الملاكم “مايك تايسون”، بطل العالم في الوزن الثقيل، وأصغر رجل يفوز بألقاب مسابقات الملاكمة العالمية، فاز 19 مرة بالضربة القاضية الفنية الأولى، منهم 12 مرة في الجولة الأولي. لُقِّب بـ “مايك الحديدي”، و“أشرس رجل على الكوكب”!! حصل على 300 مليون دولار خلال مسيرته المهنية!!
لكن هل تعرف سر انهيار هذا العملاق؟!
في عام 1992، أُدين تايسون بالاعتداء جنسيًّا على “ديزيريه واشنطن”، وقضى ثلاث سنوات في السجن. ثم خسر خسارة فادحة أمام “إيفاندر هوليفيلد” بالضربة القاضية الفنية. وانتهت إعادة المباراة بصدمة له، حيث حُرِم تايسون مِن المباراة لقضمه جزءًا من أذن هوليفيلد!!
كانت مشكلته تتلخص في “التعفف” وضبط النفس فى شهواتها وفي غضبها!!
«البطيء الغضب خير مِن الجبَّار ومالك روحه خير ممن يأخذ مدينة» (أمثال16: 32)، «مدينة منهدمة بلا سور الرجل الذي ليس له سلطان على روحه» (أمثال25: 28).
عزيزي، ما أحوجنا إلى هذه الفضيلة الرائعة: «التعفف»!
ما هو التعفف؟
هو ضبط النفس، وبخاصة أمام الشهوات، وتحاشي الإسراف حتى في الأمور المقبولة؛ مثل الأكل والشرب والحديث. وهو حالة رائعة من الترفُّع والسمو عن كل الأمور الأرضية دون شعور بالنقص أو الحرمان.
خطورة عدم التعفف
إن عدم ضبط النفس يجعل من الإنسان عبدًا، تقوده الرغبات والنزوات والاحتياجات ويفقد كرامته، إذ إنه يعيش طوال حياته بلا تحكُّم في نفسه ورغباته: «يذهبون وراء الجسد في شهوة النجاسة... أما هؤلاء فكحيوانات غير ناطقة طبيعية مولودة للصيد والهلاك!» (2بطرس2: 10-12).
وهناك العديد من النتائج المرعبة:
1. الدمار الجسدي والأدبي: أمثال7: 22 يحكي لنا عن غلام أغوته زانية، ولم تكن له القوة الروحية التي تجعله يتعفَّف أو يضبط نفسه فدمَّرته: «ذهب وراءها لوقته كثور يذهب إلى الذبح... حتى يشق سهم كبده». آه من عدم ضبط النفس في شهواتها!!
2. الحصاد المُر: كان للملك داود زوجات كثيرات.. لكنه لم يضبط نفسه أمام امرأه جميلة، وتساهل مع شهوته، ولم يقل لنفسه: لا! فأخذها وزنى معها، «وأما الأمر الذي فعله داود فَقَبُح في عيني الرب» (2صموئيل11: 27)، وجاء الحكم الإلهي على مَن لم يتعفف: «والآن لا يفارق السيف بيتك إلى الأبد، لأنك احتقرتني» (2صموئيل12: 10).
3. فشل في خدمة الرب: يقول بولس مُتَحَذرًا ومُحَذِّرًا: «بل أقمع جسدي وأستعبده، حتى بعد ما كرزتُ للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضًا» (1كورنثوس9: 27).
كيف أصل للتعفف؟
إن الطبيعة البشرية؛ أي “الجسد” حسب المُسَمَّى الكتابي، لا توجد فيها قوة لتقول: “لا” لرغباتها المشروعة أو غير المشروعة. ولقد عَبَّر الرسول بولس عن ذلك بالقول: «لأني لست أفعل الصالح الذي أريده، بل الشر الذي لست أريده فإياه أفعل» (رومية7: 19). لكن كلمة الله تقدِّم لنا الطريق إلى ضبط النفس والتعفف والسمو:
1. الولادة الجديدة: قال الرب يسوع: «المولود مِن الجسد جسد هو والمولود من الروح هو روح» (يوحنا3: 6). ويؤكد الرسول بطرس قائلاً: «لكي تصيروا ... شركاء الطبيعة الإلهية، هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة» (2بطرس1: 4).
