تأثرت كثيرًا عندما قرأت قصة السويسري الذي رأى أن إصلاح حذائه في البلد الأفريقي الذي كان يزوره يوفِّر له بضعة دولارات، فتوقف لإصلاحه وهو في طريقه للمطار، لكن لما تأخر فاتته الطائرة. لقد وفَّر مبلغًا صغيرًا ولكنه تكبَّد مبلغًا ضخمًا. وفكَّرت بجدية أننا نحتاج إلى ترتيب الكثير من الأمور في حياتنا؛ فهناك أمور هامة فعلاً، لكن هناك الأهم؛ لذلك من المهم ترتيب الأمور بحسب الأولويات. هكذا علَّمنا الرب في الكتاب المقدس أن نهتم بأمور أكثر من أمور، مثل:
(1) «لكِنِ اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ» (متى6: 33)
في هذه الأيام نجد أنَّ جُلَّ اهتمام الناس هو: ماذا نأكل؟ وماذا نشرب؟ وماذا نلبس؟ وهذا هو اهتمام الناس منذ القديم. لذلك علَّم المسيح تلاميذه بأن هذه الأشياء كلها تطلبها أمم العالم، كما أن أبانا السماوي يعلم أننا نحتاج إلى هذه كلها؛ لذا فلا يليق بنا الاهتمام بمثل هذه الأشياء.
علينا أن نهتم بالأمور الباقية أولاً، أي أن أطلب الحياة الأبدية والغفران والخلاص الأبديين، لكي أضمن مستقبلي الأبدي وبيتي الأبدي، قبل أمور هذا الزمان. فكم من البشر يشترون ويبيعون، وبأمور الزمان يهتمون ويسعون، أما الأمور الأبدية والروحية فتلقى عندهم اهتمامًا أقل، لذلك تجد مثل هؤلاء الناس ينزعجون بل وينهارون إذا حرموا من شيء من أشياء هذا الزمان.
(2) «يَا مُرَائِي، أَخْرِجْ أَوَّلاً الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّدًا أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى مِنْ عَيْنِ أَخِيكَ!» (متى7: 5)
في الغالب الإنسان عنده منظاران: منظار مكبِّر يرى به أخطاء الآخرين، ويرى به حسنات نفسه. ومنظار مصغِّر يرى به أخطاءه هو، كما يرى به حسنات الآخرين.
لذا فعلينا أن نحكم على أنفسنا أولاً قبل أن نحكم على الآخرين، وأن نصلح أخطاءنا قبل أن نفكر في انتقاد أخطاء الآخرين. والرب هنا يحذرنا من أن نكيل بمكيالين أو أن نزن بميزانين.
(3) «إِنْ قَدَّمْتَ قُرْبَانَكَ إِلَى الْمَذْبَحِ وَهُنَاكَ تَذَكَّرْتَ أَنَّ لأَخِيكَ شَيْئًا عَلَيْكَ؛ فَاتْرُكْ هُنَاكَ قُرْبَانَكَ قُدَّامَ الْمَذْبَحِ وَاذْهَبْ أَوَّلاً اصْطَلِحْ مَعَ أَخِيكَ وَحِينَئِذٍ تَعَالَ وَقَدِّمْ قُرْبَانَكَ» (متى 5: 23-24)
ماذا لو فعل كل المصلّين بوصية المسيح هذه؟ لاشك أن الخصام سيتلاشى، وسيعُمّ الحب والسلام.
لذلك علينا، قبل الذهاب للصلاة في الاجتماعات الروحية، أو في خلواتنا الشخصية، أن نفحص أنفسنا ونعترف بأخطائنا أولاً، وإن كنت قد أسأت إلى أخي، فمن الأكرم والأشرف أن أذهب إليه أولاً، وأصالحه، واعترف له بزلتي، وحينئذ أتمتع بالغفران الأخوي، قبل أن أذهب لله في الصلاة.
(4) «أَعْطَوْا أَنْفُسَهُمْ أَوَّلاً لِلرَّبِّ، وَلَنَا، بِمَشِيئَةِ اللهِ».(2كورنثوس8: 5)
المؤمنون في كنائس مكدونية كانوا من أفقر المؤمنين ماديًا، وبالرغم من ذلك يشهد لهم الرسول بولس أنهم أعطوا أكثر من الجميع، ليس فقط حسب طاقتهم بل فوق طاقتهم أيضًا. والسبب هو أنهم قد أعطوا أنفسهم أولاً للرب.
القارئ العزيز: قبل أن تعطي من مالك للرب، أعطِ أولاً نفسك للرب.
(5) «فَأَطْلُبُ أَوَّلَ كُلِّ شَيْءٍ أَنْ تُقَامَ طِلْبَاتٌ وَصَلَوَاتٌ وَابْتِهَالاَتٌ وَتَشَكُّرَاتٌ لأَجْلِ جَمِيعِ النَّاسِ» (1تيموثاوس2: 1)
إننا نعيش في زمن صعب، وكم نحتاج إلى المزيد من الصلوات. ولكن ينبهنا هنا الرسول بولس أنه قبل أن نصلي لأنفسنا وبيو تنا وأولادنا علينا أن نصلي من أجل الآخرين وخاصة الحكام والمسؤولين.
(6) «وَلَكِنْ إِنْ كَانَتْ أَرْمَلَةٌ لَهَا أَوْلاَدٌ أَوْ حَفَدَةٌ، فَلْيَتَعَلَّمُوا أَوَّلاً أَنْ يُوَقِّرُوا أَهْلَ بَيْتِهِمْ وَيُوفُوا وَالِدِيهِمِ الْمُكَافَأَةَ» (1تيموثاوس5: 4)
من مظاهر التقوى الحقيقية والعملية أن نردّ فضل الأب أو الأم أو الجد، وأن نفيهم حقوقهم الواجبة. ومَن يُخفق في هذه فقد أنكر الأيمان. عندما يصل الآباء إلى سنٍ متقدِّم، يشعرون بحاجتهم للأبناء. وكل ما يعمله الأبناء لوالديهم ما هو إلا مكافأة بسيطة لأتعابهم الكثيرة؛ لذلك علينا أن نهتم بهم أولاً وقبل أي شيء آخر.
(7) «وَمَنْ مِنْكُمْ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بُرْجًا لاَ يَجْلِسُ أَوَّلاً وَيَحْسِبُ النَّفَقَةَ هَلْ عِنْدَهُ مَا يَلْزَمُ لِكَمَالِهِ؟ لِئَلاَّ يَضَعَ الأَسَاسَ وَلاَ يَقْدِرَ أَنْ يُكَمِّلَ فَيَبْتَدِئَ جَمِيعُ النَّاظِرِينَ يَهْزَأُونَ بِه» (لوقا14: 28-29)
وهذا عين الكمال، فقبل أن أشرع في البناء يجب أن أجلس أولاً لكي أحسب النفقة. فعلى المرء أن يحدِّد لِرِجلِه قبل الخطو موضعها.
فإلهنا هو إله الترتيب وإله النظام، ويريدنا أن نكون مٌرتَّبين ومنظمين، وأن نهتم أولاً بأنفسنا وأرواحنا بأن نأتي إليه فيرحمنا.. أمين..