مثل شهير متوفر في عدة لغات، فيُقال مثلاً في الإنجليزية When the cat is away the mice play
والمقصود به أنه عندما تغيب الرقابة (ممثًّلَة في القط) يعبث العابثون (ممثَّلين في الفأر)، أي يفعلون ما يريدون، بغضِّ النظر عن النظام أو القواعد.
قد يكون “القط” و“الفأر” هما على الترتيب: المدير والموظف غير الأمين، وقد يكونا المدرِّس والتلميذ غير الملتزم، أو الأب والأم والابن المتمرد السالك بهواه. ولكل فأر لاهٍ عابث القِط الذي يلتزم أمام عينيه، وما أن يتوارى بعيدًا حتى يفعل ما بدا له من فساد.
ولكننا لسنا فئران، يراقبنا قِط نهرب من عينيه لنفعل ما نشاء. بل نحن أميز مخلوقات الله، خلقنا بإرادة واعية، يريد أن يرانا ونحن نطيعه اختيارًا، في السر وفي العلن، في النهار وفي الليل.
والذي يراقب تصرفاتنا ليس قِطًّا يمكن أن “يغيب” أو يتوارى أمرٌ عن عينيه، بل هو الله العظيم الذي لا يخفى عنه شيء؛ إذ أنه «لَيْسَتْ خَلِيقَةٌ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ قُدَّامَهُ، بَلْ كُلُّ شَيْءٍ عُرْيَانٌ وَمَكْشُوفٌ لِعَيْنَيْ ذلِكَ الَّذِي مَعَهُ أَمْرُنَا» (عبرانيين4: 13). إنه مَن قال يومًا «إِذَا اخْتَبَأَ إِنْسَانٌ فِي أَمَاكِنَ مُسْتَتِرَةٍ أَفَمَا أَرَاهُ أَنَا، يَقُولُ الرَّبُّ؟ أَمَا أَمْلأُ أَنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، يَقُولُ الرَّبُّ؟» (إرميا23: 24)؛ فأين عساك أن تختبئ منه لتفعل شرَّك دون حساب؟
بل هو من قيل عنه «مِنَ السَّمَاوَاتِ نَظَرَ الرَّبُّ. رَأَى جَمِيعَ بَنِي الْبَشَرِ. مِنْ مَكَانِ سُكْنَاهُ تَطَلَّعَ إِلَى جَمِيعِ سُكَّانِ الأَرْضِ. الْمُصَوِّرُ قُلُوبَهُمْ جَمِيعًا، الْمُنْتَبِهُ إِلَى كُلِّ أَعْمَالِهِمْ» (مزمور33: 13-15)، فهو لا يرى ما نعمله فحسب، بل ما في داخل قلوبنا أيضًا، و«عَيْنَاهُ تَنْظُرَانِ. أَجْفَانُهُ تَمْتَحِنُ بَنِي آدَمَ» (مزمور11: 4)، ومن يستطيع النجاح في مثل هذا الامتحان؟!
هلا أدلك على طريقٍ! لا تهرب منه محاولاً أن تتوراى عن عينيه، فهذا هو المُحال بعينه، بل اهرب إليه من شرِّك، ليخلِقك خليقة جديدة، ويراك في المسيح بلا لوم ولا عيب. افتح له قلبك ليطهِّره، يومها لن تحتاج مرة أخرى للهروب منه.