كانت هناك دعوة للنزول إلى الميادين الكُبرَى في معظم محافظات مصر يوم 30 يونيو 2013. وأدهش التجاوب مع هذه الدعوة الجميع في داخل البلاد وخارجها، وشهدت البلاد حشودًا بشكل غير مسبوق من المتظاهرين الذين فاض بهم الكيل، فخرجوا ليعبِّروا عما بداخلهم. لكني لا أقصد أن أتطرق لتفاصيل هذه المشاهد في حد ذاتها أو أعلل أسبابها أو جدواها، أو تداعياتها وملابساتها، لكني أقصد أن أراها من جانب آخر.
فشكرًا للرب أنه تزامن مع هذه الدعوات للنزول إلى الميادين (بغض النظر عن الموقف السياسي أو المطلب الرئيسي) دعوة للنزول إلى ميدان آخر لا يوجد على الخريطة الجغرافية، لكنه أكثر الميادين تأثيرًا على الإطلاق. المؤمنون الأتقياء في هذا البلد استشعروا خطورة الموقف وعلموا أن الأزمة معقَّدة وتداعياتها خطيرة جدًّا فارتفع صوت النداء للنزول إلى أكثر الميادين فعالية وتأثيرًا وهو ميدان الصلاة والتضرعات. وتتلخص روعة وعظمة هذا النداء المجيد في النواحي التالية:
1- انزل إلى الميدان وارفع صوتك
كنائس محلية كثيرة دَعَت إلى النزول إلى ميدان التضرعات (عقد اجتماعات يومية للصلاة) قبل 30 يونيو وبعده. ربما تقول إن هذا لن يُجدي بدون أن ينزل الناس للشارع، لكن الحقيقة التي تغيب عن الكثيرين أن ميدان التضرعات هو الذي يحرك الأحداث برُمَّتها. ألا تعلم أن ميدان التضرعات يتصل مباشرة بغرفة العمليات السماوية؟ المطالب التي تُقدَّم فيه تُعرض في التوِّ والحال على ملك الدهور الذي لا يراه العالم لكنه سيد الخليقة، ما يقرِّره في السماء يُحسم على الأرض بإتقان مدهش وبسلطان فائق؟! إنها دعوة للنزول والصراخ إلى الرب الذي يسمع الصلاة ويتدخل بسلطانه في كل صغيرة وكبيرة. إن موقف رجال الله الذين وقفوا في الثغر أمامه من أجل شعوبهم غَيَّر تاريخ شعوبهم في أيامهم. الله يُقَدِّر هذا الموقف الذي يُظهِر الإيمان الحقيقي بسلطان الله وقدرته. ما أروع حشود المؤمنين الضارعين أمام الرب! يا له منظرًا مهيبًا وعظيمًا وهم يرفعون أصواتهم ويصرخون كما صرخ حبقوق عندما رأى الظلم والاغتصاب والفوضى والعنف! كم من الصلوات التي رُفِعَت للرب كي يضع حدًّا للعنف والفوضى في بلادنا! كم من تضرعات رُفِعَت كي يعطي الرب حكمة لأُلي الأمر في البلاد!
غير أن تلك الصلوات الحارة النابعة من قلوب عامرة بالمحبة الحقيقية ألهبت قلوب المؤمنين من جديد بالغيرة المقدسة لخلاص النفوس الثمينة والشعور بالخسارة الفادحة إن ماتت نفس ضالة في خطاياها. لفتت انتباهي إحدى اللافتات التي كانت تروِّج للحدث كُتب عليها “30 يونيو يوم الخلاص”. قلت في قلبي: ليته يكون كذلك بالحق؛ يوم خلاص ووقت مقبول لكل من تفتقده نعمة الله من جراء هذه الظروف!
عزيزي الشاب، إن كنت تحب هذ الشعب بالحق، هيا انزل إلى الميدان؛ “ميدان التضرعات” واسكب قلبك أمام الله كي يحرِّر الرب نفوسًا من عبودية الخطية والشيطان، وأن يفتح الرب عيونهم ليعرفوا أن الرب يسوع المسيح هو المُخَلِّص الوحيد!
