في عالمنا هذا، كثيرًا ما يكون هناك نزاع على المِلكية! بدءًا من الأطفال الصغار الذين يتشاجرون على لعبة من البلاستيك، وحتى العائلات والقبائل التي تتقاتل بسبب قطعة أرض، بل وحتى الدُّوَل التي تتصارع على مناطق لا تتعدَّى مساحاتها بضعة كيلومترات مربعة. ونحن كثيرًا ما نعاني لأنه لا يُمكِننا دائمًا أن نتحكم في مُجرَيَات أمور حياتنا، وخصوصًا في هذه “الأزمنة الصعبة” التي نعيش فيها والتي تجعلنا نتساءل في حيرة عمَّا سيأتي به المستقبل.
وَرَدَ عنوان هذا المقال في أعمال الرسل10: 36 في عظة الرسول بطرس أمام كرنيليوس وأصدقائه، وذلك تعليقًا على ذكره اسم الرب يسوع.
وكلمة “رب” تتضمَّن على الأقل فكرتين: المِلكية والسيادة؛ فـ“رب البيت” مثلاً هو الأب الذي له السلطة الأولى في الأسرة، و“رب العمل” هو صاحب العمل والمسؤول عنه. وأود أن أذكِّر نفسي وإياكَ، صديقي، بهذه الحقائق المُعزية عن ربنا المعبود وسيدنا الكريم يسوع المسيح:
1. رب الكون
إن الرب يسوع المسيح له حق الملكية والسيادة ليس على الأرض فقط، بل على كل الكون، وذلك لأنه هو خالقه؛ فهو الذي «كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ» (يوحنا1: 3)، وهو الذي «فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى... الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ» (كولوسِّي1: 16).
هل تعلم يا صديقي أن الشمس ومجموعة الكواكب التي تدور حولها، بما فيها الكرة الأرضية، ليست إلا نقطة متناهية في الصغر من محيط واسع مترامي الأطراف لا يمكن لأكبر تليسكوبات الفضاء أن تصل إلى نهايته؟! والعلماء يؤكدون أن هذا الفضاء الذي نعيش فيه يتمدد باستمرار، وكلما نجحوا في بناء تليسكوب أكبر كلما أذهلهم ما يحتويه هذا الكون. إن الرب يسوع هو رب الكون؛ فهو مالكه وهو أيضًا الذي يتحكم فيه، وله مطلق السلطان عليه، والدليل على ذلك هو أنه يدعو حتى النجوم والمَجَرَّات والأجرام السماوية بأسماء: «ارْفَعُوا إِلَى الْعَلاَءِ عُيُونَكُمْ وَانْظُرُوا مَنْ خَلَقَ هَذِهِ! مَنِ الَّذِي يُخْرِجُ بِعَدَدٍ جُنْدَهَا، يَدْعُو كُلَّهَا بِأَسْمَاءٍ؟ لِكَثْرَةِ الْقُوَّةِ وَكَوْنِهِ شَدِيدَ الْقُدْرَةِ لاَ يُفْقَدُ أَحَدٌ» (إشعياء40: 26).
2. رب التاريخ
الرب يسوع ليس له فقط السلطان المُطلق على المكان، بل أيضًا على الزمان؛ أي إن له السيطرة والتحكم على التاريخ وأحداثه. إنه لا يقف من الأحداث موقف المُشاهِد، حاشا! لكنه هو الذي يصنعها ويُشَكِّلها كيفما يشاء. قد نتساءل: “كيف يمكن أن يكون الرب يسوع مُتَحكمًا في الأحداث ونحن نرى الشيطان يعبث بكل شره ومكره في كل شيء، ونرى البشر بكل قسوة وكبرياء وتمرد يفسدون حياتهم وحياة المخلوقات الأخرى بل والأرض نفسها؟!” الإجابة أن للرب طريقة فريدة ورائعة في ممارسة سلطانه على الأحداث. إنه نادرًا ما يتدخل فيها بطريقة مباشرة، لكنه يترك الشيطان يعبث كيفما أراد، ويترك البشر يجمحون في شرهم كيفما شاءوا، ولكن في النهاية ترى أنهم جميعًا لم يفعلوا إلا ما أراد هو أن يكون!
