مكافأة اتّباع الرب

انتهينا في المقالات السابقة في هذه السلسلة إلى كلفة اتّباع الرب، ورأينا أنها إنكار النفس وحمل الصليب.  فمن يتبع الرب يتبعه بقلبٍ مكرَّس، ويعيش لا لنفسه بل ينكرها، ولا يلبي رغباتها.  وأيضًا - وبكل فخر - يحمل الصليب، مُعلِنًا أنه مات عن العالم والجسد والخطية، ويعيش الآن لا لنفسه بل لمن مات لأجله وقام.  نقول إن شخص كهذا لا بد وأن يكافئه الرب.  وهذا ما سنشير إليه في هذا المقال.

مكافأة اتّباع الرب

لن أشير هنا إلى المدح والنعمة والأكاليل التي سينالها المؤمن أمام كرسي المسيح كمكافأة لخدمته وأمانته، وما أعظمها،  بل سأكتفي بذكر المكافآت المرتبطة باتباع الرب.

أولاً: مكافآت هنا وهناك

«فأجاب بطرس حينئذ: ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك.  فماذا يكون لنا؟  فقال لهم يسوع: الحق أقول لكم: ...  كل من ترك بيوتًا أو إخوة أو اخوات أو أبًا أو أمًا أو امرأة أو أولادًا أو حقولاً من أجل اسمي يأخذ مئة ضعف ويرث الحياة الأبدية» (متى19: 27-29).

سؤال ما كان يجب على بطرس أن يسأله؛ فمن يتبع الرب ويخدمه لا يجب أن يضخِّم من النفقات التي تحمَّلها بسبب الخدمة ولأجل المسيح، ولا يساوم، ولا ينتظر مقابلاً لشيء قدمه أو شيء تركه.  وكأننا جعلنا الرب مَدينًا لنا.

إننا سنأخذ ما لا يستطيع أي شيء أو شخص تركناه أن يعطيه لنا، ما لا تستطيع الأم أو المرأة أو الأولاد أن يعطوه، وما لا يستطيع العالم بحقوله أن يعطيه؛ سنأخذ أضعاف من كل هذا، وأحيانًا من نفس نوع الأشياء التي تركناها، هذا لمن أحب وتبع وخدم المسيح أكثر من محبة البيت الذي يسكنه والحقل الذي يكسب منه والأم والأولاد والزوجة المحبوبين، سيجد مئة بيت مسيحي يستقبله، ومئة أم واخوة يحبونه ويستقبلونه. 

وهذه المكافأة هي حسب كرم الملك.

ثانيًا: نور للحياة والخلود

 «ثم كلَّمهم يسوع أيضًا قائلاً: أنا هو نور العالم.  من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة» (يوحنا8: 12).  الرب هو النور الحقيقي الذي يسطع على كل شيء في العالم فيظهره على حقيقته.  ومن يتبع الرب يرى ويعرف كل شيء على حقيقته، وله من الرب هذا الوعد:

سلبيًا: لا يمشي في الظلمة: حيث لا شيء ظاهر من الحاضر والمستقبل، ومن يمشي فيها لا يري حتي نفسه، بل هناك الشك والحزن واليأس، والعثرة في كل خطوة، والتخبط في ظلمات الجهل والخطية، فلا يعرف المعنى الحقيقي لوجوده على الأرض ولا مكان وجوده في الأبدية.  لكن تابع المسيح خارج هذا الجو.

وإيجابيًا: يكون له نور الحياة: نور يُنشئ حياة، نور ينبع من الحياة، والمسيح الذي نتبعه هو النور والحياة، ومن خلال الكتاب المقدس أنار لنا الحياة والخلود.  فتابع المسيح الدنيا منيرة قدامه، ويعرف ما الذي يدور في حياته، وما الذي ينتظره في أبديته. 

وهذه المكافأة هي حسب ضياء المسيح نور العالم.

ثالثًا: سماع ومعرفة وتمييز صوت الرب


«ومتى أخرج خرافه الخاصة يذهب أمامها، والخراف تتبعه لأنها تعرف صوته...  خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها فتتبعني.  وأنا أعطيها حياة أبدية» (يوحنا10: 4، 27، 28).  إنه الراعي الصالح الفريد في كل شيء، له صوت مميَّز يختلف عن كل الأصوات. ولكن من يميزه، في جو مشوَّش بأصوات كثيرة؟  كثيرًا ما نسمع هذا التساؤل: كيف أعرف صوت الرب؟  وكيف أميّزه من الأصوات الأخرى؟  إن من يتبع المسيح بطاعة وولاء هو الشخص الذي يسمع ويعرف صوته.  يسمع لأنه قريب منه «تتبعوا خطواته».  وأيضًا يسمع ويعرف، فالراعي يعرف خرافه، والخراف تعرف راعيها.  وعندئذ تستطيع تمييز صوته من صوت الغريب.  أما من يتبعه من بعيد فيصله الصوت غير واضح بسبب أجهزة تشويش العدو، ومن لا يتبعه فهو كمن له آذان ولا يسمع.

نأتي للمكافأة الأبدية: أعطيها حياة أبدية إنها من نوعية حياة الرب يسوع، عطية وميراث لكل المؤمنين وعطية مجانية غير مشروطة ولا تتوقف على شيء في الإنسان، لكن العطية هنا لتابع الرب هي قدرة مضاعفة للتمتع بها وبالرب هنا على الأرض وفي البيت الأبدي السماوي. 

وهذه المكافئة هي بحسب عطايا الراعي.

رابعًا: الوجود مع الابن الممجَّد!

«إن كان أحد يخدمني فليتبعني وحيث أكون أنا هناك أيضًا يكون خادمي.  وإن كان أحد يخدمني يكرمه الآب» (يوحنا12: 26).

هنا نري: واجب ووعد، أو شرط الخدمة وشرف الخدمة.  فالواجب والشرط لكل من يريد أن يخدم خدمة حقيقية، أن يتبع الرب، ويتأمله أين كان وكيف كان، وماذا فعل وقال حيثما كان!  ويكون الخادم في ذات المكان.  أما عن وعد وشرف الخدمة ومكافأتها لمن يتبع الرب، سيكون حيث المسيح الآن.  فبعد أن كان فيما لأبيه، وأطاع وخدم كما تكون الخدمة، رفَّعه الله وأعطاه اسمًا فوق كل اسم، وجلس في يمين العظمة.  وفي ذات المكان سيكون تابعي المسيح، وهذا أعظم إكرام من الآب لمن تبع المسيح في زمن رفضه الآن. 

وهذه المكافأة هي بحسب عطايا الابن الممجد.

صديقي: وصلنا لنهاية هذه السلسلة؛ فهل لبيت نداء الرب لك «اتبعني أنت»؟!

إنه شخص عظيم يستحق أن نتبعه، ليس من بعيد بل نتبعه تمامًا، وبكل سرور نتقبَّل كُلفة اتّباعنا له، مختبرين هنا على الأرض غبطة وسعادة سيرنا خلفه، ومتمتعين معه وبه قريبًا في المجد.  هو وحده يستحق أن نقول له “أتبعك يا سيد”.