نعى الرئيس الأمريكي باراك أوباما، رائد الفضاء “نيل أرمسترونج”، وهو أول إنسان يهبط على سطح القمر؛ قائلاً إنه واحد من أعظم أبطال أميريكا على مَرِّ العصور. والمعروف أن نيل أرمسترونج، الذي وُلِد في 5 أغسطس 1930 بأوهايو، ومات في 25 أغسطس2012، قام بعملية اشتباك ناجحة بين مركبتين في الفضاء وذلك في أول رحلة فضائية له.
وبينما يفخر الناس دائمًا ببعض الشخصيات لما تقوم به من أعمال الشهامة والشجاعة والإنجازات العظيمة.. ويلقِّبونهم بأعظم الرجال. ويبحث الرب إلهنا - على مر التاريخ - عن مؤمنين به يلقبهم هو “بالرجال”، ليس لإنجازات أرضية زائلة، بل لأعمال رائعة قد سبق وأعدها لهم ليسلكوا فيها.
هل ترغب عزيزي أن تكون واحدًا من هؤلاء الرجال، وتمتلئ بهذه الفضيلة؟ أقصد: الرجولة الروحية.
الرجولة الجسدية والروحية
يُقصد “بالرجولة الجسدية” تلك الصفات الجسمانية المتنوعة والعضلات القوية للرجل، كما يصف لنا الوحي منظر شاول الملك «ولم يكن رجل في بني إسرائيل أحسن منه. مِن كتفه فما فوق كان أطول من كل الشعب» (1صموئيل9: 2).
بينما نقصد - في حديثنا - بالرجولة الروحية؛ تلك الصفات الأخلاقية، والشهامة الروحية وأيضًا السلوكيات الأدبية، والتي تظهر عمليًا في المواقف الحرجة والظروف القاسية. ولأنها رجولة روحية؛ فهي لا تقتصر على الشباب فقط، بل والشابات أيضًا. فهي رجولة الجدية وليست “العيالية”، رجولة الجوهر وليست المظاهر الكاذبة، رجولة الإنجازات وليست الأحلام والتفاهات.
من الطفولة إلى الرجولة
صحيح أن كل مولود من الله حديثًا يبدأ كطفل في الإيمان «كأطفال مولودين الآن اشتهوا اللبن العقلي العديم الغش لكي تنموا به» (1بطرس2:2)؛ إنه يتغذى بكلمة الله، ورويدًا رويدًا يأخذ في النمو، إلى أن يترك ما للطفل.
يقول الرسول بولس «لما كنت طفلاً كطفل كنت أتكلم، وكطفل كنت أفطن، وكطفل كنت أفتكر. ولكن لما صرت رجلاً أبطلت ما للطفل» (1كورنثوس13: 11).
ودون هذا النمو الروحي، يظل الشخص طفلاً أو غلامًا في نظر الله، مهما تقدَّم به السن، فالرب يسوع في إحدى المرات يلقِّب التلاميذ “بالغلمان”، بسبب تصرفاتهم الصبيانية (يوحنا21: 5).
أعظم رجل في التاريخ!!
قسَّم الناس، بمقايسهم البشرية، عظماء الرجال إلى مائة شخص!! لكن ساكن السماوات، القدوس اسمه، الله العظيم الذي ليس عنده محاباة، أصدر بيانًا من السماء أعلن فيه من هو الرجل الأعظم، واصفًا إياه «رجل رفقتي» (زكريا13: 7) أي رفيق الله، وقال عنه أيضًا «الرجل الغصن» (زكريا6: 12) أي المثمر والذي يتمم مخططات الله، بل وشهد عنه قائلاً «رجل أوجاع» (إشعياء53: 3) الذي تمم خلاص الله للبشر بآلامه. إنه الرب يسوع المسيح. بل وأخيرًا هو الرجل الذي أوكل له الله مهمة الدينونة «أن يدين المسكونة بالعدل برجُلٍ قد عيَّنه مقدِّمًا للجميع إيمانًا إذ أقامه من الأموات» (أعمال17: 31).
مقاييس الرجولة الروحية الحقيقية
1. الابتعاد عن التصرفات الصبيانية التافهة: ما أخطر وأكثر التصرفات الصبيانية أو“العيالية”، والتي لا يريدها الرب فينا، سواء في ألفاظ الكلام «كطفل كنت أتكلم»، أو الجري وراء التفاهات، كذلك الغلام عديم الفهم الذي ذهب وراء امرأة لعوب أغوته بكلامها الناعم فانتهى به الطريق إلى الهاوية (أمثال7: 7-23). ما أروع الرجولة الروحية التي تظهر في نضج الشخصية وسموها الأدبي «أكثر من كل معلّميّ تعقلت لأن شهاداتك هي لهجي» (مزمور119: 99).
