جاءني متبرِّمًا يقول: “لقد سئمت الوضع.. الأحداث تتوالى وليس بينها ما يسر القلب.. كل صباح أستيقظ على أخبار أسوأ من أخبار الأمس، وقبل المساء تزداد الأحداث سوءًا.. قتل.. دماء.. اضطرابات.. انفجارات.. ولا أحد يدري حتى متى يستمر الوضع، ولا إلى أين سينتهي بنا المطاف. ما أكاد استوعب أمرًا حتى يلاحقني الآخر. لقد أصبح القلق هو سمة حياتي!”
وصل إلى مسامعنا ساعتها كلمات الترنيمة العامية المُعَبِّرة عن الوضع:
وسط ظروف البـلد الدايــــرة كل الناس قلقانة وحايرة
رايحة لِفين؟ أهي ماشية وسايرة وأنا مِتصَان فيها ومِتطمِّن
ابتسمت لصديقي ونحن نسمعها، وبدأت ملامحه تهدأ مع قرار الترنيمة:
أنا مِتصَان فيها ومِتطَمِّـــن أصل إلهي عليها مهيمن
يحصل مهما هايحصل فيها أنا ِمتشال في عينيه ومِتأَمِّن
نعم، لنا أن نطمئن؛ لا لشيء فينا أو عندنا، ولا لأن هناك أملاً أو شخصًا في المشهد، لكن لأن إلهنا الذي نعبده هو المسيطر على كل مُجرَيَات الأمور، ولا شيء يتم دون أمره، وهذا القدير صاحب السلطان هو المسؤول عن حمايتنا.
تذكَّرت كثيرًا من المواقف مَرَّت على رجال الله في الكتاب المقدس، أشاركك هنا باثنين منها، كما تذكَّرت أيضًا كثيرًا مما مررت به شخصيًّا، وهذا سأحتفظ به لنفسي، فبكل تأكيد - عزيزي القارئ - عندك ما يكفيك من الاختبارات الشخصية عن حفظ الرب وأمانته.
رفيق وسط الأتون (اقرأ دانيآل3)
تعرَّض الرجال الثلاثة؛ ميشائيل وحنانيا وعزريا، رفقاء دانيآل، إلى اختبار عسير لإيمانهم؛ إما أن يعبدوا غير إلههم الذي يحبونه، أو يواجهوا غضب ملك مُتَجَبِّر ويُلقَوْا في النار. فكان رَدُّهم العظيم الذي سيبقى مدعاة فخر لهم للأبد: «لاَ يَلْزَمُنَا أَنْ نُجِيبَكَ عَنْ هذَا الأَمْرِ. هُوَذَا يُوجَدُ إِلهُنَا الَّذِي نَعْبُدُهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَجِّيَنَا مِنْ أَتُّونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ، وَأَنْ يُنْقِذَنَا مِنْ يَدِكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ. وَإِلاَّ (أي إن لم ينقذنا الرب) فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا لَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ، أَنَّنَا لاَ نَعْبُدُ آلِهَتَكَ وَلاَ نَسْجُدُ لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبْتَهُ» (دانيآل3: 16- 18). لقد كان لهم إيمان عجيب في قدرة إلههم، وفي أن يتم فيهم وعد الرب الشهير: «إِذَا مَشَيْتَ فِي النَّارِ فَلاَ تُلْذَعُ، وَاللَّهِيبُ لاَ يُحْرِقُكَ» (إشعياء43: 2)، مع أن هذا لم يكن قد حدث مع أحد قبلهم.
تُرَى هل شعروا بالندم والأشرار يوثقونهم؟ هل قَلَّ إيمانهم، لحظة اقتيادهم إلى الأتون، أن الرب سينقذهم؟ لقد أُلقوا بالفعل في الأتون، فهل تساءلوا: أين الرب الذي وثقنا فيه؟
الحقيقة أن لحظة إلقائهم في الأتون، كان قد سبقهم إلى هناك من يسند إيمانهم. لقد وجدوا الرب نفسه في الأتون. والنتيجة أنهم تمشوا في الأتون كما في نزهة! وفي النهاية خرجوا سالمين، ولم يفقدوا إلا قيودهم! والنتيجة كانت شهادة مجيدة لإلههم أمام الكل.
