في ليلة مطيرة باردة، في إحدى الولايات الأمريكية، لاحظ رجل البوليس طفلاً فقيرًا يقف أمام “فاترينة” لمحل البيتزا، يتطلع إلى الفطائر الساخنة، وهو يرتجف من البرد القارس، وبمشاعر مسيحية رقيقة عرف هذا الشرطي من الطفل المسكين أنه لم يأكل منذ يومين هو وأخوته الصغار بالمنزل!! بسرعة اشترى الشرطي للطفل فطيرتين، ثم قام بتوصيله لبيته وبسيارته، والطفل يتطلع طوال الطريق في وجه الشرطي. وعند البيت سأل الشرطي هذا الطفل إن كان مسرورًا أم لاً... فأجابه الطفل: أنا سعيد لأني رأيت اليوم الله المحب الذي سمعت عنه!!
أحبائي.. إننا نعيش أيام أخيره صعبة، فيها الجميع يطلبون ما هو لأنفسهم. لكن يوجد مسيحيون حقيقيون يطلبون ما هو للآخرين. إنها فضيلة مسيحية؛ اسمها العطاء!
الأنانية تمنع العطاء
يومًا من الأيام ذهب رجال داود لرجل اسمه نابال، طالبين منه بعض الطعام، وقد عمل الأخير وليمة كبيرة، ورغم أن عبيد نابال شهدوا عن رجال داود قائلين «الرجال محسنون إلينا جدًا» (1صموئيل25: 15) أي أصحاب فضل عليهم وعلى نابال، لكن نابال، رفض وثار على رجال داود، وقال: «أأخذ خبزي ومائي وذبيحي وأعطيه لقوم لا أعلم من أين هم؟». كان نابال أحمق، قاسيًا، رديء الأعمال (1صموئيل25: 3). ولقد حولته خطيته الى كائن أناني يعيش لنفسه، لا يعرف العطاء، وانتهت حياته الشهوانية والأنانية بأن الرب ضربه فمات.
أعظم مثال في العطاء
«متذكرين كلمات الرب يسوع أنه قال: مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ» (أعمال20: 35). لم يكن هذا مجرد شعار رفعه الرب يسوع، لكنه أسلوب حياة عاشها له كل المجد. فهو بحق نبع للعطاء الدائم، فلقد أعطى نفسه «الذي بذل نفسه فدية الجميع» (1تيموثاوس2: 6)، ويعطي خرافه حياة أبدية «أنا أعطيها حياة أبدية» (يوحنا10: 28). ويعطي ارتواء للقلب مجانًا «أنا أعطي العطشان من ينبوع ماء الحياة مجانًا» (رؤيا21: 6)، بل ويعطي سلامه لكل من يؤمن به «سلامًا أترك لكم سلامي أعطيكم» (يوحنا14: 27). والعجيب أن عطاءه دائمًا لمن لا يستحق!
سيدي علمنى حياتك والتي مغبوط عندها العطاء أكثر من الأخذ.
الإيمان المسيحي يُعلم العطاء
بينما تحوّل الخطية صاحبها إلى سجن الأنانية، يصاحب الإيمان المسيحي فيض إلهي بالعطاء السخي، فها هو زكا بقبوله للمسيح مخلصًا وفاديًا، يبرهن على إيمانه بالعطاء، فيقول «ها أنا يا رب أعطي نصف أموالي للمساكين وإن كنت قد وشيت بأحد أرد أربعة أضعاف» فصادق الرب على التغيير الحقيقي لزكا قائلاً «اليوم حصل خلاص لهذا البيت» (لوقا19: 8، 9).
نعم الإيمان بالمسيح يحوِّل اللص إلى معطاء للآخرين «لا يسرق السارق في ما بعد بل بالحري يتعب عاملاً الصالح بيديه ليكون له أن يعطي من له احتياج» (أفسس4: 28).
والأجمل أن المؤمن يتعلم أن يعطى ليس رغبةً منه في المزيد من ثواب الله (!!)، بل هو شعور عميق بالجميل والعرفان للرب، عملاً بالمبدإ الكتابي المسيحي «نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولاً» (1يوحنا4: 19).