2- انزل إلى الميدان واتَّحد بإخوتك
يا له من منظر جليل وجميل! منظر يراه الرب ويُسَر به، بل تتطلع أيضًا ملائكته من السماء ليروا شعب الرب على الأرض مُتَّحِدين معًا في طلب وجهه المبارك بكل لجاجة وثقة. ما أجمل الالتفاف حول الرب بنفس واحدة (أي بالمشاعر ذاتها) وبفكر واحد (بالهدف الواحد)! أشجعك أن تحتشد مع إخوتك الذين قرَّروا أن يخدموا جيلهم بحسب مشورة الله. اتَّحد مع إخوتك الذين بالحقيقة يحملون الخير لكل البشر، وعقدوا النية بإخلاص أمام الرب أن يشهدوا بشجاعة للحق بكل الحب لكل إنسان. اتَّحد مع إخوتك الذين أدركوا حقيقة ضعفهم في ذواتهم ورهبة أعدائهم، لكنهم يرتكزون على ذراع الله القوية ويستمدون العون من الإله المقتدر. اتَّحد مع إخوتك كما فعل دانيال مع الفتية فاستجاب الرب وأنقذ بلادهم من مذبحة رهيبة، بل أكرمهم الرب وأعطاهم نعمة ومكانة فريدة، بل هيَّأ لهم فرصة عظيمة للشهادة عنه أمام أعظم ملوك في أزمنة الأمم.
صحيح أن اجتماعات كثيرة في طول البلاد وعرضها امتلأت بالمجاهدين في الصلوات من الإخوة والأخوات. لكن يُلاحَظ في بعضها للأسف أنها خَلَت من الشباب والشابات، ولم يبقَ في هذا الميدان الحيوي سوى كبار السن منهم.
عزيزي الشاب، أُهنِّئك إن كنت من الشباب الذين قرروا أن يتَّحدوا بإخوتهم. إن كنت تريد أن تتعلم كيف تصلي، اعتشر بأولئك الأبطال الذين تدربوا على طلب وجه الرب، ولديهم حصيلة كبيرة من مواعيد الله المشجعة ولهم رُكَب مُدَرَّبة على السجود. اسكب قلبك معهم، لتمتزج أنَّات قلبك مع صراخهم وتحتزم تضرعاتك مع تضرعاتهم وتتصاعد معًا أمام إلهنا الحي الذي يسمع ويصنع، الإله الأمين الذي يُجازي الذين يطلبونه.
3- انزل إلى الميدان وارفع رايتك
الأمر الذي كان واضحًا جدًّا هو الأعلام الكثيرة جدًّا في كل مكان. في بعض المشاهد التي التقطتها الكاميرات من أعلى، لم أكن أُمَيِّز جيدًا وجوه المحتشدين لكني كنت أرى الأعلام ترفرف فوق الرؤوس. العَلَم أو الراية يشهد عن هوية أو هدف حامله.
أستطيع أن أقول أيضًا إن ميدان التضرعات كان مليئًا بالأعلام المرفرفة. هذه الأعلام تُعَبِّر عن هُوِيَّة أصحابها وتكشف عن انتمائهم المجيد للسماء. أولئك المحتشدون في ميدان التضرعات رفعوا علمًا واحدًا اسمه “مجد الله”؛ مجد الله من خلال تحقيق مقاصده الصالحة. مجد الله في خلاص النفوس المسكينة الحائرة. مجد الله في فيض الرحمة والإحسان للنفوس المجروجة والمحطمة البائسة. مجد الله في بسط سلطان الرب على المشهد بكل تفاصيله وملابساته.
عزيزي، هيَّا ارفع صوتك واتَّحد مع إخوتك وارفع رايتك واتبع الذين يحبّون الرب ويعبدونه بقلب نقي، واعتبارات مجد الله ومقاصده الصالحة ترفرف على رؤوس الضارعين كالأعلام والرايات.
4- انزل إلى الميدان ولا تترك موقعك
كانت هناك دعوة من كل جانب ألا يترك أحد موقعه في الميادين لئلا يأتي الخصوم ويأخذون مكانهم. أناشدك أيضًا ألا تترك موقعك لأن الخصم الرديء؛ الذي هو إبليس وأعوانه، يستهدفون إخلائك لميدان التضرعات كي يشغل طاقتك وفكرك ومشاعرك بأي أمر آخر يستنزف به قُوَّتك ويسلب فرحك وسلامك ويُطفئ شهادتك. فتوخَّ الحذر ولا تترك موقعك!
شيء رائع أن نحتشد أمام الرب ونتَّحد في التضرعات وطلب وجه الرب في هذه الأيام الصعبة ووسط هذه المخاوف والقلاقل والتهديدات، لكن الأعظم أن نستمر في مواقعنا ولا نُخلي هذا الميدان المبارك: «علَى أَسْوَارِكِ يَا أُورُشَلِيمُ أَقَمْتُ حُرَّاسًا لاَ يَسْكُتُونَ كُلَّ النَّهَارِ وَكُلَّ اللَّيْلِ عَلَى الدَّوَامِ. يَا ذَاكِرِي الرَّبِّ لاَ تَسْكُتُوا، وَلاَ تَدَعُوهُ يَسْكُتُ...» (إشعياء62: 6 9).
يا رب، احفظنا مواظبين على الصلاة ضارعين كل حين، نطلب من أجل مجد اسمك وبركة قطيعك وخلاص من حولنا!