وُلد عازف الكمان الإيطالي الأشهر، نيكولو باجانيني Niccolò Paganini، في جينوا بإيطاليا، في يوم 27 أكتوبر1782م، ورحل عن دنيانا من نيس بفرنسا، يوم 27 مايو1840م. ويُعتبر باجانيني واحد من أشهر من عزفوا على آلة الكمان على مَرِّ التاريخ.
بينما كان باجانيني في لندن بالمملكة المتحدة، مَرَّ على أحد الجسور السياحية المزدحمة، وهناك رأى متسولاً فقيرًا يقف وحيدًا يستعطي، تظهر عليه علامات الحزن والأسى، وهو يمسك بكمانٍ قديم ليعزف بعض الألحان الكئيبة التي تعبِّر عن فقره وشقائه، راجيًا أن يسمعه المارة فيعطفوا عليه ويضعوا بضعة قروش في قبّعته التي وضعها أمامه على الطريق.
لاحظ باجانيني أن لا أحد يساعد المتسول؛ فاقترب إليه، وعندها توقَّع الرجل المسكين أن يضع باجانيني بعض القروش في القبعة، وكان هذا أعظم ما يتمنّاه المتسول! ولكن حدث ما لم يكن يتوقعه الرجل المسكين، إذ طلب منه باجانيني الكمان، فأعطاه الرجل له على مضض وهو مرتاب. وبمجرد ما ابتدا باجانيني يعزف عليه أعذب الألحان حتى استمعت، بل واستمتعت، الجموع التي كانت بالمكان، بعذوبة الألحان، وتجمهروا سريعًا على الجسر، وكان كل منهم يهمس في أذن من بجواره: “باجانيني نفسه يعزف!!” حتى أن رجال البوليس الذين أتوا ليفرِّقوا الجموع أذهلهم جمال وروعة وعذوبة اللحن، فوقفوا مع الجموع يتمتعون بموسيقى باجانيني على كمان الرجل الفقير.
ما أن انتهى باجانيني من العزف حتى دوى التصفيق وعلا بين جنبات الجسر الكبير. وليس هذا فقط، بل أخرج كل من بالمكان لا القروش بل الجنيهات الكثيرة التي ملأوا بها قبعة الرجل الفقير والأرض حولها. وما كان على الرجل إلا أن يجمع هذه الأموال الكثيرة، التي بعدها لم يحتَج أن يتسول. لقد كانت لمسات باجانيني وعزفه على كمانه القديم في هذا اليوم كافية لتغيّر كل حياته، ليعود إنسانًا نافعًا لبيته وللمجتمع.
صديقي القاريء العزيز.. صديقتي القارئة العزيزة.. أعترف لك أني يومًا من الأيام كنت نظير هذا الرجل المسكين، أقف على جسر الحياة أتسول السعادة، وحتى المعنى للحياة. إلى أن أتى إلي لا باجانيني، بل الرب الأعظم، الذي أغنى حياتي ومتَّعني بالسعادة الحقيقية، حين سمعت قرعاته، وفتحت له بعد أن سمعته قائلاً لي: «هَئَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي» (رؤيا3: 20).
أن ما فعله باجانيني يذكرني بما فعله رسول المسيح، بطرس، عندما «كَانَ رَجُلٌ أَعْرَجُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ يُحْمَلُ كَانُوا يَضَعُونَهُ كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ بَابِ الْهَيْكَلِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ “الْجَمِيلُ” لِيَسْأَلَ صَدَقَةً مِنَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْهَيْكَلَ. فَهَذَا لَمَّا رَأَى بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا مُزْمِعَيْنِ أَنْ يَدْخُلاَ الْهَيْكَلَ، سَأَلَ لِيَأْخُذَ صَدَقَةً. فَتَفَرَّسَ فِيهِ بُطْرُسُ مَعَ يُوحَنَّا وَقَالَ: “انْظُرْ إِلَيْنَا!” فَلاَحَظَهُمَا مُنْتَظِرًا أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمَا شَيْئًا. فَقَالَ بُطْرُسُ: “لَيْسَ لِي فِضَّةٌ وَلاَ ذَهَبٌ، وَلَكِنِ الَّذِي لِي فَإِيَّاهُ أُعْطِيكَ: بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ قُمْ وَامْشِ”. وَأَمْسَكَهُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، وَأَقَامَهُ، فَفِي الْحَالِ تَشَدَّدَتْ رِجْلاَهُ وَكَعْبَاهُ؛ فَوَثَبَ وَوَقَفَ وَصَارَ يَمْشِي، وَدَخَلَ مَعَهُمَا إِلَى الْهَيْكَلِ وَهُوَ يَمْشِي وَيَطْفُرُ وَيُسَبِّحُ اللهَ» (أعمال3: 2-6).
كان الرب يسوع لا يشفي فقط المحتاجين للشفاء، ولكنه يمتعهم بلمساته الحنونة التي تفوق بما لا يقاس لمسات باجانيني على أوتار كمان الرجل الفقير. وهذه بعض لمسات الرب يسوع حسب ورودها في الإنجيل:
1-حماة بطرس المحمومة: والحمى صورة لما تعمله الخطية من عدم اتزان وهذيان. «وَلَمَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى بَيْتِ بُطْرُسَ رَأَى حَمَاتَهُ مَطْرُوحَةً وَمَحْمُومَةً فَلَمَسَ يَدَهَا فَتَرَكَتْهَا الْحُمَّى فَقَامَتْ وَخَدَمَتْهُمْ» (متى8: 15).
