الصــــبر

حتى متى يا رب لا تنتقم؟  لماذا ينجح الشرير؟

لما تريني إثمًا وقُدامي اغتصاب وسحق؟

أسئلة كثيرة تدور في رأس أولاد الله بسبب ضغوط الحياة ومضايقات الأشرار.  ويظن البعض أن الرب لا يبالي أو يغفل عن تساؤلاتنا...  لكن الواقع أن الأمر ليس كذلك، فالمشكلة فينا وليست في الله.  إنها نقص في مادة هامة في داخلنا وفضيلة نحتاج أن نتعلمها ألا وهي: الصبر

ما هو الصبر؟

الصبر كلمة تعني حالة من القدرة على الاحتمال والانتظار بهدوء في وقت الظروف الصعبة.

لماذا نحتاج إلى الصبر؟

1- للاحتمال: زادت الضغوط وكَثُرت التحديات والاستفزازات، ونشعر بأن الضيق فوق الطاقة.  يقول الكتاب: «خذوا يا إخوتي مثالاً لاحتمال المشقات والأناة...  قد سمعتم بصبر أيوب» (يعقوب5: 10)؛ فالصبر يُعين على الاحتمال.

2- لانتظار خلاص الرب: «انتظر الرب واصبر له...» (مزمور37: 7).  من كلمة الله نعرف أن صبر المسيحي ليس نوعًا من الاستسلام أو القَدَريَّة، لكنه يقين أن هناك حل إلهي لا بُد أن يعمله الرب: «ولكنني أراقب الرب.  أصبر لإله خلاصي.  يسمعني إلهي» (ميخا7: 7).  لذلك ونحن ننتظر الرب، نحن في حاجة شديدة إلى الصبر.

انتظري الرب يا نفسي

يسوع قريب

يميل إليك ويسمعك

كذاك يجيب

 

 

 3- لحفظنا من مخاطر الاندفاع: «أما الصبر فليكن له عمل تام» (يعقوب1: 4).  لم يكن شاول الملك لديه صبر، ولم ينتظر صموئيل؛ فاندفع وقدَّم الذبيحة، وكان هذا اختصاص صموئيل فقط، فكانت النتيجة قضاءً إلهيًّا: «مملكتك لا تقوم» (1صموئيل13: 14).

أعظم الصابرين

من هو أعظم صابر عرفه التاريخ؟

أعتقد أن البعض يقول: أيوب، والكتاب يقول: «قد سمعتم بصبر أيوب».  نعم، إن أيوب من أروع الصابرين؛ لكن أعظم الصابرين هو المسيح: «صبر المسيح» (2تسالونيكي3: 5).  كيف كان المسيح صابرًا؟  بالاحتمال والانتظار.

1. في حياته على الأرض: «الذي إذ شُتم لم يكن يشتم عوضًا، وإذ تألم لم يكن يهدد، بل كان يسلِّم لمن يقضي بعدل» (1بطرس2: 23).

2. وصبره الآن في السماء: «منتظرًا بعد ذلك حتى توضع أعداؤه موطئًا لقدميه» (عبرانيين10: 13).

نعم، احتمل الصليب مُكَمِّلاً الفداء.  وما زال صابرًا وهو يُهان كل يوم من الأشرار، منتظرًا يوم ظهوره وسيادته على الجميع.  ألا نصبر نحن أيضًا معه ومثله؟  «والرب يهدي قلوبكم إلى محبة الله وإلى صبر المسيح» (2تسالونيكي3: 5).

أيوب الصابر (يمكن الرجوع للقصة في سفر أيوب)

لم توجد شخصية في التاريخ كله تجمَّع عليها هذا المقدار من الكوارث كأيوب، ففي يوم واحد مات أولاده كلهم، ونُهِبَت مواشيه، وضاعت صحته!  فما أروع ما خرج من فم هذا الصابر البطل: «كل أيام جهادي أصبر إلى إن يأتي بَدَلي» (أيوب14: 14)!  إنني صابر حتى يحين الوقت الذي فيه سأتغيَّر تمامًا وأرى الله: «الذي أراه أنا لنفسي».  صحيح مَرَّت عليه نوبات من الفشل والانحناء، لكن بمعونة القدير تَمَّت فيه الكلمات الحلوة: «قد سمعتم بصبر أيوب ورأيتم عاقبة الرب.  لأن الرب كثير الرحمة ورؤوف» (يعقوب5: 11).

