1. روح العالم: إن روح العالم هي روح الاستقلال والاستغناء عن الله والشعور بالكفاية الذاتية. وهذا يقود إلى الافتخار والعُجب والتعظم. وفي العهد القديم نقرأ عن آرام النهرين، وقد استخدمها الروح القدس ليرسم أمامنا صورة للعالم الحاضر الشرير. فآرام تعني الأراضي العالية، وفي هذا نرى ارتفاع القلب وتشامخ الروح والكبرياء. والسبب في ذلك أن لديها بدل النهر نهرين. والعالم يرفض الله ولا يريد أن يكون تحت رحمته ولا أن يشعر بالاحتياج إليه. ومع أن الله هو مصدر كل العطايا والهبات، إلا أن الإنسان لا يريد أن يعترف بذلك، ولا يشعر بالامتنان إلى الله ولا يقدِّر مراحمه، بل ينسب كل شيء لنفسه وذكائه وقدراته. كما أن روح العالم تتميز بحب الامتلاك والطمع والتسابق على المراكز الظاهرة والبحث عن الذات والتمركز حولها. وبالأسف هذه الروح كانت في التلاميذ يوم كان المسيح معهم بالجسد، إذ حدثت مشاجرة بينهم عن من يكون الأعظم. وعندما يعيش الإنسان محكومًا بروح العالم ومبادئه فإنه لن يضحي ولن يتنازل عن حقوقه، وسيسعى بكل وسيلة لإشباع وإمتاع شهواته. إن المنطق الذي يعيش به هو: طالما أنه سيعيش حياة واحدة فلماذا يضحي ويحتمل ويتعب لأجل الآخرين؟ إنه يعيش لذاته فقط. هذا ما فعله الغني الغبي الذي أخصبت كورته وقال لنفسه: أهدم مخازني وأبني أوسع... وأقول لنفسي: يا نفسي استريحي وكلي واشربي وافرحي، لأن لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة، ولم يدرِ أنه في تلك الليلة ستُطلب نفسه منه. كذلك الغني الذي عاش يلبس الأرجوان والبز ويتنعم كل يوم مترفهًا، ولم يفكِّر في الله ولا في قريبه لعازر المسكين الذي كان يشتهي أن يأكل من الفتات الساقط من مائدة الغني. هذه هي روح العالم.
2. مسرات العالم: وهي تتضمن أشياء بريئة وأشياء فاسدة. فالطعام والشراب والثياب والأصدقاء والنزهات والحفلات والتسليات والنجاح والمراكز العالية والمال والبيت المريح وأحدث الأجهزة والتكنولوجيا المتقدمة والسيارات وغيرها من وسائل المعيشة والترفيه هي في حد ذاتها لا غبار عليها طالما هي عطايا الرب التي يجب أن نشكر عليها ونستخدمها الاستخدام الصحيح. ولكن لا ينبغي أن نسيء استعمال هذه الأشياء، أو أن نستقل بها عن الله. ولقد حذَّر الرب شعبه عند دخولهم أرض كنعان قائلاً: «احترز من أن تنسى الرب إلهك... لئلا إذا أكلت وشبعت، وبنيت بيوتًا جيدة وسكنت... وكثرت لك الفضة والذهب... يرتفع قلبك وتنسى الرب إلهك... لئلا تقول في قلبك قوتي وقدرة يدي اصطنعت لي هذه الثروة» (تثنية8: 11-17). وبالطبع هناك أشياء يقدِّمها العالم لإشباع شهوات الجسد، وهذه يوصينا الكتاب أن نتحذر منها، «هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة» (2بطرس1: 4).
3. هموم العالم: العالم ليس فيه مسرات وشهوات فقط، لكن الكتاب أشار إلى “هموم العالم” التي تخنق الكلمة فتصير بلا ثمر. والهموم هي ضغوط وأثقال ومشاكل ومنغِّصات تُكبِّل المؤمن وتحنيه وتفقده الفرح والسلام اللذين له في المسيح. والعدو يستخدم الأشرار من أهل العالم ليضايق المؤمن ويعكر صفوه. لهذا يقول الكتاب: «مُلقين كل همكم عليه لأنه هو يعتني بكم» (1بطرس5: 7)، وأيضًا «لا تهتموا بشيء بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر» (فيليبي4: 6).
4. شرور العالم: إن العالم من البداية وحتى النهاية يتميز بالفساد والنجاسة والعنف والشراسة. وهذا ما نراه حولنا في كل مكان. ونحن نعلم أن الله المعلَن في الكتاب المقدس يتميز بأنه نور وليس فيه ظلمة البتة (1يوحنا1)، وهذا عكس النجاسة والفساد الأدبي. وأنه محبة (1يوحنا4)، وهذا عكس العنف والشراسة. ولقد كان المسيح في حياته على الأرض هو المُعبِّر والتعبير عن هذه الصفات الإلهية. ويعقوب في رسالته يقول: إن الديانة الطاهرة المقبولة عند الله هي هذه: افتقاد اليتامى والأرامل في ضيقتهم (وهذا يوافق طبيعة الله كمحبة)، وحفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالم (وهذا يوافق طبيعته كنور).
5. بُطلان العالم: خاض الحكيم في سفر الجامعة عدة تجارب بحث خلالها عن السعادة تحت الشمس، وكانت لديه كل الإمكانيات المتاحة لإمتاع وإشباع رغباته وكل ما يشتهيه، فقد عظَّم عمله فبنى لنفسه بيوتًا وغرس لنفسه كرومًا، وعمل لنفسه جنات وفراديس، وجمع لنفسه فضة وذهبًا وخصوصيات الملوك، واتخذ لنفسه مُغنيّن ومغنيات، وتنعمات بني البشر سيدة وسيدات، ومهما اشتهته عيناه لم يمسكه عنهما. ثم التفت إلى كل أعماله والتعب الذي تعبه في عمله، فإذا الكل باطل وقبض الريح ولا منفعة تحت الشمس (جامعة2). هذه هي الحقيقة المؤلمة أن بهجة الأرض سراب، وأن الحياة بدون الرب شقاء وصعاب. وهذا ما أكَّده الرب للمرأة السامرية عندما قال لها: إن كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا (يزداد عطشًا) (يوحنا4)، وليس سوى المسيح من يستطيع أن يملأ فراغ الإنسان ويسعده. العالم يمضي وشهوته، وهيئة هذا العالم تزول، وهذا يجعلنا لا نضع قلبًا عليه ولا نتعلق به.
6. عداوة العالم: قال الرب يسوع في حديثه الوداعي مع التلاميذ: إن كان العالم يبغضكم فاعلموا أنه قد أبغضني قبلكم... لأنكم لستم من العالم بل أنا اخترتكم من العالم، لذلك يبغضكم العالم (يوحنا15). وفي صلاته للآب عن التلاميذ قال: أنا قد أعطيتهم كلامك والعالم أبغضهم لأنهم ليسوا من العالم كما أني أنا لست من العالم (يوحنا17). وهذه العداوة نحو المؤمنين سببها العداوة نحو الرب يسوع. وعلينا أن نفهم كيف أننا مختلفين عن العالم، ولا ينبغي أن نتودد له ونصادقه. ولنسمع تحذيرات الكتاب لكي لا نحب العالم ولا الأشياء التي في العالم، ونعرف أن محبة العالم هي عداوة لله، لأن العالم صَلَبَ ابن الله، وموقف العالم لم يتغير منذ ذلك الوقت نحو رب المجد ونحو تابعيه. فلا يزال العالم يرفض المسيح ويبغضه، لقد أحب الناس الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة.