“يا رب!”
عبارة تتردد كثيرًا على ألسنة كثيرين، وفي كل مكان تقريبًا. تكاد تسمعها كل يوم، بل كل اليوم؛ من الصغير والكبير، الغني والفقير، الصالح والشرير... في الشارع والمترو والأوتوبيس، في البيت والمدرسة ودار العبادة، في الملجإ والسجن والمستشفى... كلنا ندعو: “يا رب!”، وربما نُرَدِّد بعدها الصلوات أو نرجو الأمنيات أو نُعَدِّد الطلبات. يقولها بعضهم عن إيمان، وتخرج من بعضهم فقط في الأزمات كزفرة يأس أو نحيب أو رجاء، ومن آخرين كتعويذة للشفاء أو لاستدرار عطف السماء.
لكن السؤال هو: هل هذا الدعاء مُستجاب؟ هل كل من يقول: “يا رب!” ينال المُراد؟!
قد نظن أن الله يستجيب فقط متى كان الدعاء “مِن القلب”؛ أي صادقًا. وكلما ازداد صدق الداعي، ازدادت احتمالات الاستجابة. وقد يظن الناس أن الله يستجيب في أوقات من اليوم أكثر من أوقات أخرى، وكأن الله عنده أوقات للعمل وأخرى للراحة! ويظن آخرون أن الله يستجيب دعوات فئات عُمرية دون أخرى، فالطفل والشيخ مثلاً دعواتهم لها الأفضلية، أما الذين في منتصف العمر فقد لا يحالفهم الحظ كثيرًا. وكذلك أيضًا دعاء رجال الدين، كما يعتقد كثيرون، على افتراض أنهم أقرب إلى الله من الآخرين.
لكن الحقيقة هي أن الله، في رحمته، يُغدِق على البشر جميعًا؛ فهو خالقهم. بل إننا جميعًا نستمد حياتنا منه «إذ هو يُعطي الجميع حياةً ونفسًا وكل شيء... لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد» (أعمال17: 25، 28). وقد قال الرب يسوع نفسه إن الله «مُنعِمٌ على غير الشاكرين والأشرار» (لوقا6: 35)، وهو «يُشرِق شمسه على الأشرار والصالحين ويُمطِر على الأبرار والظالمين» (متى5: 45). وهذا يعني أن الله يُعطي الجميع بلا استثناء؛ للذين يقولون: “يا رب!” وللذين لا يقولون، للمؤمنين به وللذين لا يؤمنون؛ فَهُم خلائقه وَهُم منه مسؤولون. على أن هذا لا يعني مطلقًا اختفاء الجوع والفقر والمرض والمعاناة تمامًا من العالم، فهذه كلها من ثمار شَرِّ الإنسان وفساده وابتعاده عن الله.
لكن الرب يسوع قال أيضًا: «ليس كل من يقول لي: “يا رب، يا رب!” يدخل ملكوت السماوات، بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السماوات» (متى7: 21). وهذا يعني أنه عندما يتعلَّق الأمر بالمسائل الإلهية الأبدية، لا يكفي أبدًا أن تقول: “يا رب!” فالله يعلم تمامًا ما في القلوب لأنه «ليست خليقة غير ظاهرة قدامه، بل كل شيء عُريان ومكشوف لعينَيْ ذلك الذي معه أمرنا» (عبرانيين4: 13). إنه يعرف كل شيء، وهو يفحص القلوب ويختبر الكُلَى (إرميا17: 10)؛ أي تلك الأعماق الداخلية التي تخفَى حتى علينا نحن. ولا يهم على الإطلاق مقدار الصدق في الدعاء، أو توقيته، أو عُمر الذي يدعو، بل لا يهم أيضًا مدى الضيقة التي يتعرض لها والتي أجبرته أن يقول: “يا رب!” بينما هو لا يضع الله في حساباته أصلاً.
