قد أكمل

ولد هدسون تايلور JAMES HUDSON TAYLOR في بلدة برانتلي بيوركشاير بانجلترا، في 21مايو 1832م ورحل للسماء من شنجهاي بالصين في 3يونية 1905م، وهو المُرسَل الأشهر ومؤسِّس إرسالية الصين الداخلية.

ولكن كيف صار هدسون تايلور مسيحيًا حقيقيًا؟

نشأ هدسون تايلور في أسرة مسيحية وكان أبوه خادمًا للإنجيل.  وورغم حضوره المستمر للكنيسة، لكنه لم يكن قد اختبر العلاقة الشخصية مع المسيح، ومعرفة غفران الخطايا، والتمتع باالخليقة الجديدة.  وكان كأي شاب في هذه السن يعيش في الخطية، محاولاً إشباع شهواته بطريقته الخاصة.  حتى جاء صيف عام 1849م وكان هدسون قد احتفل منذ اسابيع قليلة بعيد ميلاده السابع عشر، وكانت أمه قد ذهبت لزيارة أختها وبعض الأصدقاء في بلدة غير بلدتهم.  وفي ظهيرة يوم السبت تثقَّل قلب أمه بالصلاة لأجله؛ فدخلت أحدى الحجرات وأغلقت الباب خلفها (متى7: 6)، وكانت تصلي بلجاجة وإيمان لأجل ابنها هدسون، لكي يختبر خلاص المسيح والحياة الأبدية.  استمرت تصلي ساعات وهي تقول للرب: لن أسكت وأكف عن الصلاة قبل أن تؤكِّد لي يا رب أنك استجبت طلبتي وفتحت قلب ابني لقبول الإنجيل.  وبعد ساعات، ملأ الرب قلبها بالسلام العجيب، وشعرت بصوت الرب في أعماقها قائلا لها: ابنك هدسون قد صار مسيحيًا حقيقيًا اليوم.

ولكن ماذا عن الابن هدسون؟  كان في حر الصيف وهو وحيد في المنزل، يشعر بالملل، وبالأشواق لأمه؛ فأراد أن يسلّي وحدته، فدخل مكتب أبيه ليبحث عن بعض القصص ليقرأها.  وبينما يقرأ قصة، لفت نظره كتيب صغير (نبذة) مكتوب عليها “عمل المسيح الكامل على الصليب”؛ فشدَّه العنوان، وسأل نفسه: لماذا لم يكتب الكاتب عمل المسيح الفدائي أو الكفاري؟  ما معنى الكامل؟  ولما قرأ النبذة وعرف معني العبارة السادسة التي قالها المسيح على الصليب: «قَدْ أُكْمِلَ»، ركع على ركبتيه، وسالت الدموع من عينيه وهو يسلِّم كل قلبه للمسيح الذي احتمل كل خطاياه وأكمل العمل تمامًا على الصليب، وقام من الأموات. عندها شعر هدسون بسلام الله العجيب يغمر قلبه، وذهب عنه حالاً كل ثقل خطاياه، وأخذ يسبِّح الله بفرح شديد، إذ كان قد اختبر الخلاص.

بعد مرور عشرة أيام، عادت الأم إلى البيت.  وما أن دخلت المنزل حتى ارتمى هدسون في أحضانها قائلاً لها: ماما عندي أخبار سارة لك.  وعندها قالت الأم له: عرفت يا ابني، عرفت منذ عشرة أيام.  وعندما اخبرته بصلاتها لأجله ووعد الله لها، كان هذا الاختبار مشجعًا باستمرار لإيمان هدسون تايلور طوال خدمته التي استمرت 51 عامًا في الصين.

عزيزي القاريء عزيزتي القارئه: «قَدْ أُكْمِلَ» هي العبارة السادسة التي قالها الرب يسوع على الصليب: «فَلَمَّا أَخَذَ يَسُوعُ الْخَلَّ قَالَ: قَدْ أُكْمِلَ» (يوحنا19: 30).

«قَدْ أُكْمِل» كلمة مأخوذة من الأصل اليوناني “Teleo”.  وقد تُرجمت في مواضع مثل: «وَلَمَّا أَكْمَلَ (أنهى) Teleo  يَسُوعُ أَمْرَهُ لِتَلاَمِيذِهِ الاِثْنَيْ عَشَرَ انْصَرَفَ مِنْ هُنَاكَ» (متى11: 1).  وَقَالُوا:«أَمَا يُوفِي Teleo مُعَلِّمُكُمُ الدِّرْهَمَيْنِ؟» (متى17: 24).  «وَلَمَّا أَكْمَلُوا (أدّوا - حقَّقوا) Teleo كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ نَامُوسِ الرَّبِّ رَجَعُوا إِلَى الْجَلِيلِ» (لوقا2: 39).  قَالَ لَهُمْ: «هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَسَيَتِمُّ Teleo كُلُّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ بِالأَنْبِيَاءِ عَنِ ابْنِ الإِنْسَانِ» (لوقا18: 31). 