ليس هناك مثال على هذا أروع مما حدث في قصة الصليب. لقد كان الشيطان يبذل كل ما في وسعه لكي يُبطِل مشروع الخلاص العظيم، وجَنَّد في ذلك كل القوى الشيطانية، واستنفر الأشرار لكي يقضوا على ربنا يسوع. وبعد الصليب ظَنَّ أنه نال ما أراد. لكن ماذا حدث؟! لقد قام سيدنا المعبود من القبر وانتصر على الموت وعلى الشيطان وأعوانه! اسمع تقرير الروح القدس: «بِالْحَقِيقَةِ اجْتَمَعَ عَلَى فَتَاكَ الْقُدُّوسِ يَسُوعَ الَّذِي مَسَحْتَهُ هِيرُودُسُ وَبِيلاَطُسُ الْبُنْطِيُّ مَعَ أُمَمٍ وَشُعُوبِ إِسْرَائِيلَ لِيَفْعَلُوا كُلَّ مَا سَبَقَتْ فَعَيَّنَتْ يَدُكَ وَمَشُورَتُكَ أَنْ يَكُونَ» (أعمال4: 27-28).
3. رب الخليقة
إن الرب يسوع له أيضًا السيادة المطلقة على جميع المخلوقات؛ سواء العاقلة كالملائكة، فهم خدامه الذين يفعلون «أَمْرَهُ عِنْدَ سَمَاعِ صَوْتِ كَلاَمِهِ» (مزمور103: 20)، أو غير العاقلة كالطيور (كالسلوى التي غَطَّت محلة بني إسرائيل، والديك الذي صاح بعد إنكار بطرس) والحيوانات (حمار بلعام الذي نطق بصوت إنسان) والأسماك (الحوت الذي ابتلع يونان، والسمكة التي اصطادها بطرس ليجد في فمها إستارًا) والزحافات (الحَيَّات المُحرِقة) والحشرات (الذباب والبعوض؛ من الضربات العشر على أرض مصر)، بل وحتى البحار (بحر سوف الذي شقه الرب بعصا موسى، وبحر طبرية الذي هدأ من اضطرابه بكلمة من الرب يسوع)، والأنهار (نهر الأردن الذي وقفت مياهه كحائط هائل فعبر الشعب فيه بأقدامهم)، والسحب والأمطار (ثلاث سنوات ونصف امتنع المطر بصلاة إيليا)، والأشجار (العليقة التي لم تحترق رغم اشتعال النيران فيها)، إلخ.
أما الإنسان، وهو من المخلوقات العاقلة، فالرب هو الذي يحدِّد متى سيولد وأين سيسكن (أعمال17: 26). وهو الذي يُشَكِّل الجنين في رحم أمه، ويحدِّد ملامحه وصفاته وطباعه (مزمور139: 13-16).
4. ربي أنا؟
وفي النهاية، يا عزيزي، أسأل نفسي وأسألك: إذا كان إلهنا له السلطان المطلق على كل الكون والأمكنة، والأحداث والأزمنة، والشيطان والإنسان وكل شيء، أليس من الحكمة أن أسلم نفسي له ليكون ربي أنا أيضًا؟! هل هو ربك أنت؟!
يا صديقي، ما أسهل أن نرنم: “سُد يا يسوع في حياتي”، ولكن ما أصعب أن نعترف بالرب يسوع سيدًا فعلاً! إن هذا يعني أن يكون للرب وحده الحق المطلق في التحكم في كل تفاصيل الحياة؛ الصغيرة والكبيرة. هل للرب السلطان على أوقاتك وكيف تقضيها، وعلى أموالك وكيف تُنفِقها؟! هل للرب السيطرة على مشاعرك وأفكارك وتوجهات قلبك وتصرفاتك وكلامك؟! هل للرب رأي في أصدقائك وكيف تختارهم، وعلاقاتك وكيف تبنيها؟!
يا عزيزي، ليس حسنًا أن تصلي قائلاً: “يا رب...”، وأن ترنم: “ربي...”، بينما ليس للرب في حياتك المكانة الأولى التي تليق به كخالقك وفاديك الذي اشتراك بدمه: «لِمَاذَا تَدْعُونَنِي: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ، وَأَنْتُمْ لاَ تَفْعَلُونَ مَا أَقُولُهُ؟!» (لوقا6: 46).
قد تقول: إن في تسليمي للرب عجلة القيادة تقييد لحريتي، لكني أقول لك: إن الحرية الحقيقية هي أن تُسَلِّم نفسك لأعظم سيد! لقد جرّبت العبودية للخطية وهي قاسية، وللشيطان وهو أقسى، لكن سيدي العظيم «وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ» وفي الخضوع له الراحة الحقيقية لأن “نيره هَيِّن وحمله خفيف” (متى11: 29-30).