في دراسة جادة عن سبب اشتهار “كولجيت”، صاحب أشهر منتج عالمي للصابون ومعجون الأسنان، أوضحت الدراسة أن هناك سببين وراء نجاحه وشهرته ومكاسبه الضخمة والتي تُقَدَّر بملايين الدولارات؛ الأول هو أمانته الشديدة في منتجاته، والثاني هو انتظامه على دفع عشوره بأمانة للرب، بل وأصبح يُقَدِّم عُشرَين ثم ثلاثة أعشار ثم خمسة أعشار... وأخيرًا أخذ مِن دَخله جزءًا قليلاً لسد احتياجه الشخصي، وباقي ثروته قدمها للكرازة بالإنجيل. إنه واحد من المؤمنين الأمناء الحقيقيين المعاصرين!
عزيزي، تحدثنا في المرة السابقة عن فضيلة مسيحية رائعة؛ وهي “الأمانة” في العلاقة مع الله وأيضًا في الحياة الشخصية السرية والداخلية. ونستكمل حديثنا في هذا العدد، عن جانبين آخرين تظهر فيهما فضيلة “الأمانة” الحقيقية.
أولاً: الأمانة في المعاملات المادية والأعمال الزمنية
1. الأمانة في احترام حق الله في أموالي: يقول الكتاب عن الشعب في أيام حزقيا وهم يُهَيِّئون الخدمة في بيت الرب: «وأتوا بالتقدمة والعُشر والأقداس بأمانة» (2أخبار31: 12). وما أكثر البركات المرتبطة بالأمانة في إكرام الرب بالعطاء. يقول السيد في سفر ملاخي3: 10: «هاتوا جميع العشور إلى الخزنة ليكون في بيتي طعام وجَرِّبوني بهذا، قال رب الجنود، إن كنت لا أفتح لكم كُوَى السماوات وأفيض عليكم بركة حتى لا توسع».
2. الأمانة في معاملاتي المادية مع الآخرين: كم من المَرَّات تعثر الناس من بعض المؤمنين لعدم نزاهتهم في طريقة البيع والشراء والالتزام بالدفع والصدق في الأمور المادية. ما أروع ما قاله المسيح لبطرس: «ولكن لئلا نُعثِرهم... أعطِهم (ادفع) عني وعنك» (متى17: 27). ويقول صموئيل النبي وهو يودِّع الشعب قبل مماته: «هأنذا فاشهدوا عليَّ قدام الرب وقدام مسيحه، ثورَ مَن أخذتُ وحمارَ مَن أخذتُ؟ ومَن ظلمتُ ومَن سحقتُ؟ ومِن يد مَن أخذتُ فدية لأُغضي عينيَّ عنه، فأردَّ لكم» (1صموئيل12: 3).
3. الأمانة في مجال العمل والوظيفة: حاول الأشرار أن يجدوا خطأً أو تُهمة لدانيآل في وظيفته ومَهَام عمله فلم يجدوا «لأنه كان أمينًا ولم يوجد فيه خطأ ولا ذنب». ولقد أكرم الرب أمانة دانيآل جدًّا: «فنجح دانيال هذا في مُلك داريوس وفي مُلك كورش الفارسي» (دانيآل6: 4، 28).
يا رب مِن فضلك... اعطني وإخوتي عِفَّة وأمانة ونزاهة في كل معاملاتنا المادية والزمنية مع الآخرين، فلا نكون مديونين لأحد إلا بالمحبة فقط، فنُكرِم اسمك ولا نجلب المهانة عليه!
خطورة عدم الأمانة في الأمور المادية
1. عدم البركة: يوبِّخ الرب شعبه على عدم أمانتهم له في الأمور المادية قائلاً: «أيسلب الإنسان الله؟! فإنكم سلبتموني! فقلتم: بِمَ سَلَبناك؟ في العشور والتقدمة! قد لُعِنتم لعنًا وإياي أنتم سالبون» (ملاخي3: 8‑9).
2. القضاء الإلهي: لعل من أشهر الأمثلة قصة حنانيا وسفيرة والمذكورة في أعمال 5، حيث اختلسا من ثمن الحقل الذي باعاه وكذبا على الله... فكانت عقوبتهم فورية ورهيبة إذ ماتا في الحال.
