كيرلسقد يختلف معناها على حسب طريقة نُطقِها؛ فإذا شددت يائها (يـِّ) دَلَّت على نوع مِن التربص والتوعد فتقول: طيَّب هاوَرِّيك!! وإذا لم تشددها دَلَّت على الموقف المعاكس تمامًا، الذي يحمل الموافقة والاستسلام على أمر ما، فتقول: طيب... اللى تشوفه حضرتك!
إذا أضفتها لأيَّة فترة زمنية أنتجت تحية مناسبة لها، ففي بداية العام تسمع وتقول: كل سنة وأنت طيب، وفي بداية كل شهر تسمع من صاحب البيت طالبًا الإيجار: كل شهر وأنت طيب!! أو من المُدَرِّس الخصوصي لك أو لغيرك: كل تيرم وأنت طيب!!
هنا لن نغوص في أي من المعاني السابقة، لكننا سنقترب أكثر من معناها عندما تُطلَق على أقوال أو أفعال الإنسان، أو بالحري تُطلَق على الإنسان شخصيًّا أنه “طيِّب”، أو عندما تُطلَق على الإله الحي الحقيقي على أنه وحده “الطيب”!!
“طيب” والمعنى
كثيرون يعتقدون أن وصف الإنسان بأنه “طيِّب”، في زماننا الغريب هذا، يُعتَبر عيبًا فيه وليس ميزة له؛ فأغلب الناس تظن أن الإنسان “الطيب” هو المتساهل في حقوقه أو حقوق غيره، أو هو المُفَرِّط في هيبته وكرامته، وبالتالي فلا مكان له في دنيا الخُبث والمصالح المتبادلة. ولهذا لا تستغرب أن يتم “قلشك” من فرصة عمل لأنك “طيِّب”، أو يتم رفضك مِن فتاة تُريد خطبتها، لأنك في نظرها “طيِّب”!!
لكن عندما بحثت في الكتاب المقدس، مرجعيتنا الأولى والأخيرة، عن معنى الإنسان “الطيِّب”، وجدت أنه أبعد ما يكون عن هذا المعنى؛ فالطيب هو شخص مُريح ونقي، تظهر طيبته في أقوال أو أفعال مُريحة للغير، بدون أي تفريط في حقوقه أو هيبته.
فيوسف كان “طيِّبًا” بالكلام عندما هدّأ من روع إخوته بعد موت والده يعقوب، وخوفهم من انتقامه منهم، فقال لهم: «فالآن لا تخافوا! أنا أعولكم وأولادكم. فعزَّاهم وطَيَّب قلوبهم» (تكوين50: 21). وبوعز كان “طيِّبًا” بالأفعال، عندما سمح لراعوث أن تلتقط في حقله، رغم أنها غريبة ووحيدة وعديمة الخبرة، فرَدَّت عليه: «لأنك قد عَزَّيتني وطَيَّبْتَ قلب جاريتك» (راعوث2: 13). وغيرهما الكثير من رجال الله “الطيِّبين”.
لذا، عزيزي القارئ الطَيِّب، نحن مدعوون أن نمارس “طيبتنا” مع كل مَن حولنا، سواء بلغة الإيمان المُفرِح التي لا يعرفونها لأن «الغم في قلب الرجل يُحنيه والكلمة الطيِّبة تفرحه» (أمثال12: 25)، أو بأخبار الخلاص المُحيية لأن «نور العينين يفرح القلب، والخبر الطيِّب يسمِّن العظام» (أمثال15: 30)، وأن نُثبِت ذلك بالأعمال الطيِّبة. وقتها ستخرج الابتسامة منهم لأسفل، والمجد أيضًا لإلهنا لأعلى، ويقولون عليك: إنك رجل “طيِّب”.
“طيب” والإله
الآن نتعمق قليلاً في كلمة “الطيِّب”، ليس باعتبارها أقوالاً أو أفعالاً من أناس “طيبين”، ولكن باعتبارها صفة من صفات إلهنا الذي نعبده. فبجانب أنه القدوس والخالق والراعي والمُحِب، فهو أيضًا “الطيب”، كما أعلنها الكتاب صراحة: «طَيِّب هو الرب للذين يترجونه للنفس التي تطلبه» (مراثي3: 25).