إذًا فمعنى العبارة هو: أنهى..  وَفَى.. حقَّق..  وتمَّم.. هذا ما فعله المسيح هناك، فهو أنهى مشكلة الخطية ونتائجها، ووفى ثمن الفداء، وحقَّق مطاليب عدالة الله، وتمَّم العمل.  وفي هذه العبارة الخالدة يمكننا أن نرى: كمال ما يخصّ الله البار، وكمال الكفارة والنجاة من النار، وكمال هزيمة إبليس الجبار

كمال ما يخصّ الله البار (الآب والابن):

1- كمال النبوات عن موته: عشرات النبوات تمَّت «بَعْدَ هَذَا رَأَى يَسُوعُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ كَمَلَ؛ فَلِكَيْ يَتِمَّ الْكِتَابُ قَالَ: أَنَا عَطْشَانُ» (يوحنا19: 28 ومزمور69: 21).

2- كمال ارساليته: «أَنَا مَجَّدْتُكَ عَلَى الأَرْضِ.  الْعَمَلَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لأَعْمَلَ قَدْ أَكْمَلْتُهُ» (يوحنا17: 4).  «حِينَئِذٍ قُلْتُ: هَئَنَذَا جِئْتُ.  بِدَرْجِ الْكِتَابِ مَكْتُوبٌ عَنِّي أَنْ أَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا إِلَهِي سُرِرْتُ.  وَشَرِيعَتُكَ فِي وَسَطِ أَحْشَائِي» (مزمور40: 6؛ عبرانيين10: 7).

3- كمال آلامه: كما قال: «وَيَتَأَلَّمَ كَثِيرًا...  وَيُقْتَلَ وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومَ» (متى16: 21؛ 17: 23؛ 20: 19).  «مُوسَى وَإِيلِيَّا اَللَّذَانِ ظَهَرَا بِمَجْدٍ وَتَكَلَّمَا عَنْ خُرُوجِهِ الَّذِي كَانَ عَتِيدًا أَنْ يُكَمِّلَهُ فِي أُورُشَلِيمَ» (لوقا9: 31) «فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ الْخَطَايَا، الْبَارُّ مِنْ أَجْلِ الأَثَمَةِِ» (1بطرس3: 18).

كمال الكفارة والنجاة من النار(الإنسان)

1- إتمام متطلبات الناموس: قال المسيح: «مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ» (متى5: 17) «لأَنَّهُ مَا كَانَ النَّامُوسُ عَاجِزًا عَنْهُ...  فَالله إِذْ أَرْسَلَ ابْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ الْخَطِيَّةِ وَلأَجْلِ الْخَطِيَّةِ دَانَ الْخَطِيَّةَ فِي الْجَسَدِ» (رومية8: 3، 4). لقد جاء المسيح تحت الناموس (غلاطية4: 4، 5) واحتمل لعنته (غلاطية3: 13)، وحقق غايته (رومية10: 4)، وصرنا نحن تحت النعمة (رومية6: 14).

2- إتمام وضع خطايانا عليه: «الرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا» (إشعياء53: 6). «الرَّبُّ أَيْضاً قَدْ نَقَلَ عَنْكَ خَطِيَّتَكَ.لاَ تَمُوتُ» (2صموئيل12: 13).  «حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى الْخَشَبَةِ» (1بطرس2: 24).  «أَنَّ ذَاكَ أُظْهِرَ لِكَيْ يَرْفَعَ خَطَايَانَا، وَلَيْسَ فِيهِ خَطِيَّةٌ» (1يوحنا3: 5).

3-إتمام الخلاص: «ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ» (لوقا19: 10).  «الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ» (1تيموثاوس1: 15).  «إِذاً لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحَِ» (رومية8: 1).

كمال هزيمة إبليس الجبار (الشيطان):

«اَلآنَ يُطْرَحُ رَئِيسُ هَذَا الْعَالَمِ خَارِجًا» (يوحنا12: 31).  «لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ» (عبرانيين2: 14).  «بِالصَّلِيبِ ... جَرَّدَ الرِّيَاسَاتِ والسَّلاَطِينَ اشْهَرَهُمْ جِهَارًا، ظَافِرًا بِهِمْ فِيهِ (كولوسي2: 15).

فهل تأتي مع هدسون تايلور ومعي لتثق في كمال عمل المسيح مصلّيًا الآن؟

صلاة:

يا من احتملت خطاياي إلى التمام..

وتجرّعت عذابي لأجل ما اقترفت من آثام..

أنا الخاطي الذي يستحق الإعدام..

أهديك حياتي فمتّعني بالسلام..

لأخدمك وأسجد لك طوال الأيام..

آمين.