3. الفضائح المُرعِبة: فكم من أناس وصلوا إلى قمم الشهرة والغنى بالسرقة والفهلوة، وداسوا بأرجلهم كل القيم الروحية والأخلاقية... لكن أتى اليوم الذي كُشِفت فيه جرائمهم «لأنه ليس خفي لا يُظهَر ولا مكتوم لا يُعلَم ويُعلَن» (لوقا8: 17). وها هم الآن في مذلة السجون! لذا «لا تَغَر مِن الأشرار ولا تحسد عُمَّال الإثم» (مزمور37: 1).
ثانيًا: الأمانة في علاقاتي بإخوتي
ازدادت الخيانة في العلاقات بين الناس وبعضهم في هذه الأيام، حتى إن الكثيرين فقدوا الثقة بالآخرين. ولكن الحياة الجديدة بالمسيح تمنح المؤمن طبيعة إلهية وفضيلة سماوية تجعله أمينًا ومُخلِصًا للآخرين في:
1. الاهتمام بهم: وبظروفهم بصدق، كما كان تيموثاوس يفعل: «يهتم بأحوالكم بإخلاص» (فيلبي2: 21). ولقد حزن الرب قديمًا من خيانة البعض فقال لهم: «لم نغدر الرجل بأخيه... يقطع الرب الرجل الذي يفعل هذا» (ملاخي2: 10، 12).
2. الحفاظ على أسرارهم: جريمة كُبرى أن أفشي أسرار إخوتي التي عرفتها منهم أو سمعتها عنهم، وإلهنا يُطَوِّب الشخص الأمين في أسرار إخوته: «الساعي بالوِشاية يُفشِي السر، والأمين الروح يكتم الأمر» (أمثال11: 13).
3. حفظ العهد والأمانة: ائتمن فوطيفار يوسف على بيته وزوجته، فَصَانَ يوسف الأمانة ولم يَخُنه، ورفض كل إغراء من امرأة سيده ليزني معها. وهكذا يكون المؤمن الأمين؛ يصون الأمانة والشرف في علاقاته بالأُسَر والعائلات التي يدخل بيوتهم، ولا سيما مع الجنس الآخر.
4. توجيه إخوتي: إن الأمانة للرب ولإخوتنا تُلزِمنا أن لا نجامل في الخطإ بل نُوَبِّخه بحزم وحب: «أمينة هي جروح المُحِب وغاشة هي قُبلات العدو» (أمثال27: 6)، وأيضًا: «ليضربني الصِّدِّيق فرحمة، وليُوَبِّخني فزيت للرأس» (مزمور141: 5).
5. الشهادة الأمينة: أن أُقَدِّم شهادة صادقة - إذا طُلِب مني - لا أتملق أحدًا ولا أُجامِل على حساب الآخر: «الشاهد الأمين مُنَجِّي النفوس. ومَن يَتَفَوَّه بالأكاذيب فَغِش» (أمثال14: 25).
6. خدمة إخوتي: سواء كان روحيًّا أم زمنيًّا بكل أمانة: «فَمَن هو العبد الأمين الحكيم الذي أقامه سيده على خَدَمِهِ ليعطيهم الطعام في حينه» (متى24: 45). ويقول بولس عن تيموثاوس الخادم: «لذلك أرسلتُ إليكم تيموثاوس الذي هو ابني الحبيب والأمين في الرب الذي يذكركم بطرقي في المسيح» (1كورنثوس4: 17).
تشجع أيها الأمين! عِش بأمانة للرب بين إخوتك! يومًا قريبًا ستسمع من فم الرب المدح «نعمًّا أيها العبد الصالح والأمين كنت أمينًا في القليل فأقيمك على الكثير. أدخل إلى فرح سيدك» (متى25: 21).
إخوتي الأحباء.. في هذه الأيام التي كَثُر فيها عدم الأمانة، يبحث الرب عن شخص يستخدمه بحياة أمينة، تفوح منه رائحة المسيح الذكية. فالرب لا يهمه كثيرًا إمكانياتنا ومواهبنا بل تهمه أمانتنا.. فدعونا نمتحن أنفسنا في محضر الله: هل نحن بحق أمناء! لنمتلئ من روح الله القدوس، ولندرب أنفسنا كل يوم، بل وفي كل تصرف ومع كل علاقة، على أن نكون فعلاً مُشابِهِين صورة المسيح الأمين، ولا ننسى أن «الرجل الأمين كثير البركات»!