«وكان جميع العَشَّارين والخُطاة يدنون منه ليسمعوه فتذمَّر الفريسيون والكتبة قائلين: هذا يَقبَل خطاة ويأكل معهم» (لوقا15: 1‑2)
كان «هذا» الذي «يَقبَل خُطاة» هو الرب يسوع المسيح الذي، مع كونه الكلمة الأزلي، قد «صار جسدًا وحَلَّ بيننا... مملوءًا نعمة وحقًّا» (يوحنا1: 14). وكانت هذه النعمة غير المحدودة تجذب إليه العَشَّارين والخُطاة؛ المرفوضين والمُحتَقَرين من الناس. فكم كان سهلاً أن يَجدوا طريقهم إلى الرب، لأنه لم يرفضهم كما كان يفعل الآخرون! بل عندما اقتربوا إليه، كانوا يجدون فيه النعمة والرحمة والحب.
لكن القادة الدينيين في تلك الأيام، الذين كانوا يظنون في أنفسهم أنهم أبرار أكثر من سائر الناس، انتقدوا ربنا يسوع قائلين: «هذا يَقبَل خُطاة!» كما لو كان هذا اتهامًا ضده. وقد سجَّل هو بنفسه - تَبَارَك اسمه - رفضهم له: «جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب، فتقولون: هوذا إنسان أكول وشرِّيب خمر، مُحِب للعَشَّارين والخُطاة» (متى11: 19؛ لوقا7: 34). أما هم فلم يعلموا أن هذا الفعل الذي كانوا يدينونه بسببه، كان يُعَبِّر عن كماله المُطلَق؛ فقد كان مملوءًا نعمة، لكنه كان أيضًا مملوءًا حقًّا. إنه «قدوس بلا شر ولا دَنَس، قد انفصل عن الخطاة» (عبرانيين7: 26). لكن مع أنه مُطلَق القداسة، لم يعزل نفسه عن الخُطاة بل كان يَقبَلهم. ومع كونه مُنفَصِلاً عنهم تمامًا في طبيعته القُدُّوسة، فقد قَبِلَهم مُظهِرًا لهم رحمة لا تنتهي ونعمة لا تنضب.
إن موقف الرب من هؤلاء المرفوضين أظهر جوهر الإنجيل؛ الأخبار المسيحية المُفرِحة: أن الله يَقبَل الخُطاة ويُدخِلهم في شركة معه. هذا هو ما أعلنه الرب يسوع، عندما خَلَّص عَشَّارًا آخر؛ وهو زكَّا: «ابن الانسان قد جاء لكي يَطلُب (يبحث عن) ويُخَلّص ما قد هَلَك» (لوقا19: 10). بل إن الرب يسوع دعا عشَّارًا ليصير له تلميذًا ورسولاً؛ وهو لاوي بن حَلْفَى (متَّى)، والذي صار أيضًا واحدًا من أواني الوحي. وصنع له لاوي ضيافة كبيرة في بيته، وجاء «جمع كثير من عَشَّارين» و«خطاة كثيرون» إلى هذه الوليمة. ومرَّة أخرى تذمَّر الكَتَبة والفريسيون قائلين لتلاميذه: «لماذا يأكل مُعَلِّمكم مع العشَّارين والخطاة؟!». أما الرب يسوع فقال لهم: «لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب، بل المَرضَى. لم آتِ لأدعو أبرارًا، بل خُطاة، إلى التوبة» (متى9: 9-13؛ مرقس2: 13-17؛ لوقا5: 27-32).
وقد أجاب الرب على اتهام الفريسيين بهذا المَثَل المَشهور المذكور في إنجيل لوقا 15، وهو يتكون من ثلاثة أجزاء: الخروف الضائع، والدِرْهَم المفقود، والابن الضال. إن الراعي الصالح، مِن نبع محبته العجيبة، يبحث عن الخروف الضائع حتى يجده. بل إنه يضحّي بنفسه من أجل الخراف «أنا هو الراعي الصالح والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف» (يوحنا10: 11). وهذا هو ما فعله ربنا يسوع على الصليب حين بَذَل نفسه عني وعنك. والروح القدس، مُستخدِمًا نور كلمة الله، يظل يُفَتِّش بصبر وأناة عن الدرهم المفقود حتى يجده. إننا نرى في هذا غيرة الله وبحثه الدؤوب عن ما فُقِد حتى يجده.
