مازلت أعرف من هي..


من سلسلة: قصة

كانت الساعة الثامنة والنصف صباحًا.  دخل رجل طاعن في السن يبلغ من العمر حوالي ثمانين عامًا يحتاج لفك غُرَز عملية سابقة كانت قد أُجرِيَت لإبهامه.

 بمجرد وصوله أبلغنا أنه في عَجَلة من أمره لأنه مُلتَزِم بموعد هام في الساعة التاسعة تمامًا.  توجَّهتُ للرجل وطلبتُ منه أن يجلس على أقرب كرسي وينتظر؛ لأن فترة انتظاره ربما ستستغرق ساعة حتى يستطيع أحدنا القيام بالمهمة التي جاء الرجل من أجلها.

 انتهيتُ من معالجة مريض آخر ثم التفتُّ نحو الرجل المتقدم في السن فوجدته ينظر إلى ساعته مرارًا وتكرارًا.  قرّرتُ لحظتها أن أتوجَّه فورًا للكشف على جرحه.  وبينما كنت أقوم بالكشف على إبهامه وإجراء ما يلزم لفك الغُرَز وتغيير الضمادات، دار بيني وبينه الحديث التالي:

 قلت له: “يبدو عليك أنك في عجلة من أمرك!  هل لديك موعد مع طبيب آخر؟”

 قال الرجل: “كلا.  ولكن عليَّ اللحاق بموعد الإفطار مع زوجتي التي تعيش في إحدى دور الرعاية.”

 قلت: “آه!  وهل زوجتك بصحة جيدة؟”

 قال: “في الواقع زوجتي تعيش هناك منذ زمن وهي تعاني من مرض «ألزهايمر».”

 قاربتُ على الانتهاء من وضع الضمادات الجديدة وأكملت حديثي معه وقلت له: “هل تظن أنها ستقلق عليك لو تأخرتَ عن موعدك قليلاً؟”

 رد الرجل: “هي لم تعد تعرف مَنْ أنا منذ حوالي خمس سنوات!”

 أذهلني ردَّه فبادرتُه بقولي: “وما زلت تواظب على الذهاب إليها كل صباح بالرغم من عدم قدرتها على التعرف عليك؟!”

 ابتسم، ثم رَبَت على يدي وقال: “هي لا تعرف مَنْ أنا ولكني ما زلت أعرف مَنْ هي!”

 من النادر أن نجد مثل هذه المحبة في زمننا هذا، لكن هذا الرجل ظلَّ وفيًّا لزوجته حتى عندما لم تعُد تتذكره.  ألا تجعلنا هذه القصة نُفكِّر فيما قاله الوحي عن أعظم مُحِب؛ الرب يسوع المسيح، أنه قد أحب خاصَّته «إلى المنتهى» (يوحنا13: 1)؟!

 من الإنترنت