في إحدى المدارس الأمريكية طلبتِ المعلمة من الأطفال أن يوجِّهوا رسائل إلى الله في وقت احتفالهم بالكريسماس، يسألونه عن أحلامهم وأمنياتهم، أو يوجِّهون إليه أسئلةً مما يخفق الآباء والمعلِّمون في الإجابة عنها. وبالفعل كتب الأطفال أسئلتهم بكل بساطة، وتلقائية، بلا تحفظ أو تردد، أو تفكير في صياغة الكلمات. فجاءت أسئلتهم مزيج من البساطة والعمق، وخليط ما بين الطرافة والجدية. أسئلة قد تبتسم وأنت تقرأها، لكن سرعان ما تخبو ابتسامتك تدريجيًا بعدما تدرك مغزاها، للوهلة الأولى قد تستخف بالأمر، لكن بقليل من التفكير ربما تجد نفسك في مأزق بسبب عدم وجود إجابة شافية وكافية لديك. فهيا بنا نتناول بعضًا من هذه الأسئلة، مع تعليق بسيط على كل سؤال وجّهه أولئك الأطفال لله.
السؤال الأول، قال طفل يُدعى جين:
إلهي العزيز، في المدرسة يخبروننا أنك تفعل كلَّ شيء. فمَن يقوم بمهماتك يوم عطلتك؟
افترض هذا الطفل الذكي أن الله يجب أن يكون لديه عطلة كباقي البشر. هذا السؤال يجعلنا ننحني سجودًا أمام هذا الإله العظيم، الذي لا ينعس ولا ينام. نرتاح نحن، بسلامة نضطجع بل أيضًا ننام لأنه منفردًا في طمأنينة يسكِّننا (مزمور4: 8) ، ننعس نحن لكن الله مكتوب عنه «لاَ يَنْعَسُ حَافِظُكَ» (مزمور121: 3، 4) . أليس هو ذات الإله المكتوب عنه: «وَكَانَ الرَّبُّ يَسِيرُ أَمَامَهُمْ نَهَارًا فِي عَمُودِ سَحَابٍ لِيَهْدِيَهُمْ فِي الطَّرِيقِ، وَلَيْلاً فِي عَمُودِ نَارٍ لِيُضِيءَ لَهُمْ» (خروج13: 21، 22) . لوكنت مكان المعلِّمة في هذه اللحظة، لنظرت مبتسمًا لذلك الطفل الذكي وربت على كتفيه وقلت له: ”الله يا طفلي العزيز لا يأخذ أجازة. أطمئن فهو طوال الوقت يفعل كل شيء، ويستطيع كل شيء. ولن يتركك يومًا. أو يتخلى عنك“.
السؤال الثاني، سألت نورما تقول: إلهي العزيز، هل كنت تقصد فعلاً أن تكون الزرافة هكذا، أم حدث ذلك نتيجة خطإ ما؟
سؤال طريف، ربما ضحكت المعلمة ضحكة عالية عند قراءتها لهذا السؤال، سؤال يعبِّر عن مدى بساطة الأطفال، لكنه يعبر أيضًا عن تمتع الأطفال بقوة ملاحظة ودقة متناهية، فمن منا لم يدهشه شكل الزرافة؟ لكن دعونا نفكِّر في الأمر بطريقة أخرى. فبدلاً من أن ننتهر نورما على تفسيرها للأمر بأنه نتيجة خطإ ما، لنراجع أنفسنا في ذات النقطة؛ ألا نهين الله في قلوبنا حينما نفكر أحيانًا في أن ماحدث لنا - أو حتى لآخرين - هو على سبيل الخطإ. فأمام بعض الظروف والضغوط المؤلمة، ربما يتسلَّل الشك لقلوبنا، وتغزو الأفكار الشيطانية أذهاننا. ويبدأ القلب في طرح بعض العبارات الصعبة من نوعية: لم يكن هذا وقته، لماذا أنا بالذات، ألا يعرف الله ما أنا فيه؟
نحتاج جميعنا أن نقترب من إلهنا أكثر، لنفهم وندرك كم يحبنا، وكم يحنو علينا جدًا، وكم يعمل دائمًا لخيرنا.
