الأمـــــــــــــــانة (1)
«أما الرجل الأمين فمن يجده؟!» (أمثال20: 6)
كان هذا تساؤل حكيم الأجيال سليمان الحكيم. كما أنه مطلب البشرية وحلمها؛ البشرية التي ابتُلِيَت بعدد ليس بقليل ممن تقلَّدوا المناصب والسُّلطة، فأمعنوا السرقة والاحتيال والمُتاجَرة بالفقراء، ونهبوا الثروات وكدَّسوها في الخزائن والبنوك العالمية. وكانت النتيجة الحتمية: أنه يموت طفل كل أربع دقائق من الجوع، بينما أصبح نصيب كل فرد على الكرة الأرضية من أسلحة الدمار أربعة أطنان!! فعدم الأمانة زاد من الجوع والدمار وقلَّل من الشبع والاستقرار.
ويبقى السؤال الحائر:
أما الرجل الأمين فمن يجده؟!
ما هي “الأمانة”؟
فضيلة سامية وكلمة جميلة، تحمل عدة معانٍ رائعة؛ فهي تعني الإخلاص والوفاء، وأيضًا تعني: “ما هو طبق الأصل”؛ أو مَن كان خارجه يُشبه داخله. بل والرائع أن كلمة مؤمن هى نفسها كلمة أمين “faithful”. نعم، فإن المؤمن والأمين هما وجهان لعُملة واحدة.
الأمين الأعظم:
بينما مرَّ على البشرية آلاف من غير الأمناء قال عنهم المسيح: «هُم سُرَّاق ولصوص» (يوحنا10: 8)، جاء الرب يسوع المسيح الذي برهن بحياة رائعة أنه بحق الشاهد الأمين، فمَجَّد الله الآب، بل وكان بحياته الأمينة بركة وخلاصًا للبشرية. كيف؟!
1. «حال كونه أمينًا للذي أقامه» (عبرانيين2: 3)؛ عمل المسيح كل شيء لمجد الآب الذي أرسله، حتى إنه قال: «طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني» (يوحنا4: 34).
2. كل أقواله أمانة، فلم يتكلم إلا بالحق، وجاء ليشهد للحق، فلاق به أن يسبق كلامه بالقول: «الحقَّ الحقَّ أقول لكم».
3. تطابق كلامه مع أفعاله: «جميع ما ابتدأ يسوع يفعله ويعلم به» (أعمال1: 1).
4. أمين لا ولن يتغير فى أمانته: «إن كُنَّا غير أمناء فهو يبقى أمينًا لن يقدر أن يُنكِر نفسه» (2تيموثاوس2: 13).
وإذ عاش المسيح أمينًا، استطاع أن يتمِّم المهمة بنجاح؛ أعني مجد الآب وخلاص الإنسان، فقال للآب: «العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملتُه» (يوحنا17: 4).
أشجعك، قارئي العزيز، أن تثق في شخص المسيح الأمين، بل وتتمثل به، فكما سلك ذاك ينبغي أن نسلك نحن أيضًا.
مجالات الأمانة
أولاً: أمانة مع الله
في عمل الله: فحينما يشرّفني الرب بعمل أو بخدمة لأقوم بها في كرمه، يجب أن أتمِّمها “بأمانة” وبعزم القلب، وأيضًا لمجده. فـمَلعون من يعمل عمل الرب برخاء؛ أي بتهاون. وما أروع شهادة الله عن موسى الخادم قائلاً: «وأما عبدي موسى... هو أمين في كل بيتي» (عدد12: 7).
الأمانة لله حتى الموت: يشجّع الرب مؤمني كنيسة سميرنا المُضطَهَدين بالقول: «كُن أمينًا إلى الموت فسأعطيك أكليل الحياة» (رؤيا2: 10). أوَ لم يظل استفانوس “أمينًا” فى شهادته للرب حتى رجمه الأشرار وهو يقول: «أيها الرب يسوع اقبل روحي» (أعمال7)؟
في ما أوكلني الله عليه: أعطى الله لكل مِنَّا بعض الإمكانيات والوزنات، وهي “أمانة” أوكلني الرب وإياك عليها لنستثمرها لمجده.. وسيأتي يوم ويقدم كل مِنَّا حسابًا عن كل هذه!! «ثم يُسأَل في الوكلاء لكي يوجد الانسان أمينًا» (1كورنثوس4: 2).
أحبائي، هل نحن أمناء مع الله في ولائنا له، وأيضًا في ما أوكلنا عليه؟! «لأن ليس أحد مِنَّا يعيش لِذَاته ولا أحد يموت لِذَاته... فإن عِشنا وإن مُتنا فللرب نحن» (رومية14: 7). وهذه هي “الأمانة” بعينها.
ثانيًا: الحياة السرية الداخلية
إن أحد أروع ألقاب إلهنا هو: “الأمين”، «فهو أمين وعادل» (1يوحنا1: 9)، و«أمين هو الله» (2كورنثوس1: 18).
وبالولادة الجديدة من الله نصبح شركاء الطبيعة الإلهية، وأيضًا «مُشابهين صورة ابنه»، فيصبح داخلي وأعماقي مسيحي وأمين بحق في النواحي الآتية:
ضميري: الضمير هو الميزان الداخلي للإنسان، للتمييز بين الخير والشر. لكن ضمير البعيد عن الله فاسد أو موسوم؛ أي بلا إحساس، فلا ضابط أو رابط. بينما المؤمن الحقيقي يجب أن يكون له له ضمير صالح، وطاهر، وبلا عثرة. فيقول بولس: «لنا ضمير صالح، راغبين أن نتصرف حسنًا في كل شيء» (عبرانيين13: 18).
كلامي: الأمين لا يكذب ولا يزيد كلمة عن الصدق، بل لغته: «أقول الصدق في المسيح لا أكذب» (رومية9: 1). نعم، لا يوافق الأمين أن يبالغ أو يزايد في كلامه، رغبة منه في إعجاب من حوله، لكنه يقول فقط الصدق والحق.
جسدي وكياني: من الأمانة عليَّ أن أعطي الله حقه في جسدي: «ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح» (1كورنثوس6: 15)، فالله لم يعطني عقلاً أو عينًا أو يدين لأنفقها وأستهلكها في الشهوات أو حتى في التسليات، بل لأقدمها آلات بر لله. ليساعدنا الرب لنكون أمناء في أجسادنا التي ليست لنا.
روحي وجسمي، سيدي، أمانةٌ
|
أوكلتني بأن أصونها لكَ
|
أَرَدتني بأن أكون طاهرًا
|
مُخَصَّصًا مُكَرَّسًا لشخصكَ
|
نداء العالم قويٌّ قَوِّنِي
|
كي أُنكرَ النفسَ وأحيا مِلكَكَ
|
عزيزي، يقول الكتاب المقدس: «الرجل الأمين كثير البركات» (أمثال27: 20). فهل تطلب معونة وملء وقوة الروح القدس فتكون بحق “أمينًا” للذي أقامك.
تأمل في أية شخصية؛ كتابية كانت أم تاريخية، مَجَّدت الله وأسعدت من حولها وأصبح لها سُمعة طيبة، ستجد أن الأمانة وراءها. والعكس صحيح، فمن داسوا الأمانة أتعسوا شعوبهم وأهانوا خالقهم وانتهى بهم المآل إلى بئس الضياع.
(ولحديثنا عن الأمانة بقية)