2. التغذي بعمق في كلمة الله: يميز كاتب العبرانيين بين نوعين من المؤمنين، أطفال وناضجين؛ أطفال لا يستوعبون العمق في كلمة الله؛ فهم يريدون القشور منها «وصرتم محتاجين إلى اللبن لا إلى طعام قوي»، ويشير إلى ناضجين يدرسون الكلمة بعمق «وأما الطعام القوي فللبالغين» (عبرانيين5: 12، 14)، ففي أي فريق أنت؟!
3. الوقوف بشجاعة ضد الخطية: بينما يظن الكثيرين أن الجري وراء العلاقات مع الجنس الآخر، بأشكالها المختلفة، والتسلية بالأفلام العالمية والتفنن في أساليب اللف والدوران؛ لهي الرجولة والنصاحة بعينها(!!)، لكن الرب يمتدح التقي الذي يقف في وجه هذه كلها ويلقِّبه “بالرجل”؛ «طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار وفي طريق الخطاة لم يقف وفي مجلس المستهزئين لم يجلس» (مزمور1: 1). حقًا إنها رجولة تسمو فوق الشهوات العالمية؛ «أما دانيآل فجعل في قلبه أنه لا يتنجس» (دانيآل1: 8). وهذا أستطيعه في المسيح الذي يقويني.
4. الالتزام والجدية: يحكي لنا سفر نحميا عن قيام رجل ببناء السور وتحمُّل المشقات اسمه نحميا، ورغم الكّمِّ الهائل من المعوقات والتهديدات، لكنه ضرب أروع مثال للرجولة الحقيقة في الخدمة بجدية، فقيل عنه «جاء رجل يطلب خيرًا...» (نحميا2: 10). وأمام التهديدات بقتله لم يتخاذل وقال «أَرَجُلٌ مثلي يهرب؟» (نحميا6: 11).
5. الشهامه في خدمة الآخرين: ما أروع رجولة المسيحي الحقيقي وهو يخدم مَنْ حوله، سواء كان أسرته أو كنيسته أو مجتمعه. ففي يوم من الأيام عطش داود وهو مُطَارَد، فذهب ثلاثة من رجاله الأوفياء ليحضروا له ماءً، مارين بأرض الأعداء مخاطرين بحياتهم، مما جعل داود يرفض شرب هذا الماء الذي أحضروه قائلاً «أأشرب دم هؤلاء الرجال بأنفسهم؟» (1أخبار11: 19). فيا لها من رجولة وشهامة حقيقية!
6. الحكمة في التصرف: ما أحوجنا إلى رجال، يحسنون التصرف في مواقف الحياة والخدمة، فقديمًا في أرض مصر حدثت مجاعة، واستمرت سبعة سنوات ولم ينقذ البلاد إلا شابًا اسمه يوسف، قال عنه فرعون «هل نجد مثل هذا رجلاً فيه روح الله» (تكوين41: 38). وقال عنه الوحي أيضًا «أرسل أمامهم رجلاً» (مزمور105: 17). وكان سر رجولة يوسف الرائعة هي هذه «كان الرب مع يوسف؛ فكان رجلاً ناجحًا» (تكوين39: 2). فكان بحق رجلاً وبحكمته أطعم البلاد سبعة سنوات.
إخوتي الشباب والشابات.. وسط جيل كثًرت فيه الهيافات، وأستشرت التفاهات، وقلَّت الإنجازات، وكثرت الافتخارات.. ينصحنا الرسول بولس بالقول «اسهروا. اثبتوا في الإيمان. كونوا رجالاً. تقوّوا» (1كورنثوس16: 13). ويقول الرب «طلبت من بينهم رجلاً يبني جدارًا ويقف في الثغر أمامي عن الأرض لكي لا أخربها» (حزقيال22: 30). لنتعلق بإلهنا، ونتعلم مسيحنا، لنمتلئ بمبادئ كلمته، التي هي أمور شريفة، لننبذ كل الأمثلة التافهة الرخيصة، ولنتمثل بأبطال ورجال الإيمان العظام.. فنستحق المدح من فم السيد حينما ينادي كل منا «أيها الرجل المحبوب» (دانيآل10: 11).