هربان بسم الفئران

في كل عام تُسرق أعداد كبيرة من السيارات في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، ويندر العثور على السيارة المسروقة في نفس اليوم.  في عام 1981 سُرقت سيارة ملاكي، وأبلغ صاحبها بسرقة السيارة.  ولكن الأهم أنه أخبر رجال الشرطة بأنه ترك علي المقعد المجاور لمقعد القيادة، علبة بسكويت مشرَّبة بمادة سامة، كان قد أعدّها لوضعها في الجراج لقتل الفئران، وأنه يخشى أن يأكل منها سارق السيارة فيتسمَّم.

قامت الدنيا ولم تقعد في الولاية للبحث عن سارق السيارة، ليس لمحاكمته لكن لإنقاذه من سم الفئران.  وتحرّك رجال الشرطة بسرعة، وأعلنوا بكل وسائل الإعلام عن سرقة السيارة وتحذير السارق من أن يأكل من البسكويت الموجود فيها.  بذلوا كل الجهد في البحث عنه، لا لمعاقبته، وإنما حفاظًا علي حياته لئلا يتسمم هو ومن معه ويموتوا.  إلى أن وجدوه، وأنقذوا حياته من موت متوقَّع لانه كان هربان يحمل سم الفئران.

يمكننا أن نرى في هذه القصة الحقيقية صورة، ولو باهتة، عن هروب الإنسان الخاطيء من الله، بينما الله المحب يبحث عنه، لا ليدينه بل لينقذه، ليس من سم الفئران بل من الشيطان ومن نتائج الخطية الرهيبة التي تفوق بما لا يقاس خطورة السم.  لقد هرب سارق العربة كما هرب آدم قديما بعد سقوطه في الخطية وسرقته لمجد الله، لكن الله ظل يبحث عنه (تكوين3: 6-9).  وعندما تدرس سفر التكوين الأصحاح الثالث تعرف بسهولة:

الخطية ومعانيها

الخطية ليست فقط الإساءة إلى الآخرين بالقتل والسرقة والاغتصاب، لكن معناها في نظر الله أكثر من ذلك بكثير.  ولكي تدرك شناعتها إليك بعض معانيها:  1.الخطأ أو الانحراف عن الهدف (رومية3: 23)، والهدف أن نمجِّد الله (إشعياء43: 7)  2.التعدي (1يوحنا3: 4)  3.خيانة الله (1أخبار10: 13)  4.إهانة الله (مزمور10: 13)  5.احتقار الله (ملاخي1: 6)  6.التمرد على الله (مزمور5:10)  7.عداوة الله (1كورنثوس1: 21؛ انظر أيوب21: 14) … هل رأيت أن الخطية  أخطر مما تتصور؛ لأنها ضد الله الخالق العظيم؟!

الخطية ونتائجها

ذ تنظر إلى كل ما في العالم من شقاء وآلام وأحزان وحروب وإدمان وأمراض وبيوت وقلوب محطمة؛ اعرف أن هذه، وأكثر منها، هي نتائج الخطية.  ومن قصة السقوط نرى بعض نتائج الخطية (تكوين3: 10، 11، 15، 16، 17، 18، 16، 23، 24): 1.الخوف وعدم الأمان 2.العري والهوان  3.العداوة وحروب الشيطان  4.المرض والأحزان  5.اللعنة حلت على الأكوان  6.الشوك وآلام الإنسان 7.الموت وله ثلاثة معان: *الجسدي: انفصال الروح عن الجسد (يعقوب2: 26)  *الأدبي: الانفصال عن الله السند (لوقا15: 24)  *الأبدي: العذاب في الجحيم للأبد (رؤيا20: 14).

الخطية وأجرتها

حدَّد الله لأدم عقوبة التعدي على أقواله «يوم تأكل منها موتًا تموت» (تكوين2: 17؛ انظر أيضًا حزقيال18: 4؛ رومية6: 23).

