لست ميتًا .... ولكنني أبدو كذلك...
قصة طريفة تُحكى عن كاتب الأطفال الشهير “هانس كريستيان أندرسن”، الذي وُلد بالدانمارك في 2 أبريل1805، وتوفي عام1875. وقد اشتهر بكتابة القصص والروايات الخيالية للأطفال، ومن ضمن مؤلفاته عقلة الإصبع، وأميرة الثلج. وقد خُصِّصت باسمه جائزة من أرفع الجوائز التي تُمنح لقصص الأطفال، وتقوم ملكة الدانمارك بنفسها بمنح هذه الجائزة للفائزين في احتفال رسمي.
أما عن القصة الطريفة، فقد أشتهر أندرسن بنحافته الشديدة جدًا، وقد كان يضيق بهذه النحافة، وبسببها كثرت الحكايات عن مواقفه الطريفة، حتى يُحكى أنه كان إذا جلس يكتب كان يملأ قميصه بأوراق الصحف؛ ليبدو ممتلئًا. والأطرف من ذلك أنه كان حين ينام، يُخيَّل لمن يقترب إليه أنه ميت، لذلك فقد كان يكتب ورقة إلى جوار سريره عليها عبارة: “لست ميتًا ولكنني أبدو كذلك”.
قصة طريفة لا تخلو من الغرابة، لكننا ربما لا نستغربها حينما ندرك أنها صدرت من أحد أشهر كتّاب الأطفال، ونعرف أفعالهم الطريفة ومواقفهم المضحكة. لكن لأننا نتحدث مع شباب مجلة نحو الهدف الأعزاء، فإننا نرى في هذه القصة صورة للكثيرين من الشباب الذين يملأون بيوتنا، وشوارعنا، واجتماعاتنا، ومؤتمراتنا؛ وفي الكثير من مواقف الحياة نراهم وكأنهم يعلقون على صدورهم لافتة مكتوب عليها: “لست ميتًا ولكن أبدو كذلك”. فحينما يتكلمون، أو يجلسون معًا يطلقون قفشات وألفاظًا لا تليق، أو يقضون الساعات الطويلة أمام الإنترنت يتصفحون مواقع نجسة تضرّ حياتهم الروحية. هم يحتاجون أيضًا لوضع تلك اللافتة أمامهم، لا لكي يعرف الناس أنهم ليسوا أمواتًا، بل ليتذكروا هم أنفسهم أنهم أحياء ولا يجب أن يكون سلوكهم كسلوك المكتوب عنهم «أَمْوَاتًا بِالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا» (أفسس2: 1).
أما تحريض بولس الرسول لمثل هؤلاء المؤمنين فهو: «لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ قَبْلاً ظُلْمَةً وَأَمَّا الآنَ فَنُورٌ فِي الرَّبِّ. اسْلُكُوا كَأَوْلاَدِ نُورٍ... وَلاَ تَشْتَرِكُوا فِي أَعْمَالِ الظُّلْمَةِ غَيْرِ الْمُثْمِرَةِ بَلْ بِالْحَرِيِّ وَبِّخُوهَا»، ثم يقول مستطردًا «اسْتَيْقِظْ أَيُّهَا النَّائِمُ وَقُمْ مِنَ الأَمْوَاتِ فَيُضِيءَ لَكَ الْمَسِيحُ» (أفسس5: 8 ،11، 14).
ورغم أن هذه الكلمات كُتبت منذ ما يقرب من ألفي سنة إلا أنها تكشف حالة الكثيرين منا في هذه الأيام؛ لأنها كلمة الله الحية والفعالة والتي لا ولن يضعف مفعولها بمرور آلاف الأعوام. فكم من شباب قد تغيرت حياتهم، وأضاء لهم المسيح بنور الإنجيل لكنهم الآن في حالة يرثى لها؟ وكم من شباب توقع لهم من حولهم، حين بدأوا حياتهم مع المسيح، أن يكونوا شبابًا مكرّسين للمسيح بحياة رائعة، وسيرة عطرة، وخدمة مثمرة؛ إلا أنهم سرعان ما شابهوا أهل العالم؟! ساروا في طريق آخر، واختاروا لأنفسهم مسارات مظلمة لا تتناسب مع النور الذي ملأ حياتهم. تبعوا أناسًا بدلاً من أتباع المسيح، وتأثروا بضلالات بدلاً من التأثر بكلمة الله. وعادوا لأعمال الماضي الأليم بدلاً من يعيشوا في ضوء الأبدية التي تنتظرهم. كل هذا لأنهم لم يستمروا في الاستناد على نعمة الله والاقتراب من جلاله كل يوم؛ حتى تشبع نفوسهم به وترفض كل ما يقدِّمه العالم من شهوة جسد، وشهوة عيون، وتعظم معيشة.
