من يتبع الرب تماما – مثل كالب – وليس من بعيد – مثل بطرس – ويتبعه لأنه يحبه، وليس طمعًا في أجرة. يتبعه لأجل شخصه، وليس لأجل عطاياه. يتبعه بكل القلب، لا بقلب منقسم. شخص كهذا يعلِّمه ويحرِّضه الكتاب المقدس بالآتي:
التابع للمسيح لا بد أن يتبع أشياء وصفات لا تظهر بكمالها إلا في الشخص الكامل: الرب يسوع. وفي قُربنا منه واتّباعنا خطواته (1بطرس2: 21)، لا بد وأن نعكس صفاته، والتي من خلالها يراه الناس فينا، ونحن نتبع هذه الصفات ونتحلى بها. سيساعدنا هذا على ألا نتبع أشياء أخرى لا يجب أن تظهر في حياة من يتبع المسيح. سنتكلم في هذا العدد بشيء من التفصيل عن:
أولاً: أشياء نتبعها
1– المحبة: «اتبعوا المحبة» (1كورنثوس14: 1). إذا قرأنا الأصحاح السابق (13) نجد أن الرسول بولس يضع المحبة قبل كل شيء، وأفضل من كل شيء، وأعظم من كل شيء، وإن فعل الإنسان كل شيء وليس له محبة فهو لا شيء ولن ينتفع شيء. وفي نهاية الأصحاح، يكتب أنها أعظم من الإيمان والرجاء. والرسول بطرس يضعها قبل الصلاة «فَتَعَقَّلُوا وَاصْحُوا لِلصَّلَوَاتِ. وَلكِنْ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، لِتَكُنْ مَحَبَّتُكُمْ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ شَدِيدَةً» (1بطرس4: 7، 8). التابع للمسيح لا يهتم كثيرًا بطقوس يمارسها، بل بمسيح حي يحيا فيه، والمسيح هو “محبة”، لذا يمكنك قراءة أصحاح13 ووضع اسم المسيح بدلاً من كلمة المحبة واقرأ هكذا: المسيح يتأنى ويرفق ولا يحسد ولا يتفاخر ولا يظن السوء... وهكذا.
صديقي القارئ: من لا يحب لم يولد من الله (1يوحنا4: 7)، ولا يسكن فيه روح الله (غلاطية5: 22)، وبالتأكيد لا يعرف المسيح. وما أقصده هو نوع المحبة؛ فالمحبة البشرية: الآخرين هم الباعث لها، أما محبة الله: فالآخرين هم هدفها، والمسيح هو مصدرها.
2– الخير: «انْظُرُوا أَنْ لاَ يُجَازِيَ أَحَدٌ أَحَدًا عَنْ شَرّ بِشَرّ، بَلْ كُلَّ حِينٍ اتَّبِعُوا الْخَيْرَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ وَلِلْجَمِيعِ» (1تسالونيكي5: 15). كان المسيح - الذي نتبعه - في كل حياته يجول يصنع خيرًا، ويجب على تابعيه، في طريق ممتلئ بالشر والأشرار، أن يغلبوا الشر بالخير (رومية9: 21)، ويكرهوا الشر ويلتصقوا بالخير (رومية9: 12). ولا تنتظر ردًّا حسنًا من الآخرين نظير خيرك، فقد لا يعملوا معك معروفًا نظير كل الخير الذي عملت (قضاة8: 35)، والأسوأ أنهم قد يعملوا لك خشبة لتُصلب عليها كالتي عملها هامان لمردخاي الذي تكلم بالخير (أستير7: 9)، وقد يحفروا حفرة لنفسك كجزاء لخيرك كإرميا (إرميا18: 20). ومَن مِنّا أفضل من المسيح الذي وضعوا عليه شرًا بدل خير (مزمور109: 5). صديقى: ستجد في طريقك أشرارًا لا يفعلون الشر فقط، بل يخترعونه؛ أما أنت فلا تتبع الخير وتفعله فقط، بل عليك أيضًا أن تخترعه (أمثال14: 22).
