بسبب سرطان العظام، كان ينبغي أن تُبتَر ذراع “آندي” ابن السبع سنوات، تفاديًا لِما هو أخطر. وفي البداية لم يكن مِن السهل عليه أن يتكيَّف مع فقدان يُسراه.
ولما رجع إلى المدرسة، أرادت مُعلِّمته أن يفهم زملاء صفِّه كم صارت أنشطه الحياة اليومية صعبة عليه، لكي يترفقوا به، ويرثوا لضعفه، ويُحاولوا معاونته إذا ما عجز عن القيام ببعض الأمور الطبيعية والسهلة عندهم. ولذلك طلَبت ذات صباح من جميع تلاميذ الصفِّ الآخرين أن يربطوا أذرعهم اليسرى ويُبقوها وراء ظهورهم، مما يعني أن عليهم أن يقوموا بكل شيء بواسطة اليد اليُمنى فقط.
وهكذا أصبحت صعبة أمورٌ يسيرة في العادة، مثل قلب صفحات الكتاب، والكتابة بترتيب وبخط واضح، ومنع الورقة مِن الانزلاق، وكذلك استلزم تبديل الثياب وتزرير القمصان جهدًا زائدًا، كما بات ربط سيور الحذاء مستحيلاً. ومن ثمَّ اكتشف زملاء “آندي” في الصفّ أنَّ الطريقة الوحيدة التي تُتيح لهم حقًا أن يتفهَّموا مشكلته هي بأن يختبروا بأنفسهم الصعوبات التي تواجهه.
ولأن الرب يسوع المسيح، صار إنسانًا، ففي وسعه أن يتفهَّم تمامًا تجاربنا ومِحَننا، ويستطيع أن يعي تجاربنا، ويُدرك ضعفاتنا، ويعلم انكسار قلوبنا، ويُقدّر المشقات التي نكابدها، لأنه اجتاز فيها. إنه يفهم ما نواجهه من أحزان وآلام وصعاب «لأَنْ لَيْسَ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ غَيْرُ قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا، بَلْ مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ» (عبرانيين4: 15). وبما أنه «قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا، يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ» (عبرانيين2: 18).
إنه في هذا مثل طبيبٍ حائز على أعلى الشهادات وأعظمها، لكنه بالإضافة إلى ذلك اختبر ما اختبره مرضاه من ألم، فأضاف بذلك بُعدًا جديدًا إلى ماله مِن شهادات علمية.
إن كاهننا العظيم اختبر كل ما نختبره نحن... وقد تألم بكل ما نتألم به... وقد جُرِّب في كل ما نُجرَّب فيه. لقد اختبر كافة أنواع الآلام الجسدية والنفسية والمعنوية، مثلنا، لكن بلا خطية.
عندما يؤخذ منا أحباؤنا، مَن يفهم حزننا وألمنا مثل الشخص المبارك الذي بكى عند قبر لعازر حبيبه؟ (يوحنا11: 33 35).
وعندما نكون منفردين، هو يكون معنا لأنه جرّب الانفراد والوحدة أكثر مِن غيره. هو الذي قال: «سَهِدْتُ وَصِرْتُ كَعُصْفُورٍ مُنْفَرِدٍ عَلَى السَّطْحِ» (مزمور102: 7).
وعندما يتركنا الأصدقاء، مَن يستطيع أن يحنو علينا مثل الشخص الذي يقول عنه الكتاب: «فَتَرَكَهُ الْجَمِيعُ وَهَرَبُوا» (مرقس14: 50).
وعندما يُساء فهمنا، أو عندما لا يُظهِر أولئك الذين نتحدث إليهم عن صعوباتنا أي اهتمام أو عطف، فهو الذي يعطف علينا ساعة الحزن
الشديد، لأنه جاز في طريق أكثر صعوبة منا، وهو الذي صرخ مرة قائلاً: «انْتَظَرْتُ رِقَّةً فَلَمْ تَكُنْ، وَمُعَزِّينَ فَلَمْ أَجِدْ» (مزمور69: 20).
عزيزي: ما هي تجربتك في الوقت الحاضر؟
هل هي الفقر والعوز ونقص الإمكانيات المادية؟...
هل خيانة صاحب غادر؟...
هل تخلي حبيب أو صديق؟...
هل الخذلان والاحتقار من الأقرباء؟...
هل تطاول الألسنة والأيدي؟...
هل نكران الجميل، وعدم الاعتراف بالفضل والإحسان؟...
هل الظلم وسلب الحق؟...
هل أوجاعًا جسدية، أو آلامًا نفسية؟...
هل هي الوحدة والوحشة والانفراد؟
لقد عبَرَ الرب يسوع في هذه كلها، ودخل فيها بإرادته حتى يعرف بالاختبار العملي هذه الأوجاع. لقد صار إنسانًا – له كل المجد – ليس فقط لكي يموت مِن أجلنا، ولكن لكي يختبر كل ما يُحرِّك قلوبنا مِن آلام، حتى يدخل إلى عُمق مشاعرنا وتكون له شركة تامة معنا. لقد كان في كل يوم من أيام حياته يصطدم بأحزان في الأرض، حتى قال عن نفسه: «لأَنَّ حَيَاتِي قَدْ فَنِيَتْ بِالْحُزْنِ، وَسِنِينِي بِالتَّنَهُّدِ» (مزمور31: 10). وعندما نتألم، دعونا نذكر أنه احتمل ما لا يوصف من آلام، وكم حَمَلَ مِن أحزان في حياته وفي موته!! إنه بحق «رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحُزْنِ» (إشعياء53: 3) – أي خبير بالأحزان – واختباره الطويل مع الأحزان جعله قادرًا أن يرثي للمتألمين، ويُعين المُجرَّبين.
نعم إنه مما يُسرّ القلب أن أعرف أن الرب قد ذهب إلى الصليب من أجل خطاياي. وكم هو أمر مُعزٍّ للقلب أن أعرف أن الرب في نعمته أراد أن يشعر معي بكل الظروف التي يُحتمل أن أجتاز فيها، فاختار بإرادته أن يختبرها كلها بنفسه.
كم ينبغي أن نكون شاكرين لأنَّ لنا مُخلّصًا يرثي لنا ويفهم أوضاعنا ويهتم بنا! فلنثق به في وسط ظلمة الحياة، ومِن المؤكَّد أن ثقتنا لن تكون في غير موضعها.
جُرِّبَ مِنْ قبلٍ، يدري كلَ أحوالي وظرفي
غَلَبَ في كلِّ ظرفٍ فازَ فوق كل وصْفِ
ولذا يدري ويَرثي ولذا لستُ بخوفِ
إن لي ربي يسوعْ