الثبات

قال المسيح:
«كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هَذِهِ وَيَعْمَلُ بِهَا أُشَبِّهُهُ بِرَجُلٍ عَاقِلٍ بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الصَّخْرِ.  فَنَزَلَ الْمَطَرُ وَجَاءَتِ الأَنْهَارُ وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ وَوَقَعَتْ عَلَى ذَلِكَ الْبَيْتِ فَلَمْ يَسْقُطْ لأَنَّهُ كَانَ مُؤَسَّسًا عَلَى الصَّخْر».  (متى7: 24-25).

لماذا الثبات؟

لأننا نعيش في عصر متقلِّب، متغيِّر كالبحر المضطَّرب الذي لا يهدأ، وقد يصعب أن يحتفظ الشاب بثباته أمام ضغوط كثيرة مادية ومعنوية، وإغراءات شرسة شهوانية، بالإضافة لمشاكل عائلية، هذه وغيرها تحاول أن تنال من ثباته وتهزّ معتقداته.  لكن مهما هاج البحر وعصف بسفن كثيرة، فهناك سفن تستطيع أن تعبر في رسوخ وثبات. 

لكن ماذا عن حال الناس في زمن المسيح؟  أعتقد أنهم لم يكونوا في حال أفضل منا، فقد كانوا يعانون من قسوة الرومان من الخارج، ومن قسوة الفريسيين وتديُّنهم المتزمت الطقسي من الداخل، بالإضافة إلى الفلسفات والنظريات اليونانية والرومانية في ذلك الوقت التي تدعو إلى التحرر والإباحية.  لذلك عاشوا في بلبلة ذهنية وحيرة فكرية، وقد رأى المسيح كل ذلك فأشفق عليهم «إِذْ كَانُوا مُنْزَعِجِينَ وَمُنْطَرِحِينَ كَغَنَمٍ لاَ رَاعِيَ لَهَا» (متى9: 36).

معنى الثبات

الشخص الثابت هو المستقِرّ الراسخ، الذي لا يتغير بتغير الظروف والأحوال، فلا يميل إذا مالت ولا يتقلقل إذا تزعزعت ونشيده هو:

إذا السماء والدنا وأثبت الأركان
               تمايلت نحو الفنا واستسلم السكان
يبقى سلامي ثابت فسيد الأكوان
               يقول: ثق! إني هنا، وأنت في الأحضان

والثبات لا يورَّث، كما أنه لا يأتي من الانفعالات الوقتية أو القرارات الحماسية التي تنبع من عواطف ومشاعر غير منضبطة.  لكنَّ الثبات يأتي من الإيمان القوي الراسخ، وهو اختبار العمر كله  «الذي يثبت إلى المنتهى» (متى24: 13).

أُسس الثبات

(1) الإيمان بعمل المسيح: قال الرب يسوع: «اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ»، وقال بعدها: «مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ» (يوحنا6: 47، 54).  وربما يظن القارئ  العزيز أن المسيح هنا يضع طريقتين للحصول على الحياة الأبدية هما الأكل والإيمان، لكن الحقيقة هو طريق واحد وهو طريق الإيمان، علق القديس أوغسطينوس على الآيتين بالقول:“آمن بالمسيح، فتكون إذ ذاك قد أكلت”..  ونتيجة الأكل، أو الإيمان (بحقيقة موت المسيح وسفك دمه)، يأتي الثبات: «مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ» (يوحنا6: 56).

(2) العيشة كما يحق لإنجيل المسيح: «فَقَطْ عِيشُوا كَمَا يَحِقُّ لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، حَتَّى إِذَا جِئْتُ وَرَأَيْتُكُمْ، أَوْ كُنْتُ غَائِبًا أَسْمَعُ أُمُورَكُمْ أَنَّكُمْ تَثْبُتُونَ فِي رُوحٍ وَاحِدٍ، مُجَاهِدِينَ مَعًا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ لإِيمَانِ الإِنْجِيلِ» (فيلبي1: 27).

(3) التمسك بتعليم المسيح: «إِنْ حَفِظْتُمْ وَصَايَايَ تَثْبُتُونَ فِي مَحَبَّتِي» (يوحنا15: 10) .  «وَأَمَّا أَنْتَ فَاثْبُتْ عَلَى مَا تَعَلَّمْتَ وَأَيْقَنْتَ، عَارِفًا مِمَّنْ تَعَلَّمْتَ» (2تيموثاوس3: 14).

(4) حمل سلاح الله الكامل: «الْبَسُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ» (أفسس6: 11).

