«مَنْ يَعْطَشْ فَلْيَأْتِ. وَمَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّانًا» (رؤيا22: 17)
يُحكى أن أحد الخدَّام كان يعظ من سفر الرؤيا 22 في يوم اشتدّت فيه الحرارة لدرجة أنه أصبح من الصعب على السامعين أن يُصغوا للموعظة. وقد أزعج الحر الخادم أيضًا، فكان يرشف من وقت لآخر من كأس ماء بارد كانت أمامه، وبعد كل رشفة ماء كان يُردّد الآية التالية التي تقول «مَنْ يَعْطَشْ فَلْيَأْتِ. وَمَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّانًا» (رؤيا22: 17).
وكان هناك بين السامعين صبيّ، في كل مرة رفع فيها الخادم الكأس لكي يرشف منها، كان ظمأه يشتدّ، فقرَّر في نفسه قائلاً: إن ردَّد الخادم تلك الآية مرة أخرى، فسأقوم من مكاني، وأتقدَّم إلى الأمام، وأشرب من تلك الكأس!
بعد ذلك بقليل تفوّه الخادم بالآية عينها: «مَنْ يَعْطَشْ فَلْيَأْتِ. وَمَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّانًا»، فما كان من الصبي إلا أن غادر مكانه، واتجه نحو المنبر... راقبه الحضور بدهشة كبيرة حين مدّ يده، وأخذ الكأس، ورشف منه رشفة عميقة، ثم شكر الخادم، وعاد إلى مكانه.
تأثَّر الخادم جدًا، واستخدم الحادثة لكي يوضِّح نقطة مهمة، فقال: يجب أن نقبل دعوة الله ونشرب من ماء الحياة مجانًا، وذلك بالإيمان، إن كنا نُريد أن نخلص، تمامًا كما فعل هذا الصبي أمامكم الآن!
وأردف الواعظ: ”يبقى العديد من الناس عطاشًا إلى البر وذلك لعدم مبالاتهم بدعوة الله البسيطة والواضحة: «إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ» (يوحنا7: 37). إذا أتيت وشربت من هذا الينبوع، كما يقول المسيح، فإنك لن تعطش مرة أخرى. لقد وعد بأن يُطفئ ظمأك“.
وإني أشكر الله من أجل هذه الكلمات: «إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ»، فهي ليست مُوجهة إلى جماعة معينة، ولا إلى الناس المحترمين المُتدينيين، بل إلى الجميع. إن كل سكير ٍوزانِ ولص ومعتَدّ بذاته ومُلحد، الكل يدخلون ضمن كلمة «أحَدٌ».
«إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ»... ما أعظم تعطش هذه الدنيا لشيء مُشبِع. ما الذي يملأ أماكن اللهو من مسارح وصالات للرقص والموسيقى ليلاً ونهارًا؟ ألا يملؤها الناس الذين يشعرون بالافتقار إلى شيء ليس لديهم. إنهم جميعًا يُنشدون السعادة والفرح، ويسعون إلى ذلك سعيًا حثيثًا، لكن سعيهم هذا لا طائل من ورائه، ولماذا؟ لأنهم بالأسف يتجاهلون المسببات للحزن؛ يتجاهلون أنهم بابتعادهم قلبيًا وروحيًا عن الله، فإنه من المستحيل أن يكونوا سعداء مهما قدَّم العالم لهم من المسرات والملذات، لأن «كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضًا» (يوحنا4: 13).
إن اللحظة التي فيها يعطي الإنسان ظهره لله يشعر بالعطش الشديد، وهذا العطش لا يهدأ حتى يرجع إلى «يَنْبُوعَ الْمِيَاهِ الْحَيَّةِ». إن مَن يطلب الارتواء من مسرات العالم ينطبق عليه قول إرميا النبي بأنه قد ترك ينبوع المياه الحية لينقر لنفسه أَبْآرًا «أَبْآرًا مُشَقَّقَةً لاَ تَضْبُطُ مَاءً» (إرميا2: 13). يوجد عطش لا تستطيع هذه الدنيا أن تُطفئه على الإطلاق. كلما شربنا من مسرات العالم كلما ازددنا ظمأً. نطلب المزيد والمزيد من هذه المسرات، ولكن مهما أكثرنا من الشرب فإننا لا نشعر بالارتواء على الإطلاق، ولكن يوجد ينبوع مفتوح لا ينضب، ليتنا نسير نحوه، ونشرب فنحيا. لقد قال الرب يسوع المسيح: «مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فلاَ يَجُوعُ، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فلاَ يَعْطَشُ أَبَدًا» (يوحنا6: 35).
هل أنت عطشان أيها القارئ؟ تعال واشرب من الينبوع الذي فُتح من جنب المسيح. عطشك يزول، ولا تعود أيضًا تعطش فيما بعد، بل إن الماء الذي تشربه يصير «يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ» (يوحنا4: 12). إن الماء يرتفع إلى مستواه الأصلي، ولأن هذا الماء قد نزل من عرش الله، لذلك فهو يحملنا إلى حضرة الله.
تعالوا أيها العطاش، انحنوا واشربوا واحيوا؛ الله يدعوكم فتعالوا. إن نهر نعمة الله المجانية لا يجف، لا يزال فائضًا الآن مع أن كل المؤمنين من ستة آلاف سنة قد شربوا منه. فهابيل وأخنوخ ونوح وإبراهيم وموسى وإيليا والرسل وباقي المؤمنين، الجميع شربوا منه وهم الآن في السماء حيث يرتوون في حضرة المسيح «لَنْ يَجُوعُوا بَعْدُ وَلَنْ يَعْطَشُوا بَعْدُ» (رؤيا7: 16).
إنه يدعوك اليوم يا عزيزي، فتُب عن خطاياك، وثِق بالرب يسوع المسيح، آمن به واتّخذه مُخلِّصك الشخصي... اشرب من نهر نعمة الله، واحيا الآن، فتجد راحة أبدية وارتواءً أبديًا. فما لم يشرب المرء من ماء الحياة، فسيبقى ظمآنًا إلى الأبد.
«أَيُّهَا الْعِطَاشُ جَمِيعًا هَلُمُّوا إِلَى الْمِيَاهِ، وَالَّذِي لَيْسَ لَهُ فِضَّةٌ تَعَالُوا اشْتَرُوا وَكُلُوا. هَلُمُّوا اشْتَرُوا بِلاَ فِضَّةٍ وَبِلاَ ثَمَنٍ خَمْرًا وَلَبَنًا» (إشعياء55: 1)
سمعتُ صوتَهُ يُذيعُ القولَ إعلانًا:
| ”ماءُ الحياةِ إنَّني أُعطيهِ مَجَّانًا |
تعالَ يا عطشانُ واشرَبْ واغْنَمِ
| فَجِئتُهُ حالاً وقد شَرِبتُ من مجراهالحياهْ“ |