ربما تكون قد قرأت هذه العبارة على بعض المنتجات التي تحذِّر من منتجات شبيهة، قد تحمل نفس الاسم والعلامة، ولكنها ليست أصلية. وربما قد رأيت من قبل على واجهات بعض المحلات هذا التحذير: “ليس للمحل فروع أخرى”. وربما تكون أنت نفسك، صديقي القارئ، ممن يحبون اقتناء الملابس ذات “الماركة المسجَّلة” وتتباهى أمام أصدقائك بأنك ترتدي “الأصلي” وليس “التقليد”!
لكنني أود أن أحذرك من نوع آخر من التقليد؛ وهو أخطر بما لا يُقاس من مجرد تقليد بعض المنتجات أو الملابس أو المحلات.
أظن أنك سمعت من قبل أن كلمة “الشيطان” في الأصل تعني “المقاوم”، وله في المقاومة طرق عديدة؛ منها الإعاقة المباشرة أو الإيذاء أو التشويش، إلخ. لكن هل تعلم، يا عزيزي، أن إحدى وسائل المقاومة التي يستخدمها عدو الخير هي “التقليد”؟!
إن التقليد هو مُحاكاة الأصل، أو ما يُسمَّى “simulation” بالإنجليزية. وفكرة المُحاكاة في بعض الأمور لها فوائدها؛ فهي تُستَخدم مثلاً في تدريب الطيَّار المُبتَدِئ على قيادة الطائرة في غُرفة ثابتة على الأرض لكنها مماثلة تمامًا للطائرة الحقيقية. وهناك بعض الألعاب الترفيهية التي تجعلك تقود مثلاً دراجة نارية أو سيارة سباق أو حتى صاروخ وأنت داخل حجرة مغلقة. وهي ألعاب مثيرة، تجعلك تختبر الشيء دون أن تعرف حتى كيفية استخدامه في الواقع. وهي تشبه الأشياء الحقيقية في كل شيء إلا إنها ليست حقيقية!
وهذا ما يفعله “المقاوم”؛ إنه يعطيك ما يشبه الحقيقة تمامًا، ويجعلك تشعر وكأنك تختبر شيئًا حقيقيًّا، لكنه ليس الحقيقة! والهدف ببساطة هو خداعك وإبعادك عن الحقيقة. وهي طريقة قديمة؛ فقد استعملها الشيطان لمقاومة موسى عن طريق تقليد المعجزات التي أرسله الرب ليعملها أمام فرعون، حيث قلَّد سَحَرَة فرعون وعرَّافوه الضربات الثلاثة الأولى التي عملها الرب بواسطة موسى وهارون. وكان الهدف من هذه المقاومة هو منع فرعون من طاعة كلام الرب وإطلاق شعب إسرائيل من عبوديته في أرض مصر، حيث «اشتدَّ قلب فرعون فلم يسمع لهما» (خروج7: 13، 22؛ 8: 19).
وهذا ما أشار إليه الروح القدس في العهد الجديد: «كما قاوم يَنِّيس ويَمبِرِيس (من رؤساء العرَّافين) موسى، كذلك هؤلاء أيضًا يقاومون الحق؛ أُناس فاسدة أذهانهم ومن جهة الإيمان مرفوضون» (2تيموثاوس3: 8). إن هؤلاء الذين يُحذِّر منهم بولس تلميذه تيموثاوس هم مَن وصفهم في الآيات 2‑5، وهم «يقاومون الحق» لا بأن يُنكروه تمامًا، ولا بأن يحتقروه علانيةً، بل بأن يقلِّدوه، فيسهل عليهم خداع الناس (من الرجال والنساء) المُحَمَّلين بالخطايا، الذين ينساقون بالشهوات المختلفة، والذين مع أنهم يتعلمون في كل حين، لا يستطيعون أن يعترفوا تمامًا بالحق الإلهي المُعلَن في شخص الرب يسوع المسيح (لاحظ أن المشكلة تكمُن ليس في الفكر، بل في القلب الذي يُحب الخطية وينساق بالشهوة!).
