قليلون هم الذين اتَبعوا الرب. وحتى هؤلاء فدوافعهم تختلف؛ فمنهم من اتًبعه لأجل شفاء من مرض، أو لأجل شبع من جوع، أو لإعجابه بآيات رآها أو كلمات سمعها. لكن هناك مؤمنين مخلصين للرب كرَّسوا الحياة له. سنتأمل في أحدهم الآن قيل عنه هذه العبارة:
اتَّبع تمامًا الرب
قيلت هذه العبارة عن اثنين في العهد القديم: كالب بن يفنة، ويشوع بن نون. فبعدما أرسل موسي 12 رجلاً لتجسًس الأرض قبل دخولها، قال عشرة منهم بعد عودتهم: «لا نقدر أن نصعد إلى الشعب لأنهم اشد منًا» فأرعبوا الشعب من الأرض. أما كالب ويشوع، فقالا للشعب «إننا نصعد ونمتلكها لأننا قادرون عليها... الرب معنا لا تخافوهم». ونتيجة ذلك مات العشرة بالوباء أمام الرب، أما كالب ويشوع فعاشا ودخلا الأرض (اقرأ سفر العدد13؛ 14).
اتًبع تمامًا: قيلت عن كالب 6 مرات؛ قالها عنه الرب 3 مرات «أَمَّا عَبْدِي كَالِبُ فَمِنْ أَجْلِ أَنَّهُ كَانَتْ مَعَهُ رُوحٌ أُخْرَى، وَقَدِ اتَّبَعَنِي تَمَامًا، أُدْخِلُهُ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي ذَهَبَ إِلَيْهَا، وَزَرْعُهُ يَرِثُهَا» (عدد14: 24؛ 32: 12؛ تثنية1: 36)، وقالها عن نفسه (يشوع14: 8)، وقالها عنه موسي (يشوع14: 9)، وسجَّلها عنه يشوع بعد أن باركه (يش14: 14).
معنى اسمه: أحد معاني اسم “كالب” هو “كل القلب”. وهنا نرى أن اتّباع الرب لا يكون إلا بكل القلب، وليس بجزءٍ منه. فمن يكون للرب، أو مع الرب، بعض الوقت والباقي لشخص أو شيء غيره، فهو كمن يعرج بين الفرقتين (1ملوك18: 21). شهد الرب عن داود: «الَّذِي حَفِظَ وَصَايَايَ وَالَّذِي سَارَ وَرَائِي بِكُلِّ قَلْبِهِ لِيَفْعَلَ مَا هُوَ مُسْتَقِيمٌ فَقَطْ فِي عَيْنَيَّ» (1ملوك14: 8). على النقيض سار شمشون وراء دليلة وكشف لها كل قلبه ففارقته قوته وفارقه الرب (قضاة16).
مزايا من يتبع الرب تمامًا
1- يكون معه روح أخرى: كان في الآخرين روح الخوف والفشل، حتى رأوا أنفسهم كالجراد أمام أعداءهم. أما كالب فلم يتأثر بآراء الآخرين، ولم يسِر وراء رأي الأغلبية، بل وصف المدن والحقول والأعداء في شجاعة، كما رآها، مهما اختلف معه الأغلبية. لم تكن مجرد حماسة شباب مندفع تتراجع مع الأيام؛ بل كما كان في الأربعين من عمره هكذا كان شجاعًا وهو في الخامسة والثمانين!
2- يذهب من قوة إلي قوة: قال كالب ليشوع «كما كانت قوتي (أيام موسى) هكذا قوتي الآن (بعد 45 سنة) للحرب وللخروج وللدخول» (يشوع14: 11). أين أنت أخي الشاب من هذه القوة؟ أم أصابك الشيب والتعب من الركض وراء أشياء هي للفناء؟ «اَلْغِلْمَانُ يُعْيُونَ وَيَتْعَبُونَ، وَالْفِتْيَانُ يَتَعَثَّرُونَ تَعَثُّرًا. وَأَمَّا مُنْتَظِرُو الرَّبِّ فَيُجَدِّدُونَ قُوَّةً. يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَالنُّسُورِ. يَرْكُضُونَ وَلاَ يَتْعَبُونَ. يَمْشُونَ وَلاَ يُعْيُونَ» (إشعياء40: 30، 31).