3– السلام: «اِتْبَعُوا السَّلاَمَ مَعَ الْجَمِيعِ» (عبرانيين12: 14). من أكثر الأشياء التي يبحث عنها الناس، لاحتياجهم الشديد إليه، هو السلام. فالعالم امتلأ بالحروب والمنازعات والبلطجة، وتبحث عن الأمن والأمان فلا تجد فـ«لا سلام قال إلهي للأشرار» (إشعياء57: 21). وهنا يبرز دور تابعي المسيح. فأين نجد السلام إلا معه؟ وكيف نتعلم السلام إلا منه؟ ففي يوم مولده سبَّحت الملائكة «وعلى الأرض السلام»؛ لأن الذي ولد هو رئيس السلام (إشعياء9: 6). وفي عظته الشهيرة قال «طوبى لصانعي السلام». ونحن نؤمن بما يعلنه الكتاب المقدس بأن السلام العادل والكامل لن يعمّ الأرض إلا عندما يملك عليها ملك البر وملك السلام (عبرانيين8: 2). والآن على تابعي المسيح، الذين لهم سلام مع الله ولهم سلام في أنفسهم، أن يتبعوا السلام مع جميع الناس وأن يصنعوه لهم.
4– القداسة: «اتبعوا... القداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب» (عبرانيين12: 14). القداسة، كمقام، أنعم الرب علينا بها، وصرنا في المسيح قديسين وبلا لوم، وأعطانا ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع (عبرانيين10: 10، 19). ولكن المقصود هنا هو القداسة العملية؛ فنحن نسير في عالم كل شيء فيه دنس ونجس، والخطية تحيط بنا بسهولة، والأهم أن المسيح الذي نتبعه “اسمه قدوس”، والسرافيم تنادي أمامه «قدوس»، وقال عن نفسه «لأني أنا قدوس»، وفي البشارة بميلاده قال الملاك للمطوّبة مريم «القدوس المولود منك»، وفي حياته كان «قدوس بلا شر ولا دنس». عندما نعلم هذا، نستطيع أن نتبع القداسة (كغرض الحياة الدائم). وهذا لا يتحقق إلا بإماتة أعضاءنا التي على الأرض بكل ميولها وشهواتها. ومن جهة العالم، لا نحبه ولا الأشياء التي فيه لأنه صُلب لنا ونحن له.
5– البر والتقوى والإيمان والصبر والوداعة: «وَأَمَّا أَنْتَ يَا إِنْسَانَ اللهِ ... اتْبَعِ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَالإِيمَانَ وَالْمَحَبَّةَ وَالصَّبْرَ وَالْوَدَاعَةَ» (1تيموثاوس6: 11). سأذكر هنا مجرد تعريف للصفات التي يتبعها ويتحلى بها تابع المسيح. ونلاحظ أن بولس يخاطب تيموثاوس بصفة فردية «أما أنت» 4 مرات في الرسالتين، وكأنه يقول له أنت مختلف عمن حولك في أيام أخيرة وصل فيها شر الناس إلى القمة، لأنك إنسان الله، أي مَنْ يمثِّل ويعلن الله للناس ويجعلهم يفكرون فيه، فعليه - وعلىكل تابع للمسيح - أن يتبع:
البر: العدل في تعاملنا مع الناس.
التقوى: شركة مع الرب مؤسَّسة على مخافته، تقود للتشبُّه به.
الإيمان: الأمانة والثقة والتمسك بما هو غير منظور.
الصبر: الثبات والاحتمال في التجارب.
الوداعة: ليست مظهر للخوف والضعف، بل هي الهدوء والاطمئنان أمام إساءات الآخرين.
صديقي القارئ: لا يمكن لأي مدرسة في العالم أن تعلِّم هذه الصفات، ولكن المسيح هو المدرسة والدرس والمعلم، الذي أعطى ليس درسًا نظريًا بل “بيان على المعلم”. ففي المحبة: من مثله أحب حتى الموت رغم أنه كان «مكروه الأمة»؟ ومن مثله صنع الخير للناس، رغم كل الشر الذي أتى عليه؟ ومن مثله صنع السلام، ونادى به، وأعطاه، رغم خصام وعداء الناس له؟ وعن قداسته حدِّث ولا حرج «قدوس بلا شر ولا دنس قد انفصل عن الخطاة»، وهو البار بشهادة كل من رآه، وهو التقي الذي قال «لن تدع تقيك يرى فسادًا»، وهو رئيس الإيمان، وهو مثال الصبر «صبر المسيح»، وهو مثال الوداعة «تعلموا مني لأني وديع». مثال عظيم إن تبعناه نتعلم منه ونتعلمه وبسهولة نتبع هذه الصفات. ولحديثنا بقية.