد ذكَّرتني قصة فؤاد عجميان الذي كاد أن يقتل نفسه قبل أن يتمتع بخلاص المسيح بقصة حافظ السجن في مدينة فيلبي (أعمال16: 23‑40)، والذي كان:

1- نائم: «مَا لَكَ نَائِمًا؟  قُمِ اصْرُخْ إلى إِلَهِكَ» (يونان1: 6).

2- يفكر في الانتحار: «اسْتَلَّ سَيْفَهُ وَكَانَ مُزْمِعًا أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ ظَانًّا أَنَّ الْمَسْجُونِينَ قَدْ هَرَبُوا»، مثل: شمشون (قضاة16: 29‑30)، شاول الملك (1أخبار10: 4، 5)، أخيتوفل (2صموئيل17: 23)، زمري الملك (1ملوك16: 18)، يهوذا الإسخريوطي (متى27: 25).

3- في ظلام: «طلب ضوءًا»، «كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِيًا إلى الْعَالَمِ» (يوحنا1: 9؛ 8: 12).

4- مُرتَعِد: «انْدَفَعَ إلى دَاخِلٍ وَخَرَّ لِبُولُسَ وَسِيلاَ وَهُوَ مُرْتَعِدٌ»، «فَقُلْتُ: وَيْلٌ لِي!  إِنِّي هَلَكْتُ لأَنِّي إِنْسَانٌ نَجِسُ الشَّفَتَيْنِ» (إشعياء6: 5).

5- حائر: فسأل: «يَا سَيِّدَيَّ مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ أَفْعَلَ لِكَيْ أَخْلُصَ؟»، كالوزير الحبشي: «كَيْفَ يُمْكِنُنِي إِنْ لَمْ يُرْشِدْنِي أَحَدٌ؟» (أعمال8: 31).

6- يبحث عن الخلاص: «يَا سَيِّدَيَّ مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ أَفْعَلَ لِكَيْ أَخْلُصَ»، «نَائِلِينَ غَايَةَ إِيمَانِكُمْ خَلاَصَ النُّفُوسِ؛ الْخَلاَصَ الَّذِي فَتَّشَ وَبَحَثَ عَنْهُ أَنْبِيَاءُ» (1بطرس1: 10).

7- بيته يحتاج للخلاص: «فَقَالاَ: آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ» (انظر لاويين13؛ 14).
وتمتع بالخلاص:

1- سمع كلمة الله: «وَكَلَّمَاهُ وَجَمِيعَ مَنْ فِي بَيْتِهِ بِكَلِمَةِ الرَّبِّ»، «إِذًا الإِيمَانُ بِالْخَبَرِ والْخَبَرُ بِكَلِمَةِ اللهِ» (رومية10: 17).

2- آمن بالله: «آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ»؛ الذي هو الله الظاهر في الجسد (1تيموثاوس3: 16؛ أفسس2: 8‑10).

3- تمتع بالخلاص: «وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ» (متى1: 21).

4- غسلهما من الجراحات: صار خليقة جديدة (2كورنثوس5: 17)، رَدَّ المسلوب كزَكَّا (لوقا19: 8)، وعرف المحبة (1يوحنا3: 16).

5- اعتمد هو وأهل بيته: الدفن مع المسيح (رومية6: 4).

6- فتح البيت: أصعدهما إلى بيته: فتح بيته كليديَّا (أعمال16: 15)، صار يقبل الإخوة (3يوحنا5).  قدَّم لهما مائدة: تعلَّم العطاء (1كورنثوس9: 11)، عاكف على إضافة الغرباء (رومية12: 13؛ عبرانين13: 2؛ 1بطرس4: 9).  تهلل مع بيته: «صَوْتُ تَرَنُّمٍ وَخَلاَصٍ فِي خِيَامِ الصِّدِّيقِينَ» (مزمور118: 15).

7- عرف معنى السلام: «فَأَخْبَرَ حَافِظُ السِّجْنِ بُولُسَ أَنَّ الْوُلاَةَ قَدْ أَرْسَلُوا أَنْ تُطْلَقَا فَاخْرُجَا الآنَ وَاذْهَبَا بِسَلاَمٍ» (رومية5: 1).

فهل تمتعتَ بخلاص الله مثل حافظ السجن والأخ فؤاد عجيمان؟ 

هل تأتي معي للمسيح مُصَلِّيًا؟

صلاة: يا رب أشعر بالفشل والانهيار.. وحياتي صارت علقم ومَرَار.. فارحمني وخَلِّصني أنا أشقى الأشرار.. يا من لأجلي سُمِّرت بالمسمار.. فوق صليب اللعنة والعار.. كَسِّر قيودي وحَطِّم كل الأسوار.. لأسجد لك كل أيامي في الليل والنهار.
آمين!