كيفية الحصول على الصبر

* التدريب في مدرسة الله اليومية: من خلال التدريبات الإلهية بواسطة الآلام والضغوط: «إن الضيق ينشئ صبرًا...» (رومية5: 3)، وأيضًا «عالمين أن امتحان إيمانكم ينشئ صبرًا...» (يعقوب1: 3).  يسمح لنا الرب بضغوط متنوعة، ومن خلالها يُعلِّمنا ويُدرِّبنا على الصبر؛ فموسى خرج من قصر فرعون متعجرفًا لا يعرف الصبر ولا الاحتمال، لكنه خرج بعد أربعين سنة من مدرسة الله في البرية «حليمًا جدًّا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض» (عدد12: 3).

* التزود بإمكانيات الله كل يوم: «مُتَقَوِّين بكل قوة بحسب قدرة مجده لكل صبر وطول أناة بفرح» (كولوسي1: 11)؛ فالظروف أقوى من ضعف طبيعتنا البشرية، والصبر ليس من سمات الإنسان الطبيعية.  لذلك يصلّي بولس لأجل المؤمنين ليتقووا بكل قوة من الله، بمقياس عظمته الفائقة.  وهذه القوة تُوَلِّد في المؤمنين صبرًا بل طول أناة مُغَلَّفًا بالفرح.  هذا ما اختبره يوسف في تجربته التي استمرت قرابة الثلاثة عشر عامًا: «ثبتت بمتانة قوسُه، وتشددت سواعد يديه من يدي عزيز يعقوب، من هناك؛ من الراعي صخر إسرائيل» (تكوين49: 24).

البركات التي يحصدها المؤمن الصابر

بينما تُثني كلمة الله على الشخص الصبور، تُبرز مساوئ المتضجر والمندفع؛ فيقول الحكيم: «لا تستصحب غضوبًا ومع رجل ساخط لا تجيء لئلا تَألَف طرقه» (أمثال22: 24)، «السُّكنَى في أرض برية خير من امرأة مخاصمة حَرِدة (سريعة الغضب)» (أمثال21: 19).

1- المؤمن الصبور شريك للمسيح في الآمه: «أنا يوحنا أخوكم وشريككم في الضيقة وفي ملكوت يسوع المسيح وصبره» (رؤيا1: 9).

2- الحفظ الإلهي: «لأنك حفظت كلمة صبري أنا أيضًا سأحفظك من ساعة التجربة» (رؤيا3: 10).

3- نملك أيضًا معه: «إن كنا نصبر فسنملك أيضًا معه» (2تيموثاوس2: 12).

4- يكون لنا رجاء: «حتى بالصبر والتعزية بما في الكتب يكون لنا رجاء» (رومية15: 4).

5- الثمر: «الذين يسمعون الكلمة فيحفظونها في قلب جيد صالح ويثمرون بالصبر» (لوقا8: 15).

نصيحة إلهية

أخيرًا، أحبائي، نحن في حاجة شديدة للصبر.  وتقدِّم لنا كلمة الله نصيحتين في غاية الأهمية:

أولاً: دعونا «نحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا» (عبرانيين12: 1)!

وثانيًا: دعونا نتحلَّى بالصبر لبركة وفائدة أنفسنا: «بصبركم اقتنوا أنفسكم» (لوقا21: 19).

قال المرنم مُصليًّا: 

سَلَّمتُ أمــري في يديك

وإنني راضٍ وصابر

راضٍ بما يُرضيك، ربي

مُخَلِّصي، راضٍ وشاكر