أحبائي، إن الله «لا يُشمَخ عليه» (غلاطية6: 7)؛ أي لا يمكن أبدًا أن نسخر منه بأن نقول له شيئًا بينما نفعل غيره، فهو يرى ليس فقط أفعالنا بل أيضًا دوافعنا. لذلك، فعندما يتعلَّق الأمر بمصيرنا الأبدي، لا يمكن أن يكفي دعاء: “يا رب!” بل - كما قال الرب - «الذي يفعل إرادة أبي الذي في السماوات». وكيف يفعل المرء إرادة الآب الذي في السماء؟ إننا جميعًا خطاة أشرار، وليس فينا على الإطلاق ما يُرضي الله! فكيف إذًا يمكننا أن نفعل إرادته؟!
الحق أنك لن تستطيع، يا صديقي القارئ، أن تبدأ حتى في معرفة إرادة الله الصالحة من نحوك ما لم تحصل أولاً على طبيعة جديدة تتوافق أدبيًّا مع طبيعة الله الروحية السامية أدبيًّا! لقد قال الرب يسوع لرجل دين يهودي: «الحقَّ الحقَّ أقول لك: إن كان أحد لا يولد مِن فوق (أي من السماء، من الله) لا يقدر أن يرى مَلَكوت الله... الحقَّ الحقَّ أقول لك: إن كان أحد لا يولد مِن الماء (أي كلمة الله) والروح (أي الروح القُدُس، روح الله) لا يقدر أن يدخل مَلَكوت الله... ينبغي أن تولدوا من فوق!» (يوحنا3: 3، 5، 7).
قُل: “يا رب!” متى شئت، قدر ما شئت، كيفما شئت، لكن ما لم تحصل على هذه الطبيعة الإلهية الجديدة التي بها تتوافق مع الله، لن يمكنك أبدًا أن تتيقن من أن الله يقبل دعاءك. أما إن كنت قد وُلِدت بالفعل من فوق، فبمجرد أن تقول: “يا رب!” تدخل مباشرة، وأنت هنا على الأرض، إلى حضرة الله نفسه، وذلك من خلال ربنا يسوع المسيح الذي به «لنا جراءة وقدوم بإيمانه عن ثقة» (أفسس3: 12)، بل إننا نقيم راسخين في دائرة الرضا الإلهي إذ «قد صار لنا الدخول بالإيمان إلى هذه النعمة التي نحن فيها مُقيمون»، وذلك فقط بعد أن «تبررنا بالإيمان» وصار «لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح» (رومية5: 1، 2).
صديقي القارئ، إنني أتوسل إليك الآن، وقبل فوات الأوان، أن تقبل دعوة الله الكريمة التي يقدِّمها لك لكي تنال الحياة الأبدية؛ إنه صنف مختلف من الحياة، هي حياة الله نفسه. وهكذا يمكنك أن تتوافق وتتواصل مع الله، حيث سيسكن الله فيك بروحه وعندئذٍ سيمكنك أن تتحدث معه بِحُرِّية، إذ بالولادة من فوق أصبح الله أبانا وقد أخذنا «روح التَّبَنِّي الذي به نصرخ: يا أبا الآب»، بل حتى عندما لا «نعلم ما نُصَلِّي لأجله كما ينبغي» فإن «الروح نفسه يشفع فينا بأنَّات لا يُنطَق بها» ناقلاً أنين قلوبنا إلى محضر الله (رومية8: 15، 26). يا لعظم عمل ربنا يسوع المسيح على الصليب! والذي بواسطته يقدِّم لك الله، يا عزيزي، على مبدإ نعمته المطلقة، دون أي استحقاق من جانبك، خلاصًا عظيمًا بهذا المقدار يمكنك، عندما تؤمن به، أن تصير ابنًا لله وتتمتع بعلاقة حيَّة حقيقية معه من الآن، بل سيأخذك لتسكن معه في بيته إلى الأبد (يوحنا14: 1‑4).
فهل تُصَدِّق وتقبل؟!