2-أعميان في كفر ناحوم: فالخطية تؤدي إلى العمى والعلاج بالإيمان. «حِينَئِذٍ لَمَسَ أَعْيُنَهُمَا قَائِلاً: بِحَسَبِ إِيمَانِكُمَا لِيَكُنْ لَكُمَا. فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا» (متى9: 29).
3-أعميان في أريحا: فاللمس هو التعبير عن حنان الرب. «فَتَحَنَّنَ يَسُوعُ وَلَمَسَ أَعْيُنَهُمَا فَلِلْوَقْتِ أَبْصَرَتْ أَعْيُنُهُمَا فَتَبِعَاهُ» (متى20: 34).
4-التلاميذ في التجلي: فلمساته تزيل خوفنا. «وَلَمَّا سَمِعَ التَّلاَمِيذُ سَقَطُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ وَخَافُوا جِدًّا. فَجَاءَ يَسُوعُ وَلَمَسَهُمْ وَقَالَ: قُومُوا وَلاَ تَخَافُوا. فَرَفَعُوا أَعْيُنَهُمْ وَلَمْ يَرَوْا أَحَدًا إِلاَّ يَسُوعَ وَحْدَهُ» (متى17: 7).
5-الأبرص: والبرص صورة للخطية. «فَتَحَنَّنَ يَسُوعُ وَمَدَّ يَدَهُ وَلَمَسَهُ وَقَالَ لَهُ: أُرِيدُ فَاطْهُرْ» (مرقس1: 41).
6-الأصم الأعقد: بلمسات الرب نسمع ونتكلم مع الله. «وَجَاءُوا إِلَيْهِ بِأَصَمَّ أَعْقَدَ وَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ. فَأَخَذَهُ مِنْ بَيْنِ الْجَمْعِ عَلَى نَاحِيَةٍ وَوَضَعَ أَصَابِعَهُ فِي أُذُنَيْهِ وَتَفَلَ وَلَمَسَ لِسَانَهُ وَرَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ وَأَنَّ وَقَالَ لَهُ: إِفَّثَا. أَيِ انْفَتِحْ. وَلِلْوَقْتِ انْفَتَحَتْ أُذْنَاهُ وَانْحَلَّ رِبَاطُ لِسَانِهِ وَتَكَلَّمَ مُسْتَقِيمًا» (مرقس7: 33).
7-أعمى بيت صيدا: اللمسة الثانية، للإستنارة. «وَجَاءَ إِلَى بَيْتِ صَيْدَا فَقَدَّمُوا إِلَيْهِ أَعْمَى وَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَلْمِسَهُ، فَأَخَذَ بِيَدِ الأَعْمَى وَأَخْرَجَهُ إِلَى خَارِجِ الْقَرْيَةِ وَتَفَلَ فِي عَيْنَيْهِ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ هَلْ أَبْصَرَ شَيْئًا؟ فَتَطَلَّعَ وَقَالَ: أُبْصِرُ النَّاسَ كَأَشْجَارٍ يَمْشُونَ. ثُمَّ وَضَعَ يَدَيْهِ أَيْضًا عَلَى عَيْنَيْهِ وَجَعَلَهُ يَتَطَلَّعُ. فَعَادَ صَحِيحًا وَأَبْصَرَ كُلَّ إِنْسَانٍ جَلِيًّا» (مرقس8: 22-26).
8-الأطفال: ما أرقَّه! «وَقَدَّمُوا إِلَيْهِ أَوْلاَدًا لِكَيْ يَلْمِسَهُمْ... فَاحْتَضَنَهُمْ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ وَبَارَكَهُمْ» (مرقس10: 13-16).
9-ابن أرملة ناين: بلمسته نتمتع بالحياة الأبدية. «فَلَمَّا رَآهَا الرَّبُّ تَحَنَّنَ عَلَيْهَا وَقَالَ لَهَا: لاَ تَبْكِي. ثُمَّ تَقَدَّمَ وَلَمَسَ النَّعْشَ فَوَقَفَ الْحَامِلُونَ. فَقَالَ: أَيُّهَا الشَّابُّ لَكَ أَقُولُ قُمْ. فَجَلَسَ الْمَيْتُ وابْتَدَأَ يَتَكَلَّمُ؛ فَدَفَعَهُ إِلَى أُمِّهِ» (لوقا7: 14-15).
10-أذن ملخس: لمسات شفائه حتى للأعداء. «وَضَرَبَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَبْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ فَقَطَعَ أُذْنَهُ الْيُمْنَى. فَقَالَ يَسُوعُ: دَعُوا إِلَى هَذَا! وَلَمَسَ أُذْنَهُ وَأَبْرَأَهَا» (لوقا22: 15؛ يوحنا18: 10).
هل تصلي معي؟
صلاة:
يا رب، إني متسول فقير،
أبحث عن الحب والتقدير،
وأنت الرب القدير،
فاغمرني بلمسات قلبك الكبير.
آمين.