وفي مدينة بافوس، في بداية الرحلة التبشيرية الأولى، عندما دعا الوالي سرجيوس بولس برنابا وشاول ليسمع منهما كلمة الله، كان هناك نبي كذَّاب يهودي اسمه “باريشوع” فقاومهما «طالبًا أن يُفسِد الوالي عن الإيمان» ولكن بولس الرسول امتلأ من الروح القدس وأوقفه عند حَدِّه قائلاً: «أيها الممتلئ كل غش وكل خبث! يا ابن إبليس! يا عدو كل بر! ألا تزال تُفسِد سُبُل الله المستقيمة؟! فالآن هوذا يد الرب عليك فتكون أعمى لا تبصر الشمس إلى حين» (أعمال13: 10-11).
وقديمًا كان هناك أنبياء كَذَبة كثيرون يَدَّعون أنهم يحملون رسالة الرب وهم في الواقع رُسُل الشيطان (اقرأ مثلاً إرميا27). وهذا ما أعلنه نبي الرب ميخا بن يَملَة لأخآب: «قد رأيتُ الربَّ جالسًا على كرسِيِّه وكل جند السماء وقوف لديه عن يمينه وعن يساره. فقال الرب: مَن يُغوي أخآب فيصعد ويسقط في راموت جلعاد؟ فقال هذا هكذا وقال ذاك هكذا. ثم خرج الروح (أي الشيطان) ووقف أمام الرب وقال: أنا أُغويه. وقال له الرب: بماذا؟ فقال: أخرج وأكون روح كذب في أفواه جميع أنبيائه. فقال (الرب): إنك تُغويه وتقتدر، فاخرج وافعل هكذا. والآن هوذا قد جعل الرب روح كذب في أفواه جميع أنبيائك هؤلاء والرب تكلَّم عليك بِشَرٍّ» (1ملوك22: 19‑23).
عزيزي، احذر التقليد! فهناك الكثيرون ممن «لهم صورة التقوى ولكنهم مُنكِرون قوَّتها». بل هناك أيضًا مَن قال عنهم الرسول إنهم «رُسُل كَذَبة، فَعَلَة ماكرون، مُغَيِّرون شكلهم إلى شِبه رُسُل المسيح. ولا عجب؛ لأن الشيطان نفسه يُغَيِّر شكله إلى شِبه ملاك نور! فليس عظيمًا إن كان خُدَّامه أيضًا يُغَيِّرون شكلهم كَخُدَّام للبر، الذين نهايتهم تكون حسب أعمالهم» (2كورنثوس11: 13‑15).
احذر التقليد! ففي داخل المسيحية الاسمية الآن هناك الكثير من التعاليم التي تبدو في ظاهرها غير مؤذية، ولكنها في حقيقتها شيطانية المصدر، مُدَمِّرة. إن أي تعليم يُقَلِّل من شأن الرب يسوع المسيح - له كل المجد - أو من كفاية عمله الكفاري على الصليب، أو من وحي الكتاب المقدس؛ هو تعليم فاسد ومُفسِد ينبغي ألا تنخدع به، وأن تبتعد عنه وترفضه تمامًا!
ولا ترتعب لأنه حتى وإن كان «الناس الأشرار المُزَوِّرين سيتقدمون إلى أردَأ مُضِلِّين ومُضَلِّين»، فهؤلاء المعلِّمين الكَذَبَة سوف «لا يتقدمون أكثر لأن حُمقَهم سيكون واضحًا للجميع كما كان حُمق ذَيْنِك (أي الساحِرَيْن) أيضًا» (2تيموثاوس3: 13، 9)، فعندما مدَّ هارون عصاه «وضرب تراب الأرض فصار البعوض على الناس والبهائم» حاول عرَّافو فرعون بسحرهم الشيطاني أن يُقَلِّدوا هارون «ليُخرِجوا البعوض فلم يستطيعوا» وقالوا لفرعون: «هذا إصبع الله!» (خروج8: 17‑19).
أخيرًا، يا صديقي، أشجِّعك بأن الوقاية من هذا التقليد هي في التحريض الذي قدَّمه الرسول بولس لتلميذه المحبوب: «أما أنت فاثبت على ما تعلَّمتَ وأيقنتَ عارفًا ممن تعلَّمتَ، وأنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تُحَكِّمك (تجعلك حكيمًا) للخلاص، بالإيمان الذي في المسيح يسوع. كل الكتاب هو موحى به من الله (أنفاس الله) ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر، لكي يكون إنسان الله كاملاً مُتَأَهِّبًا لكل عمل صالح» (2تيموثاوس3: 13‑17).