الخطية وفشل الأعمال الصالحة في علاجها

منذ أن سقط الإنسان، حاول علاج الخطية بالأعمال الصالحة عندما «خاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر».  ولكن للأسف لم تصلح لعلاج الخطية ونتائجها أمام الله، إذ أجاب آدم الله وهو مختبئ - مع امرأته - من وجه الرب: «سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فأختبأت». عريان رغم أنه يلبس المآزر التي صنعها، فلم تستطع ستره.  كذلك حاول قايين علاج الخطية وإرضاء الله بثمار الأرض ولكنه فشل (تكوين4: 11؛ يهوذا 11).  وحتى يومنا هذا يسلك الكثيرون مسلك مآزر ورق التين وطريق قايين في محاولة علاج الخطية بالأعمال الصالحة ولكن دون جدوى.  لماذا لا تصلح الأعمال الصالحة بدون عمل المسيح على الصليب في علاج مشكلة الخطية؟  الإجابة هي: 

1- الأعمال الصالحة لا تصلح لأنها نابعة من إنسان خاطئ.  هل تقبل وتأكل تفاحة جميلة مقدَّمة لك من يد إنسان مصاب بالدمامل أو الأوبئة الخطيرة؟  فكيف يمكن لله أن يقبل أعمال من إنسان نجس وميت بالخطية (إشعياء1: 5-6، 13-15)؟ 

2- أجرة الخطية موت وليس أعمال صالحة؛ فمثلا: لا يصلح أن تبرّئ المحكمة قاتلاً مقابل أن يتعهد بأن يبني مستشفى أو ملجأ أيتام!!  هكذا لا تكفي الأعمال الصالحة لدفع أجرة الخطية التي هي الموت.

3- مهما عظمت الأعمال الصالحة فهي محدودة لأنها صادرة من إنسان محدود، أما الخطية فوُجِّهت ضد الله غير المحدود (إشعياء59: 6).

4- الأعمال الصالحة (إن استطعنا عملها) ليست تفضلاً منا على الله بل هي واجب، والتقصير فيها يستحق العقاب (لوقا11: 10).

5- ما يُدعى أنه أعمال صالحة دائمًا ناقص لأن الإنسان ضعيف ونجس (إشعياء64: 6). 

إذن فطريق الأعمال الصالحة لعلاج الخطية قد فشل تمامًا.

الخطية والذبائح الحيوانية

أمر الله بتقديم الذبائح الحيوانية في العهد القديم، بل كان أول من قدَّم ذبيحة حيوانية لستر عري آدم وحواء (تكوين3: 21).  ولكن هل تكفي الذبائح الحيوانية لعلاج الخطية؟  يجيب الرسول بولس بالوحي المقدس «لاَ يُمْكِنُ أَنَّ دَمَ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ يَرْفَعُ خَطَايَا» (عبرانيين10: 4)؛ لأن الحيوانات والطيور المحدودة والتي تُباد لا يمكن أن تفدي الإنسان الخالد وتنقذه من الموت الأبدي.  فلماذا، إذًا، أمر الله بتقديمها في العهد القديم؟ 

1- ليظل ذكر الخطية مرسومًا أمام ذهن وضمير الشعب ليتعلموا كراهية الله للخطية (عبرانيين10: 3). 

2- ليتعلموا أن قضاء الله على الخطية هو الموت وليس أقل من ذلك (رومية6: 23).

3- ليتعلموا أن الله عنده طريقة لرفع الخطية سيظهرها فيما بعد، ليعفو بها عن الخاطئ، حسب رحمته (2كورنثوس5: 21).

4- كانت كل هذه الذبائح بتفاصيلها رمزًا لذبيحة المسيح المعروف سابقًا قبل تأسيس العالم (1بطرس1: 18).

5- هذه الذبائح برَّرت من قدَّمها بإيمان في العهد القديم (عبرانيين11: 4) لأنها تشير إلى ذبيحة المسيح.  فالعملة المالية الورقية تكتسب قيمتها من أن لها رصيدًا من الذهب في البنك المركزي في الدولة، هكذا كانت تلك الذبائح مقبولة عند الله على رصيد دم المسيح الذي قدَّمه الله كفارة بالإيمان بدمه من أجل الصفح عن الخطايا السالفة (رومية3: 25).

فهل ما تزال هاربًا من الله الذي يحبك (أمثال28: 1)؟  إنه يحبك وقد جهَّز العلاج لسم الخطية الأخطر من سم الفئران (يوحنا3: 16، 17)؛ فهل تأتي إليه الآن مصليًا:

صلاة:

      يا ربي يسوع الحنان..

      لقد تسمَّمت بسم الشيطان..

      فارحمنى واشفني من عارى والهوان..

      يا من لأجلي حملت صليب الأحزان..

                                                                  آمين