السؤال الثالث، سأل جون قائلاً: بدلاً من أن تجعل الناس يموتون، ثم تضطر لصناعة بشر جُدد، لماذا لا تحتفظ وحسب بهؤلاء الذين صنعتَهم بالفعل؟
بالطبع لن نسأل نحن سؤال كهذا. لكننا نوجِّهه لله بصيغة أخرى، حيث ننسب الأمر لله. وكأن الله قصد أن يكون الموت ليحرمنا من بعضنا البعض، أو ليؤدِّبنا ويضغطنا ويجعلنا في حزن وكآبة طوال الوقت. ونسينا مع الأسف أن الموت هو نتيجة سقوط الإنسان في الخطية. لقد أشار الله في وصيته لآدم أنه لم يخلقه لكي يموت، إنما هو سيموت إذا لم يلتزم بالوصية «لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ» (تكوين2: 16، 17) . وهذا ما حدث: سقط الإنسان، فكان الموت هو العقوبة الحتمية، والنتيجة الطبيعية لهذا السقوط. لكن يفوتنا أيضًا أمرٌ غاية في الأهمية: أنه ورغم أن الموت هو نتيجة سقوطنا؛ إلا أنه الله جاء في صورة إنسان ومات هو بديلاً عنا. هذا الأمر يجعلنا نسجد له حبًا وتقديرًا وتعظيمًا، وبدلاً من الشكوى والتذمر والشكوك، فإنه علينا أن نقدم الشكر والحمد والسجود لفادينا الذي خلَّصنا من سلطان الظلمة، وأباد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت (عبرانيين2: 14).
السؤال الرابع، هذا السؤال كتبه طفل يُدعى بروس: من فضلك أرسلْ لي حصانًا صغيرًا. ولاحظ أني لم أسألك أيَّ شيء من قبل، وتستطيع التأكد من ذلك بالرجوع إلى دفاترك!!
ربما أنه لا مانع أن يتكلم طفل بمثل هذه الطريقة، إنما المؤسف والمحزن جدًا أن نتكلم نحن بذات الأسلوب، ونتخيل أن الله يسعد بعدم السؤال. ويفرح إن كانت كلماتنا معه قليلة مقتضبة. لدينا صورة مغلوطة أن صلواتنا وبكاؤنا أمامه يجعله يملّ منا ومن سماعنا، ربما هذه الفكرة ننسجها في خيالنا بسبب تعاملنا مع بعضنا البعض، لكن الله ليس كذلك. ألم يقل الرب يسوع لتلاميذه يومًا «إِلَى الآنَ لَمْ تَطْلُبُوا شَيْئًا بِاسْمِي. اُطْلُبُوا تَأْخُذُوا، لِيَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً» (يوحنا16: 24) . لا تجعل الشيطان يخدعك ويقنعك بأن قلة صلواتك، وقلة طلباتك هي أمرٌ يطلبه الله. على العكس تمامًا. الله يريد أن يسمع صوتك، يريدك أن تحكي معه في كل التفاصيل. يفرح بكلامك، ويبتهج بسؤالك، ويسعد بك حينما تُلقي بهمومك ومتاعبك وحيرتك بين يديه، بل تلقي بنفسك وبكل ما فيك في أحضانه. وبلغة هذا الطفل أقول لك: دع الله كلما يرجع إلى دفاتره يجده ممتلئًا بطلباتك وصلواتك وتضرعاتك.
السؤال الخامس، كتبه طفل يُدعى نان حيث قال: إلهي العزيز، أعتقد أنه ليس بوسعك أن تحبَّ جميع البشر في العالم. يوجد أربعة فقط في أسرتي ولم أستطع أن أفعل ذلك. فكيف تفعل أنت؟
وهذه مشكلتنا جميعًا، فهي ليست مشكلة الأطفال، أو حتى البسطاء الذين لم يُكملوا تعليمهم، إنما هي مشكلة البشرية جمعاء. أننا نقيس الله علينا. ما لا نستطيع أن نفعله، نتوقع أن الله لا يقدر عليه، وما لا نقدر على فك طلاسمه، نتخيل أن الله يقف أمامه متحيرًا. ومن لا نقدر أن نحبهم، لا نتخيل أن الله يحبهم كما يحبنا بالضبط. ينبغي أن نصدق الله، ونؤمن بكلامه كما هو. فهو الذي قال إنه «يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ» (متى5: 45). فكيف نحاول نحن أن نعكس الأمور، ونغيّر الحقائق؟ علينا أن نقترب من كلمة الله بروح الخضوع والخشوع، علينا أن نمتليء من محبته، ونتمتع بقلبه الرقيق. وقتها سنجد أنفسنا نحب كما يحب هو، ونلتمس العذر للآخرين. بل وقتها سندرك ونفطن للخشبة التي في أعيننا، فلا نستطيع أن ننظر القذى التي في عيون إخوتنا (متى7: 3).
أخي.. أختي.. لم تنتهِ الأسئلة، ولم تتوقف علامات الاستفهام لدى الأطفال. ولنا في العدد القادم وقفة أخرى أمام هذه المحاورات الشيقة، والأسئلة التي تحمل في طياتها أعمق المعاني رغم بساطتها، فتابعوها معنا.