(5) الثبات في المحبة: «وَأَنْتُمْ مُتَأَصِّلُونَ وَمُتَأَسِّسُونَ فِي الْمَحَبَّةِ» (أفسس3: 18)، «وَنَحْنُ قَدْ عَرَفْنَا وَصَدَّقْنَا الْمَحَبَّةَ الَّتِي لِلَّهِ فِينَا.  اللهُ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ يَثْبُتْ فِي اللهِ وَاللهُ فِيهِ» (1يوحنا4: 16).

كيفية الثبات

(1) الشركة معه: «أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ. الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ» (يوحنا15: 5).  وينبغي أن نكون في المسيح أولاً، قبل أن نثبت فيه.

(2) الالتصاق به: «كل غُصْنٍ فِيّ» فنحن في المسيح، وحياته تسري فينا.

(3) الاتكال والاعتماد عليه: «الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هَذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أن تفعلوا شيئاَ».

(4) طاعته وحفظ وصاياه: «إِنْ حَفِظْتُمْ وَصَايَايَ تَثْبُتُونَ فِي مَحَبَّتِي كَمَا أَنِّي أَنَا قَدْ حَفِظْتُ وَصَايَا أَبِي وَأَثْبُتُ فِي مَحَبَّتِهِ» (يوحنا15: 10).

(5) محبتنا بعضنا لبعض: «اَللهُ لَمْ يَنْظُرْهُ أَحَدٌ قَطُّ.  إِنْ أَحَبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا فَاللهُ يَثْبُتُ فِينَا، وَمَحَبَّتُهُ قَدْ تَكَمَّلَتْ فِينَا» (1يوحنا4: 12). 

بركات الثبات

(1) تمجيد الله: «فَأَجَابَ نَبُوخَذْنَصَّرُ: تَبَارَكَ إِلَهُ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُو الَّذِي أَرْسَلَ مَلاَكَهُ وَأَنْقَذَ عَبِيدَهُ الَّذِينَ اتَّكَلُوا عَلَيْهِ وَغَيَّرُوا كَلِمَةَ الْمَلِكِ وَأَسْلَمُوا أَجْسَادَهُمْ لِكَيْ لاَ يَعْبُدُوا أَوْ يَسْجُدُوا لإِلَهٍ غَيْرِ إِلَهِهِمْ.  فَمِنِّي قَدْ صَدَرَ أَمْرٌ بِأَنَّ كُلَّ شَعْبٍ وَأُمَّةٍ وَلِسَانٍ يَتَكَلَّمُونَ بِـالسُّوءِ عَلَى إِلَهِ شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُو فَإِنَّهُمْ يُصَيَّرُونَ إِرْبًا إِرْبًا وَوَتُجْعَلُ بُيُوتُهُمْ مَزْبَلَةً إِذْ لَيْسَ إِلَهٌ آخَرُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَجِّيَ هَكَذَا».  (دانيآل3: 28، 29).

(2) استجابة الصلوات: «إنْ ثَبَتُّمْ فِيَّ وَثَبَتَ كلاَمِي فِيكُمْ تَطْلُبُونَ مَا تُرِيدُونَ فَيَكُونُ لَكُمْ» (يوحنا15: 7).

(3) الإتيان بثمر كثير: «الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هَذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا» (يوحنا15: 5).

(4) القوة والحفظ من السقوط: «بِهَذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا نَثْبُتُ فِيهِ وَهُوَ فِينَا: أَنَّهُ قَدْ أَعْطَانَا مِنْ رُوحِهِ (أي أعطانا قوة)»، «كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَحْدَاثُ لأَنَّكُمْ أَقْوِيَاءُ، وَكَلِمَةُ اللهِ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ، وَقَدْ غَلَبْتُمُ الشِّرِّيرَ» (1يوحنا4: 13؛ 2: 14).

(5) الشهادة: «مَنِ اعْتَرَفَ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ابْنُ اللهِ، فَاللهُ يَثْبُتُ فِيهِ وَهُوَ فِي اللهِ» (1يوحنا4: 15).

إمكانات الثبات

«كمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ الإِلَهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى، بِمَعْرِفَةِ الَّذِي دَعَانَا بِالْمَجْدِ وَالْفَضِيلَةِ، اللَّذَيْنِ بِهِمَا قَدْ وَهَبَ لَنَا الْمَوَاعِيدَ الْعُظْمَى وَالثَّمِينَةَ لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلَهِيَّةِ» (2بطرس1: 3-4). 

فلنا        (1) حياة المسيح ( يوحنا14: 19).

            (2) كما لنا روحه  أي الروح القدس (يوحنا14: 16). 

            (3) كذلك عندنا كلامه (يوحنا15: 3).

فكيف لا نثبت بعد كل ذلك؟!