كلُّنا نحب ألا ندخل في ظروف صعبة، ونتمنى أن نُعفَى من اجتيازها. لكن ماذا إذا سمح الرب لنا بها؟ فلنثق أولاً أنه معنا، وهذا وحده يحوِّل النار إلى بستان. يمكنك أن تراه وأنت تحكي معه وسط هذه الظروف، وأن تراه وهو يتحكم في الظروف رغم كل تدبيرات وتخطيطات البشر، تراه وكلمات كتابه تتم كما سبق وأنبأ بها.
ثم لنتيقن أنه يُوَظِّف هذه الظروف ليُخَلِّصنا من قيود في حياتنا من ناحية، من عادات أو أفكار. فمن وسط الضيق تولد الحرية. وكذا ليُلَمِّع شهادتنا له من ناحية أخرى، فنخرج كالذهب اللامع شاهدين لسيدنا الكريم.
صلاة تتحول إلى تسبيح (اقرأ 2أخبار20)
تعرَّض يهوشافاط الملك لخطر هجوم حاشد من جيش مُعادٍ شرس فَتَّاك. ورغم أنه كان يملك جيشًا كبيرًا، إلا إنه لم يفكِّر في خطط حربية، أو اللجوء لحلفاء يحمونه. ماذا فعل؟! لقد صلى! صلى صلاة رائعة، ختمها بالقول الشهير: «لَيْسَ فِينَا قُوَّةٌ أَمَامَ هذَا الْجُمْهُورِ الْكَثِيرِ الآتِي عَلَيْنَا، وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ مَاذَا نَعْمَلُ وَلكِنْ نَحْوَكَ أَعْيُنُنَا».
حين تهاجمنا الظروف، خير ما نفعله هو أن نُصَلِّي، مُعلِنين عجزنا وضعفنا من جهة، ومن جهة أخرى - وهذا الأهم - مُعلِنين ثقتنا في قدرة إلهنا وإمكانياته على التدخل في كل شيء.
كانت النتيجة أن الرب أرسل إليهم رسالة طمأنة فريدة: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ لَكُمْ: لاَ تَخَافُوا وَلاَ تَرْتَاعُوا بِسَبَبِ هذَا الْجُمْهُورِ الْكَثِيرِ»، ونفس الرسالة هي لنا هذه الأيام؛ أن “لا نخاف”. فالصلاة التي تسكب القلب أمام الله لا بُد وأن يتبعها سلام واطمئنان.
ثم استدرك حامل الرسالة بالقول: «لأَنَّ الْحَرْبَ لَيْسَتْ لَكُمْ بَلْ ِللهِ... لَيْسَ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحَارِبُوا فِي هذِهِ». إن القضية هي قضية الرب، فنحن شعبه، خاصته التي اقتناها بدمه، وهو المسؤول عَنَّا. ولأنه يعلم أننا لا نعرف أن نفعل شيئًا، فقد نَحَّانا جانبًا ليعمل هو وحده. فماذا علينا أن نفعل وفي صَفِّنا هذا القدير؟!
ثم تكتمل الرسالة بالقول: «قِفُوا، اثْبُتُوا، وَانْظُرُوا خَلاَصَ الرَّبِّ مَعَكُمْ». فلنثبت إذًا ولا نتزعزع، ولننتظر لننظر تدخُّل الرب في الأمور في وقته وبطريقته.
الجميل في الأمر أن يهوشافاط والشعب، ما أن وصلتهم هذه الرسالة، وقبل أن يفعل الرب أيَّ شيء، وقبل أن ترى أعينهم، «أَقَامَ مُغَنِّينَ لِلرَّبِّ وَمُسَبِّحِينَ فِي زِينَةٍ مُقَدَّسَةٍ... قَائِلِينَ: احْمَدُوا الرَّبَّ لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ». لقد تحوَّلت الصلاة إلى تسبيح، ليس لأنهم رأوا شيئًا حدث، لكن لأنهم آمنوا أن الرب صالح وأن رحمته إلى الأبد.
فلنركع على رُكَبنا ونُصَلِّي ساكبين قلوبنا أمامه، ثم نقف رافعين قلوبنا وأيدينا سُبحًا لهذا المجيد، ولنترنم:
هو بإيده ماسك الدفة وما عندوش أحداث بالصدفة
مهما عدو الخير يِتخَفَّى الترتيب من فوق متزمِّن
هو نوري وخلاص ليَّ هو حصني في طول لياليَّ
مين يؤذيني ويقوي عليَّ لو حتى في هلاكي يِفَنِّن