أنواع العطاء
لا يمكن هنا سرد كل أنواع العطاء... لكن نذكر بعضًا:
1. تقديم الكيان للرب «بل أعطوا انفسهم أولاً للرب» (2كورنثوس8: 5).
2. تقديم أنفسنا لخدمة الآخرين بسرور، وهذا ما قاله الرسول بولس للمؤمنين «كنا نرضى أن نعطيكم لا إنجيل الله فقط بل أنفسنا أيضًا لأنكم صرتم محبوبين إلينا» (1تسالونيكي2: 8).
3. المال لعمل الرب «ثم جاء كل من أنهضه قلبه وكل من سَمَّحَتْهُ روحه. جاءوا بتقدمة الرب لعمل خيمة الاجتماع وكل خدمتها» (خروج35: 21).
4. المشاركة في احتياجات الآخرين «ولكن لا تنسوا فعل الخير والتوزيع لأنه بذبائح مثل هذه يُسر الله» (عبرانيين13: 16). لقد قدَّم الغلام الصغير كل طعامه الخاص به للرب، الخمسة أرغفه والسمكتين، فكانت هذه سبب شبع للآلاف. والرب لا يهمه كم نعطي لكن يهمه القلب المعطى. ولقد امتدح ربنا الأرملة مع أنها قدَّمت فلسين فقط، لأنها أعطت من أعوازها (لوقا21: 4). نعم أحبائي «المعطي المسرور يحبه الرب» (2كورنثوس9: 7).
مكافآت العطاء
رغم أن المسيحي التقي لا يعطي بهدف المكافأه، لكن الله الأمين والعظيم لا ينسى تعب وسخاء أتقياؤه «لأن الله ليس بظالم حتى ينسى عملكم وتعب المحبة التي اظهرتموها نحو اسمه إذ قد خدمتم القديسين وتخدمونهم» (عبرانيين6: 10).
يوجد مكافآت إلهية للعطاء هنا في الزمان الحاضر، وفي الأبدية أيضًا.
في هذا الزمان يجد المعطي تعويضات من يد الرب السخية «اعطوا تعطوا. كيلاً جيدًا ملبدًا مهزوزًا فائضًا يعطون في أحضانكم» (لوقا6: 38).
وأمام كرسي المسيح ستكون المكافأة الأعظم، قال بولس عن أنسيفورس الذي قدم له الكثير وقت سجنه «لأنه مرارًا كثيرة أراحني ولم يخجل بسلسلتي... ليعطه الرب أن يجد رحمة من الرب في ذلك اليوم» (2تيموثاوس1: 16) بمعنى مكافأةً لأنسيفورس يوم وقوفه أمام كرسي المسيح.
نصائح عن العطاء
تحرِّضنا كلمة الله على العطاء لمجد الرب وإليك بعض النصائح:
1. بسرور: «ليس عن حزن أو اضطرار. لأن المعطي المسرور يحبه الله» (2كورنثوس9: 7).
2. بسخاء: «هذا وأن من يزرع بالشح فبالشح أيضًا يحصد. ومن يزرع بالبركات فبالبركات أيضًا يحصد» (2كورنثوس9: 6).
3. في الخفاء: «وأما أنت فمتى صنعت صدقة فلا تعرف شمالك ما تفعل يمينك. فأبوك الذي يرى في الخفاء هو يجازيك علانية» (متى6: 3، 4).
4. للجميع: «فلنعمل الخير للجميع، ولاسيما لأهل الإيمان» (غلاطية6: 10).
أحبائي... لا ننسى أننا قد أخذنا الكثير والكثير جدًا من الرب، روحيًا وماديًا وأبديًا؛ وحينما نعطي للرب فإننا نعطيه مما له «لأن منك الجميع ومن يدك أعطيناك» (1أخبار29: 14).
لنتعلم أن نكرم الرب لا أن نسلب حقه في العطاء.