وما يزيد الأمر سوادًا وسوءًا أن البعض يتخيلون أن هناك لونًا رماديًا في الحياة المسيحية، فتجد حياة الكثيرين في هذه الأيام غير واضحة المعالم؛ فرائحة الموت تفيح من تصرفاتهم في حين يؤكدون أنهم أحياء يتمتعون بأحلى حياة في المسيح. وأمام هذا التناقض الغريب تجد نفسك في حيرة شديدة مما تراه: ففي الاجتماعات الروحية تجد أمامك شباب يمكن أن تقول عنهم إنهم أحياء في المسيح، خصوصًا حينما يصلّون مستخدمين أبلغ العبارات ومستشهدين بأقوى الآيات، أو حين يشاركون بقوة في بعض الأنشطة الروحية المختلفة والتي كثُرت جدًا في أيامنا هذه. لكنك، ومع الأسف الشديد، سرعان ما تجد نفسك تتراجع عن فكرتك هذه حينما تراهم خارج الاجتماعات، يستخدمون ألفاظًا تُناقض تمامًا ذلك المظهر الجميل داخل الاجتماعات، أو حينما يدخلون في منافسة شرسة لإطلاق النكات أو العبارات الخاصة التي جاءت على لسان بعض الممثلين في الأفلام السينمائية، فتدرك أنهم يقضون أغلب الوقت في مشاهدة الكثير منها. إنهم يعلنون بكلامهم أنهم أحياء، لكنهم في الوقت ذاته يؤكدون بسلوكهم وأفعالهم أنهم لا يختلفون كثيرًا عن الموتى الذين يعيشون في الخطية بكل أنواعها.
إن كنت متأكدًا أنك نلت حياة في المسيح وقمت من الموت فعلاً؛ فها الدعوة لك - أخي.. أختي - أن تعيد حساباتك مرة أخرى وتقرِّر ألا تشابه الموتى الذين حولك، بل تقوم من بينهم نافضًا عنك ما قد علق بذهنك وقلبك من أفكار شريرة وخطايا نجسة وأمور لا تليق بأولاد الله. اقترب من الله ولا تدَع المعاشرات الرديئة تفسد أخلاقك الجيدة (1كورنثوس15: 33). دع سلوكك يؤكِّد كلامك. ولا ترضَ بالرقاد هناك بجوار الأموات، فليس هذا من سمات العقلاء (مرقس5: 2). فإن كنت حيًّا وعشت بين الأموات، فأنت قطعًا تعيش معذَّبًا بلا راحة أو سعادة حقيقية؛ لأنك لا تعيش في وضعك الطبيعي كمؤمن. ستكون كلوط الذي كان يعذِّب يومًا فيومًا نفسه البارة بالأفعال الأثيمة (2بطرس2: 8). أو مثل شمشمون الذي سقط في يد أعدائه فقلعوا عينيه، والسبب أنه اختار أن يعيش بين الخطاة بنفس طريقتهم: يأكل معهم، ويمزح معهم، ويفعل كل ما يفعلونه، فكانت نهايته أيضًا بينهم رغم أنه كان نذيرًا لله (قضاة16: 30). وأمثلة أخرى عديدة تؤكد لنا تعاسة أولئك الذين يعرجون بين الفرقتين ويعيشون حياتهم في حيرة ما بين متعة الحياة الروحية السليمة ولذة الخطية الوقتية التي لا تجلب معها إلا كل تعاسة وشقاء وعدم راحة.
القرار لك أخي المؤمن، إما أن تعيش الحياة الأفضل التي لك في المسيح وإما أن تشابه الموتى رغم أن لك حياة أفضل وأروع بكثير مما تتوقع. فإذا قررت أن تعيش الحياة التي لك في المسيح، أشجِّعك الآن أينما كنت أن ترفع قلبك بالصلاة والتوبة عن هذه الحياة المرتبكة، لتهدأ بين يدي إلهنا القدير الذي لن يخذلك أبدًا إذا كنت تطلب منه بكل قلبك حتى يقوِّم طريقك ويصلح أفعالك ويضبط سلوكياتك.