لكن الابن الضال كان عليه أن يتخذ قرارًا واعيًا بالعودة إلى بيت أبيه، ولم يكن ذلك ممكنًا قبل أن يرجع إلى نفسه. نعم، إن الله يتوق مُتلهِّفًا أن ترجع إليه، ولكن هناك مسؤولية تقع على عاتقك يا صديقي. فعليك أن تدرك أنك ضائع، ثم تُغَيِّر فِكرَك، ثم تقرِّر أن تعود مرة أخرى إلى حضن الآب. وهذا هو ما يُسمَّى “التوبة”. وعندما تعود إلى الله الآن، لن تجد إلهًا غاضبًا سيعاقبك، بل ستجد أَبًا مُحِبًّا ينتظرك بالأحضان والقُبلات: «فقام وجاء إلى أبيه. وإذ كان لم يَزَل بَعيدًا، رآه أبوه فتحنَّن ورَكَض ووقع على عنقه وقَبَّله. فقال له الابن: يا أبي أخطأتُ إلى السماء وقدامك، ولستُ مُستَحِقًّا بعد أن أُدعَى لك ابنًا. فقال الأب لعبيده: أَخرِجوا الحُلَّة الأولى وأَلبِسوه، واجعلوا خاتمًا في يده، وحذاءً في رجليه، وقَدِّموا العجل المُسَمَّن واذبحوه، فنأكل ونفرح؛ لأن ابني هذا كان مَيِّتًا فعاش، وكان ضالاً فَوُجِد. فابتدأوا يفرحون» (لوقا15: 20‑24). وأنت، يا عزيزي، عندما ترجع إلى الله ستتمتَّع بشركة حيَّة حقيقية معه كأبيك السماوي. وعندئذٍ فقط ستبدأ الأفراح الحقيقية في حياتك!
صديقي العزيز، هناك رجاء لك اليوم في هذه البُشرى السارة: الرب يسوع يَقبَل خُطاة!
أرجوك لا تَكُن كالفريسيين الذين لم يَحسِبوا أنفسهم ضِمن الخُطاة، بل كانوا «واثقين بأنفسهم أنهم أبرار ويحتقرون الآخرين» (لوقا18: 9)، ولذلك لم يشاءوا أن يروا أنفسهم على حقيقتها وأنهم في ضلال. من السهل جدًّا أن تكون مُتَدَيِّنًا، ترى نفسك أفضل من الآخرين، وترى في أعمالك الدينية فضائل تكسب بها رضا الله؛ فالفريسي «وقف يُصَلِّي في نفسه هكذا: اللَّهُمَّ أنا أشكرك أني لست مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة، ولا مثل هذا العَشَّار؛ أصوم مرتين في الأسبوع وأُعَشِّر كل ما أقتنيه». أما الأصعب على الطبيعة الإنسانية هو أن تدرك، بعمل الروح القدس، حقيقة نفسك كما يراك الله، وأن تتضع لكي يرفعك هو. وهذا ما فعله العَشَّار إذ «وقف من بعيد، لا يشاء أن يرفع عينيه نحو السماء، بل قَرَع على صدره قائلاً: اللَّهُمَّ ارحمني أنا الخاطئ!»، ولذا فقد «نزل إلى بيته مُبَرَّرًا دون ذاك (أي الفريسي)، لأن كل مَنْ يرفع نفسه يتضع ومَنْ يَضَع نفسه يرتفع» (لوقا18: 10-14).
إنني أتوسل إليك أن تأتي إلى الرب يسوع الآن، وقبل فوات الأوان، فإنه يَقبَل خُطاة!! إنه قال: «مَنْ يُقبِل إليَّ لا أُخرِجه خارِجًا» (يوحنا6: 37).