رأينا في الأعداد السابقة مَن هو الشيطان، وعرفنا أسماءه وخصائصه وأساليب عمله، ورأينا كيف جَرَّب المسيح في البرية أربعين يومًا كالحيَّة، وكيف جاءه عند الصليب كالأسد. وعرفنا كيف حقَّق المسيح النصرة الساحقة على الشيطان في الصليب بالقيامة من الأموات.
والآن سنتأمل في صراعنا نحن مع الشيطان؛ في حربنا الروحية، وكيف يمكننا أن نثبت ضد مكايده. وقد أخبرنا الكتاب عن «سلاح الله الكامل» الذي به نواجه هذا العدو. ويجب أن نعرف قوة هذا العدو وحِيَله وخداعه ولا نقلل من شأنه، ونعرف أننا بدون الرب لسنا كُفَاة لمواجهته. وعلينا أن نصحو ونسهر لأن إبليس خصمنا كأسد زائر يجول مُلتَمِسًا من يبتلعه، فنقاومه راسخين في الإيمان (1بطرس5: 8).
وفي رسالة أفسس يقول الرسول: «أخيرًا يا إخوتي تقووا في الرب وفي شدة قوته! البسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس!» (أفسس6: 10، 11). إن القوة دائمًا هي «في الرب» وليست فقط مِنه، والعدو يحاول أن يفصلنا عن الرب المصدر الوحيد للقوة، فبدونه لا نقدر أن نفعل شيئًا. وقد قال الرب لبولس: «تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تُكمَل» (2كورنثوس12: 9). ثم يُرينا مملكة الشيطان الضخمة والمُنَظَّمة التي تشمل الرؤساء والسلاطين والولاة وأجناد الشر الروحية في السماويات (أفسس6: 12). هذا التنظيم الهائل يقف ضد المؤمنين لإعاقتهم عن التمتع ببركاتهم الروحية ولتحطيم شهادتهم. من أجل هذا علينا أن نحمل سلاح الله الكامل لكي نقدر أن نقاوم في اليوم الشرير (ع13). أي إننا يجب أن نلبس هذا السلاح باستمرار، وأن نحمله في وقت الجهاد. والمقصود بـ«اليوم الشرير» هو كل الفترة الحاضرة وحتى ظهور المسيح بالمجد والقوة للدينونة والمُلك والقضاء على الشيطان وأعوانه. ولكن أيضًا هناك أيام يُشدِّد فيها العدو هجومه ضد المؤمن مثلما حدث مع يوسف في بيت فوطيفار (تكوين39)، ومع إيليا عندما هرب من إيزابل (1ملوك19)، ومع أيوب يوم حَلَّت به النكَبَات (أيوب1، 2)، ومع بطرس يوم أنكر الرب (متى26).
«وبعد أن تتمموا كل شيء أن تثبتوا» (ع13). فعلينا أن نستمر ثابتين وساهرين لأن النصرة في موقعة لا تعني النصرة في كل موقعة، والعدو لن يَكُف عن الهجوم. ويجب أن نعرف أن لحظات الخطر هي لحظات ما بعد الانتصار حيث الميل الطبيعي للاسترخاء. وهناك أمثلة ترينا خطورة النكسة بعد جولة تحقَّق فيها الانتصار مثل: أريحا وعاي (يشوع6، 7)، إيليا (1ملوك18، 19)، داود (2صموئيل10، 11).
ثم نأتي إلى أجزاء «سلاح الله الكامل» الذي يتكون من 7 قطع، ليس فيها ما يحمي الظهر، فليس في فكر الله التراجع والتقهقر. وفقدان أحد الأجزاء سيُعطي الفرصة للعدو للهجوم على هذه النقطة الضعيفة، لذا يجب أن نلبس كل قطع السلاح.
1- منطقة الحق: وهي تشد وسط المحارب وتُشدِّد عزيمته. إنها تُلبَس على الحقوين؛ أي تضبط وتتحكم في العواطف والمشاعر الداخلية طبقًا لكلمة الله وماذا يقول الكتاب. هكذا كان دانيآل الذي جعل في قلبه أن لا يتنجس بأطايب الملك ولا بخمر مشروبه طبقًا للشريعة (لاويين11).
2- درع البر: وهو يحمي القلب الذي منه مخارج الحياة. إنه يعني حياة البر العملي في كافة العلاقات، والاحتفاظ بالضمير الحساس والمُدَرَّب الذي بلا عثرة أمام الله والناس. وهذا ما نراه في يوسف الذي رفض الخطية وقال: «كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله» (تكوين39: 9).
3- حذاء إنجيل السلام: وهو جزء هام للتحرك على أرض المعركة الخشنة. وحياة البر العملي ستجعل الشخص دائمًا في سلام مع نفسه ومع الآخرين، ويواجه الضغوط والصدمات والتجارب بضمير هادئ ومستريح مهما كانت الظروف من حوله. وهذا ما حدث مع الشونمية التي استطاعت أن تقول: «سلام» رغم موت ابنها الوحيد (2ملوك4)، وهو عكس ما حدث مع أرملة صِرفة (1ملوك17).
4- تُرس الإيمان: إنه الثقة في صلاح الله مهما كَثُرت التجارب. وهذا ما نراه في أيوب (أيوب1، 2) الذي أحنى رأسه خاضعًا وقائلاً: «أالخير نقبل من عند الرب والشر لا نقبل؟!»، وذلك عندما حَلَّت به النكَبَات، فلم يخطئ ولم ينسب إلى الله جهالة ولم يشك في صلاحه. فيجب أن نثق أن الله لا يخطئ، وهو بار ورحيم وحكيم في كل ما يفعل، حتى لو لم نفهم الآن ما هو يصنع.
5- خوذة الخلاص: وهي اليقين بالخلاص الذي صنعه الرب بموته على الصليب، وبالضمان الأبدي لنا حيث لا دينونة علينا. هذا يحمي الفكر من الشكوك ويعطي الراحة والسلام من جهة الأبدية، ويجعل الرأس مرفوعًا أمام العدو. وهذا ما نراه في بولس الذي كان عنده اليقين من الخلاص الكامل في كل المراحل، وفي القادر أن يُخَلِّص إلى التمام. وحتى عند استشهاده قال: «وسينقذني الرب من كل عمل رديء ويُخَلِّصني لملكوته السماوي» (2تيموثاوس4).
6- سيف الروح الذي هو كلمة الله: الروح القدس هو الذي يستخدم الكلمة كأقوال الله الحَيَّة والمُناسِبة في المواقف المختلفة. وهذا ما حدث مع الرب يسوع في تجربته من إبليس في البرية حيث كان يرد على العدو بالمكتوب. ونحن يجب أن نعرف المكتوب ويتأصل فينا ونستخدمه في مواجهة العدو في تجاربه معنا.
7- الصلاة: السلاح الكامل لا يجعلنا نستقل عن الله، بل بروح الاتكال الكامل نستعمله، وهذا ما تعنيه الصلاة. فهي الشعور الدائم بضعفنا واحتياجنا إلى الرب وثقتنا المطلقة فيه. والصلاة في الروح تعني أن نصلي تحت سيطرة الروح القدس الذي يُنشئ فينا الطلبات والتضرعات. وعلينا ليس أن نصلي فقط عند الضرورات والتجارب بل في كل وقت ونسهر لهذا عينه بكل مواظبة وطلبة.