حلوة بطعم العلقم

لم تعد الدنيا كما كانت أيام آبائنا وأجدادنا؛ فكل شيء تغيَّر وبسرعة مذهلة.  والتغيير ليس للأفضل، بل للأردأ.  وفقدنا الإحساس بأشياء جميلة وكثيرة، عبَّر عنها الشاعر مخاطبًا الدنيا قائلاً:


العِطرُ عِطرك والمكانُ هو المكانْ

لكنني

ما عُدت أشعرُ في ربوعك بالأمانْ

شيء تكسَّر بيننا

لا أنتِ أنتِ، ولا الزمانُ هو الزمانْ

فما الذي حدث في قريتنا المصرية الهادئة الجميلة؟  وأُسَرنا المترابطة الكريمة؟

لقد استيقظ سكان قرية “حلوة” بمطاي بالمنيا، على حادث بشع، هو قتل وذبح أطفال ثلاثة في عمر الزهور.  كان القاتل ينوي قتل أبيهم لسوء سلوكه (إن صحَّ الخبر الذي نُشر في الجرائد)، ولما لم يعثر عليه، أراد أن ينتقم منه؛ فذبح أطفاله الثلاثة.  مات طفلان على الفور، والثالث مات في اليوم التالي متأثِّرًا بجراحه.

والتناقض العجيب أن القرية اسمها “حلوة”، والحقيقة أنها مُرَّة كالعلقم، وكالإسفنتين.  والغريب أيضًا أن القاتل اسمه “عيد”، وهو يوم عيد فعلاً، لكن لإبليس الذي باع له نفسه، ليمتلكها، ويستخدمها لتتميم أهدافه الأثيمة في القتل والتدمير.

وإنَّا نتساءل: لماذا يُقتل الأبرياء، ويُروَّع الآمنين؟  هل توجد أسباب للقتل وسفك الدماء؟

وبالرجوع إلى الكتاب المقدس، نجد أن أول قاتل في تاريخ البشرية هو قايين بن آدم، عندما قام على أخيه هابيل (الضعيف كمعنى اسمه) وذبحه.  ولماذا ذبحه؟  يقول الرسول يوحنا: «لأن أعماله شريرة، وأعمال أخيه بارة» (1يوحنا3: 12).  ثم لماذا ألقى إخوة يوسف أخاهم في البئر؟  أليس بسبب الحسد؟!  بل ولماذا قُتِل المسيح ابن الله يقول الكتاب: «أسلموه حسدًا».  إنها خطية الغيرة والحسد.  ثم لماذا أراد شاول الملك قتل داود بن يسى؟  أليس بسبب البغضة المريرة؟!  فعندما خلَّص داود الشعب من جليات الجتي، وأزال العار من شعب الله، غنَّت النساء قائلات: «قتل داود ربواته (الربوة = 10.000) وشاول ألوفه»، وهنا استشاط الملك غضبًا وغيظًا.

وعندما أذل أمنون أخته (من أبيه) ثامار بأن فعل الشر بها، خطَّط أبشالوم لكي يقتل أمنون انتقامًا منه لفعلته هذه (2صموئيل13)، كما في أحداث “حلوة” إن صحَّت الرواية؛ إذ قام القاتل بذبح أطفال الرجل انتقامًا منه، علَّها تروي غليله لأن: «الغيرة هي حمية الرجل فلا يشفق في يوم الانتقام» (أمثال6: 34).
وفي أخآب نرى سببًا آخر للقتل، وهو الطمع؛ فعندما رفض نابوت اليزرعيلي طلب الملك بأن يعطيه كرمه، رتَّبت إيزابل الشريرة مؤامرة دنيئة، أسفرت عن رجم نابوت وقتله (1ملوك21).

أما في هامان، فنرى سببًا آخر للقتل، وهو الكبرياء.  لقد ميَّزه الله بميزات كثيرة عدَّدها هامان لزوجته، لكن قال لها: «وكل هذا لا يساوي عندي شيئًا كلما أرى مردخاي اليهودي جالسًا في باب الملك» (أستير5: 13)، لأن مردخاي كان لا يقوم ولا يتحرك لهامان.

والعلاج الوحيد لخطية القتل البشعة هو الإيمان بشخص المسيح وبعمله، فعندما يأتي الإنسان القاتل ويؤمن بشخصه كابن الله، بل وكالله الظاهر في الجسد، ويؤمن بعمله الكفاري، فدم المسيح يطهره من كل خطية، ويسكن فيه الله الروح القدس ويجعل منه شخصًا جديدًا سعيدًا كالمسيح، يحب حتى أعدائه، ويبارك لاعنيه، ويصلي لأجل الذين يسيئون إليه، بل ويطلب المغفرة لقاتليه، كما فعل المسيح من فوق الصليب إذ طلب من الآب قائلاً: «يا أبتاه اغفر لهم»، وهذا ما تعلَّمه تلميذ المسيح اسطفانوس، عندما قال وهو يُرجَم: «يا رب لا تُقم لهم هذه الخطية» (أعمال7).

القارئ العزيز: يسوع ربي يحب الخطاة، والعصاة، والقتلة، فمن يا تُرى مثله؟  إنه من أجلهم ذاق موت الصليب، عندما جاء من السماء في اتضاع عجيب، وحمل الحكم القاسي الرهيب، فَمنْ يا تُرى مِثلُ هذا الحبيب؟! 


قد تقول لي: الحمد لله، فأنا لم أقتل أحدًا!!  أقول لك: إن مقاييس الله القدوس هو أن: «كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس»، لذا ليتك تأتي إليه كما أنت، فهو الوحيد الذي يستطيع أن يغيِّر القلب الفاسد والشرير، بل ويحوِّل من الموت إلى الحياة، كما فعل مع الملك حزقيا فرنم قائلاً: «هوذا للسلامة قد تحولت لي المرارة» (إشعياء37: 17).  فكم من زناة وقتلة أتوا إليه، ونالوا منه الغفران والخلاص، فقط تعال إليه كما أنت قائلاً له:

كما أنا وقد نقضت عهدك

جهلاً بحبك أهنت مجدك

الآن كي لك أكون وحدك

آتي أنا يا حمل الله الوديع