ولكن دعني أتجاسر وأسأل: هل كون الرب “طيِّبًا” يعني أنه يتغاضى عن الشر؟! أو أنه يُفَرِّط في حقوق قداسته؟! أو بلغتنا الحالية: هل هو “يفوِّت” أو “يطنِّش” على خطية الإنسان؟! وهل “طيبته” هذه تتنافى مع عدله وحقه؟!
الإجابة نجدها في أكثر مكان يتحدث عن “طيبة” الرب وإحساناته؛ أقصد مزمور34، ففي هذا المزمور (مِن فضلك اقرأ المزمور بجانب المقالة) يفيض الكاتب في وصف طيبة الرب وأشكالها؛ فهو “طيِّب” لأنه يستجيب الصلاة (ع4)، وينقذ من المخاوف (ع4)، ويستمع لصرخات المسكين (ع6)، ويُخَلِّص من كل الضيقات (ع6)، ويسدِّد أعواز مُحِبِّيه من الخير (ع10)، وعندما تزيد صفات “طيبته” على أن تُعَدّ، يصدر التقرير النهائي: «ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب! طوبى للرجل المُتَوَكِّل عليه» (ع8)، فيا له من “طيِّب”!!
ولكن اللافت للنظر أنه بعد هذا الكلام مباشرة يقول: «هَلُمَّ أيها البنون استمعوا إليَّ فأعلِّمكم مخافة الرب» (ع11)، ثم يبدأ يتكلم عن صون اللسان عن الشر (ع13)، وعدم التكلم بالغش (ع13)، والحيدان عن الشر (ع14)، وأن وجْه الرب ضد فاعلي الشر (ع16)، وأن الشر يُميت الشرير (ع21)؛ فما علاقة كل هذا بأن الرب “طيِّب”؟!!
الحقيقة أن “طيبة” الرب لا تتعارض أبدًا مع مخافته، بل بالعكس فكلَّما تمتعت برحمته وطيبته واقتربتَ من قلبه وعواطفه، كلما فهمتَ كم هو قدوس لا يتساهل أبدًا مع الشر، وليس عنده محاباة، فهو قدوس وهو أيضًا “طيِّب”!!
“طيب” والصدمة
الآن وقد اقتنعت، عزيزي القارئ الطيِّب، بكل ما سبق، فدعني أصدمك بفكرة قد تكون سمعتها أو قرأتها من قبل، فقد اكتشفت أن كل شر يدخل لحياتنا، وكل إهمال وتَسَيُّب وعدم أمانة يكون خلف ستار اسمه: “الرب طيِّب”!!
فكثيرًا ما أسأنا فهم “طيبته”؛ فلأنه “طيِّب” فَرَّطنا في العيشة بمقاييس قداسته ونسينا التحريض: «بَلْ نَظِيرَ الْقُدُّوسِ الَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ» (1بطرس1: 15). ولأنه “طيِّب” صِرنا نخدم الناس ونطلب تقييمهم ولا نخدمه هو وتجاهلنا أنه «لو كنت بعد أُرضي الناس لم أكن عبدًا للمسيح» (غلاطية1: 10). ولأنه “طيِّب” صِرنا أكثر شَبهًا بأهل العالم؛ فطموحاتنا مشتركة ومخاوفنا مشتركة ونسينا: «لاَ تُشَاكِلُوا هذَا الدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ» (رومية12: 2).
إذا لنحذر جميعًا، فطيبة الرب معنا لا خلاف عليها، فهو يسمع ويتحنَّن ويترفق ويُغيث ويحمل ويغفر ويتأنى، لكنه أبدًا لم ولن يتساهل مع الشر، ولا “يفوِّت” أو “يطنِّش” على الشر الذي قد يتسرَّب للحياة ويسكن فيها بإرادتنا، ولنعش جميعًا المعنى الحقيقي للإنسان “الطيِّب” الذي يفعل “الفعل الطيِّب” ويقول “القول الطيِّب” لأنه يعرف جيدًا معنى أن إلهه هو “الطيِّب”!!
مِن زمان وأنا عارف كويس إنك حنين ورائع وطَيِّب
مِن كلامك، مِن صفاتك، مِن مراحمك، من كونك مني قُرَيِّب
بس للأسف ياما عملت الشر مِن ورا طيبتك
وياما افتكرتك هاتتساهل في مطاليب قداستك
وإنك ممكن تفوِّت أو تطنِّش على شر ابنك
آه! سامحني يا أبويا، ساعدني أعرف معناك وقيمتك
وإنك قدوس وعادل وبار، زي ما إنت كمان “طيِّب”!!