2. قوة الروح القدس: «وأما ثمر الروح فهو... تعفف» (غلاطية5: 22)، و«بالروح تُميتون أعمال الجسد» (رومية8: 13).
3. فضائل الإيمان: الإيمان الحقيقي بالمسيح يُنشئ فضيلة التعفف: «قَدِّموا في إيمانكم فضيلة وفي الفضيلة معرفة وفي المعرفة تعففًا...» (2بطرس1: 5).
4. التدريب الروحي بمعونة الرب: «في كل شيء، وفي جميع الأشياء، قد تَدَرَّبتُ أن أشبع وأن أجوع وأن أستفضل وأن أنقص. أستطيع كل شيء في المسيح الذي يُقَوِّيني» (فيلبي4: 12-13).
مجالات التعفف
التعفف وضبط النفس يشمل كل جوانب حياة المسيحى الحقيقي.
1. الرغبات الطبيعية المشروعة: «كل الأشياء تَحِل لي، لكن ليس كل الأشياء توافق. كل الأشياء تحل لي لكن لا يتسلط عليَّ شيء» (1كورنثوس6: 12).
2. الرغبات الشريرة المحمومة: «أما دانيآل فجعل في قلبه أنه لا يتنجس بأطايب الملك ولا بخمر مشروبه» (دانيآل1: 8).
3. الكلام: «كثرة الكلام لا تخلو مِن معصية. أما الضابط شفتيه فعاقل» (أمثال10: 19).
4. الامتلاك: كثيرون لا يمكنهم مقاومة حب امتلاك الأشياء، لكن إبراهيم أبو المؤمنين العفيف يقول: «رفعتُ يدي إلى الرب الإله العلي مالك السماء والأرض: لا آخذنَّ لا خيطًا ولا شراك نعل ولا من كل ما هو لك...» (تكوين14: 22).
5. الانفعالات والتصرفات: «البطيء الغضب خير من الجبار، ومالك روحه خير ممن يأخذ مدينة» (أمثال16: 32).
بركات التعفف
«مجد وكرامة وسلام لكل من يفعل الصلاح» (رومية2: 10). نعم، إن كلمة الله والحياة العملية المسيحية تقدِّم لنا العديد من النماذج التي عاشت التعفف فحصدت المجد والكرامة من الله. وأكتفي بشخصية يوسف، لنذكر البعض منها:
1. السمو الأدبي: ارتفعت أغصانه فوق جميع الحوائط والتجارب الصعبة وتشدَّدت سواعد يديه (تكوين49: 22).
2. النجاح: كان الرب معه وأعطاه الله نعمة ونجاحًا في أعين الجميع (تكوين39: 4، 21).
3. الاستخدام: زَوَّده الرب بالقدرة على تفسير الأحلام لكثيرين (تكوين40: 8؛ 41: 15).
4. إكرام الله: عَيَّن فرعون يوسف الرجل الثاني على كل مملكة مصر! (تكوين41:41).
5. التعويض: رفض يوسف الزنى والعلاقه الدنسة، فأكرمه الله بزوجة جميلة اسمها أسنات (تكوين41: 45).
ربي يسوع المسيح..
كم أحتاج إلى معونة من عندك، وقوة من روحك، حتى أتعفف عن العالم وكل ما فيه، والجسد وما يشتهيه.. فأقمع جسدي وأستعبده، فلا أصير عبد الأهواء أو الأشياء.. فأسمو وأشبع، بل أكتفي بك!
أثق يا سيدي أنه في المسيح، وبالمسيح، أستطيع كل شيء فهو الذي يقويني!