3- له الايمان الذي يطالب بتحقيق المواعيد مهما تأخرت: «فالآن أعطني هذا الجبل الذي تكلم عنه الرب في هذا اليوم» (يشوع14: 12). هكذا طالب داود الرب «وَالآنَ أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلهُ أَقِمْ إِلَى الأَبَدِ الْكَلاَمَ الَّذِي تَكَلَّمْتَ بِهِ عَنْ عَبْدِكَ وَعَنْ بَيْتِهِ، وَافْعَلْ كَمَا نَطَقْتَ» (2صموئيل7: 25). وقد كان له ما طلبه بإيمان؛ فقد جلس سليمان على العرش وبني بيتًا للرب، وفي يوم اقتتاح الهيكل صلى: «أيها الرب... حافظ العهد والرحمة... الذي حفظت لعبدك داود أبي ما كلمته به فتكلمت بفمك وأكملت بيدك كهذا اليوم» (1ملوك8: 22‑24).
4- يتمتع بنصرة كاملة على الأعداء، وامتلاك كامل للميراث. ففي الوقت الذي قيل فيه عن معظم الأسباط إنهم لم يطردوا الأعداء عند امتلاكهم الأرض، قيل عن كالب: «وَطَرَدَ كَالَبُ مِنْ هُنَاكَ بَنِي عَنَاقَ الثَّلاَثَةَ» (يشوع15: 14).
5- يكون قدوة أمام الآخرين: فبعد أن فعل - ضرب الأعداء وانتصر - يقول للآخرين «من يضرب قرية سفر ويأخذها أعطيه عكسة ابنتي امرأة»؛ فأخذها عثنيئيل (القرية) فأعطاه عكسة ابنته (يشوع15: 16، 17). كان هناك قوم يتبعون أرواحًا مضلة وتعاليم شياطين، أما تيموثاوس فقد تبع كلام الإيمان والتعليم الحسن وكان خادمًا صالحًا ليسوع المسيح؛ فصار قدوة للمؤمنين (1تيموثاوس4).
6- يعطي بركات للآخرين: فبعد أن باركه الرب وامتلك، يصير بركة لغيره «فَقَالَتْ (عكسة ابنته): أَعْطِنِي بَرَكَةً. لأَنَّكَ أَعْطَيْتَنِي أَرْضَ الْجَنُوبِ فَأَعْطِنِي يَنَابِيعَ مَاءٍ. فَأَعْطَاهَا الْيَنَابِيعَ الْعُلْيَا وَالْيَنَابِيعَ السُّفْلَى» (يشوع15: 19). كان هكذا يوسف سبب بركة لبيت المصري (تكوين39: 5).
7- يكون نسله مباركًا. فكان عثنيئيل ابن أخيه وزوج ابنته هو أول قاضٍ ومخلِّص لأسرائيل من الأعداء (قضاة3: 9). وهكذا بارك الرب إبراهيم وكل نسله «ويتبارك في نسلك جميع أمم الأرض» (تكوين22: 18). وهذا وعد الرب لأتقياءه «امْرَأَتُكَ مِثْلُ كَرْمَةٍ مُثْمِرَةٍ فِي جَوَانِبِ بَيْتِكَ. بَنُوكَ مِثْلُ غُرُوسِ الزَّيْتُونِ حَوْلَ مَائِدَتِكَ. هكَذَا يُبَارَكُ الرَّجُلُ الْمُتَّقِي الرَّبَّ» (مزمور128: 3، 4).
8- لا يردِّد كلمات ويهتف هتافات الآخرين وكأنه بلا مبدأ، فقد كان كالب مع الأقلية لإقتناعه وإيمانه: «لكِنْ كَالِبُ أَنْصَتَ الشَّعْبَ إِلَى مُوسَى وَقَالَ: إِنَّنَا نَصْعَدُ وَنَمْتَلِكُهَا لأَنَّنَا قَادِرُونَ عَلَيْهَا» (عدد13: 30).
يتبع الرب من بعيد
أمامنا شخص تبع الرب ليس تمامًا، بل من بعيد، وهو بطرس (اقرأ لوقا22). ولنلقِ نظرة على الأسباب والنتائج:
الأسباب:
1– ظن أنه شيء: واثقًا أنه سيثبت وإن عثر الآخرون، فقد قال للرب «أمضي معك حتى إلى السجن وإلى الموت».
2– نام في البستان ولم يستخدم سيف الروح والصلاة، وعندما استيقظ استخدم سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة.
النتائج:
1– جلس بين الخدم والعبيد! بين من أهانوا سيده، وكأنه واحد منهم.
2– أنكر الرب وأمام جارية قائلاً: «لست أعرفه».
3– أنكر أنه من التلاميذ قائلاً: «لست أنا».
4– أنكر أنه جليلي وأنه لا يفهم لغة من يكلمه «لست أعرف ما تقول».
صديقي: لسنا أفضل من بطرس، ولسنا في قوة كالب؛ فهيا نقول للرب «اجذبنى وراءك» فأتبعك تمامًا وأكرِّس الحياة لك.