عيد ميــلاد نجوى

اقترب اليوم الذي انتظرته “نجوى” شهورًا طويلة؛ فغدًا هو يوم عيد ميلادها الثاني عشر..  نجوى تلك الطفلة “القمُّورة”، حبيبة بابا وماما، كانت تُحِب يوم عيد ميلادها جدًّا، وتنتظره طوال العام.  وكان بابا وماما يهتمان أيضًا بعيد ميلاد وحيدتهم الرقيقة الجميلة الشقراء، وها هي كبرت...  آه، السنين تمر سريعًا!  لقد بلغت نجوى من العمر 12 سنة.

في الغد كان الكل قد استعد لعيد ميلاد نجوى؛ فالتورتة الكبيرة قد جاءت مزينة بعبارة “عيد ميلاد سعيد يا نجوى”.  والشمع الذي عليها يكتب رقم 12، والحلويات والمشروبات والساندوتشات...  الكل قد أُعِدَّ جيدًا.

وكانت نجوى قد أرسلت لأصدقائها وزملائها دعوات لحضور عيد ميلادها، وأكَّدت عليهم الحضور بالتليفون، والرسائل النصية، والبريد الإلِكتروني.  كان كل شيء يبدو على ما يرام في عصر هذا اليوم، وكل شيء كان يُنبئ بليلة عيد ميلاد سعيد لنجوى.

إلا إنه فجأة بدا الحزن على وجه نجوى، وصارت تبكي بشدة في حجرتها، ورفضت أن تلبس الفستان الجديد الذي اختارته مع أمها خصيصًا لأجل هذه المناسبة.  بل وفجأة طلبت من أمها أن تلغي عيد الميلاد بالكامل!  استغربت “ماما” جدًّا.  فماذا حدث فجأة ولماذا تبكي نجوى؟

حاولت الأم أن تعرف سبب حزن ابنتها، لكن نجوى لم تقُل شيئًا إلا البكاء الشديد والدموع الغزيرة وهي على سريرها تضع رأسها تحت الوسادة.  ولكن ماما بذكائها بدأت تحكي مع نجوى وتستدرجها في الكلام، حتى تعرف سر حزنها وبكائها في يوم كهذا، وقبل حفلة عيد الميلاد. 

وبعد الرفض المتكرر، قالت نجوى: ماما، أخاف إن قلت لك لماذا أبكي، أنك تتضايقي مني.

ولما وعدتها الأم وطمأنتها، قالت نجوى لأمها: ماما أنا أحبك جدًّا، ولكني أخجل من منظرك وشكلك، ولا سيما أنني اليوم كبرت، وأصحابي الذين سيحضرون عيد ميلادي لا بُد سيسخرون مِنِّي إن رأوك يا ماما.  أرجوك أن لا تسيئي فهمي.  أنا أحبك جدًّا يا ماما، لكن المشكلة هي في أصحابي.  منظر وجهك يا ماما سيكون سبب سخرية أصحابي طوال حياتي بعد اليوم.

احتضنت ماما “نجوى” في حب شديد، ووعدتها أنها لن تظهر في الحفلة، ولن تحضر عيد الميلاد، لكنها ستكون بالداخل، في المطبخ، لكي تساعدها في تقديم المأكولات والمشروبات للحاضرين.  وهكذا انتهى عيد ميلاد نجوى الثاني عشر في فرح وسلام تام.

بعد نهاية عيد الميلاد، وبعدما خرج جميع الضيوف، قَبَّلَت نجوى ماما وشكرتها على تفهمها لها، فاحتضنتها الأم في حب شديد وقالت لنجوى: نجوى، أنا أحبك جدًّا يا وحيدتي، ولأنك الآن كبرتي وبلغت الثانية عشر من عمرك، لذا يلزم أن أخبرك لماذا وجهي ورقبتي وذراعي الأيمن مُشَوَّهين هكذا: 
لقد نشبت النيران في سريرك يا وحيدتي وأنت صغيرة، لم تكملي من العمر عامًا واحدًا، وكنت أنا في المطبخ لما رأيت النار تقترب منك بسبب ماس كهربائي في حجرتك بجوار سريرك.  فجريت عليك، واحتضنتك، وخرجت بك إلى الصالة، ولكن النيران كانت قد التهمت كل شيء، وشَعري، والفستان الذي كنت أرتديه.  وبعد أيام طويلة في العلاج من الحروق، ورغم كل عمليات التجميل، ظل وجهي هكذا يا حبيبتي.

لم تكمل الأم القصة حتى صارت نجوى تبكي بشدة وهي تحتضن أمها وتُقَبِّل وجهها ورقبتها وذراعها المشوَّهين، وهي تقول بصوت مرتفع: ماما، أنت جميلة يا ماما، لكن أحلى ما فيك هو وجهك ورقبتك وذراعك؛ جسمك الذي احترق لأجلي حتى أكون أنا بلا عيب.  آه!  ماما إني أحبك!  أحبك جدًّا!  سأفتخر بك أمام كل الناس، فليس أحد من أصحابي أو زملائي ضحت أمه بنفسها وجمالها واحترقت لأجله.  ماما، إني أحبك يا ماما!  سامحيني على ما فعلته في عيد الميلاد.  كنت جاهلة جدًّا.  لم أكن أدرك حبك المُضَحِّي.  أنا فخورة جدًّا بك يا ماما.  فخورة بك!

صديقي القارئ العزيز، صديقتي القارئة العزيزة، كثيرًا ما كانت هذه القصة الحقيقية سبب بركة وخلاص لنفوس بعيدة عن المسيح في كل مرة أسردها في الاجتماعات الروحية والكرازية.

طبعًا أنا لا أتوقع منك أن تسالني: “وما علاقة هذه القصة بالمسيح، وما عَمِلَه؟”

فالشبه - بالرغم من أنه باهت لكنه - كبير.  فنجوى كانت تخجل من وجه أمها المُشَوَّه، رغم أن هذا التشوُّه كان بسبب إنقاذها من النيران.  أليس في هذا صورة لما يعمله بعض الناس الذي يخجلون من صليب الرب يسوع المسيح وجراحاته؟  لكن اسمع المرنم يقول:

جراح حبيبي غالية عليَّ

 

خلّتني أكره كل خطية

وأشتاق من قلبي أخدم

 

اللي أحسن إليَّ

قال بولس الرسول: «فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ» (1كورنثوس1: 18).

كانت جراحات المسيح سبب سلام وفرح للتلاميذ بعد القيامة: «وَلَمَّا قَالَ هَذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَجَنْبَهُ فَفَرِحَ التّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوُا الرَّبَّ.  فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ أَيْضًا: سلاَمٌ لَكُمْ...  أَمَّا تُومَا...  فَقَالَ لَهُمْ: إِنْ لَمْ أُبْصِرْ فِي يَدَيْهِ أَثَرَ الْمَسَامِيرِ وَأَضَعْ إِصْبِعِي فِي أَثَرِ الْمَسَامِيرِ وَأَضَعْ يَدِي فِي جَنْبِهِ لاَ أُومِنْ.  وَبَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ...  قَالَ لِتُومَا: هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِنًا.  أَجَابَ تُومَا: رَبِّي وَإِلَهِي!» (يوحنا20: 20، 27).

فهل تُقَدِّر الرب يسوع ومحبته وجراحه؟ 

هل تصلي معي الآن؟!

صلاة:
أشكرك يا مخلصي لأجل الصليب والجراحات...
لقد احتملت بدلاً مني العذابات والإهانات...
أسلمك حياتي
وأشكرك لأجل دوام الإحسانات
آمين!