اقامة الموتى

تأملنا في الأعداد السابقة في نوعين من معجزات المسيح: معجزات مرتبطة بالبحر ومعجزات شفاء الأمراض.  والآن سنتأمل في معجزات اقامة الموتى وعددها ثلاث معجزات.

 1– اقامة ابنة يايرس:

«أمسك بيدها ونادى قائلاً يا صبية قومي.  فرجعت روحها وقامت في الحال» (اقرأ متى9: 23؛ مرقس5: 35؛ لوقا8: 49).

بنت صغيرة عمرها اثنتي عشرة سنة، ابنة يايرس رئيس المجمع، الذي دعي الرب لشفائها، وعندما ماتت قال له الرب آمن فقط، ثم دخل الرب البيت وقال للجموع «لم تمت الصبية لكنها نائمة»؛ ولعدم إيمانهم أخرجهم عدا بطرس ويعقوب ويوحنا وأبوي البنت وأقامها أمامهم.  وهنا نرى:

* البنت هنا تمثل حالة الخاطئ المؤدَّب والمتدين، الذي لم تظهر عليه أفعال قبيحة ولم يرتكب خطايا ظاهرة.  إلا أنه ميت بالذنوب والخطايا، وليس فيه حياة الله.

* عندما أقامها الرب لم يصلِّ كما فعل إيليا وبطرس، ولا وقع على الميت وتمدَّد كما فعل بولس وأليشع، ولم يقِم الميت “بإذن من الله”.  بل بكلمة وأمر منه؛ لأنه الله الظاهر في الجسد.

* قامت ومشت: هذا هو طابع ومظهر الحياة؛ فكل من آمن بالمسيح تظهر في حياته وسلوكه قوة الحياة الجديدة ويسلك في جوِّها، ثم يتناول طعامًا جديدًا، وهو المسيح خبز الحياة وكلمة الله ليتغذى وينموا.

2– إقامة ابن أرملة نايين:

«لمس النعش فوقف الحاملون.  فقال أيها الشاب لك أقول قم.  فجلس الميت وابتدأ يتكلم» (اقرأ لوقا7: 11–17). 

في المعجزة السابقة رأينا بنتًا وحيدة لأبويها، وهنا شاب وحيد لأمه الأرملة.  فالموت لا يراعي ظروف الآخرين، ولا يميِّز بين بنت وولد، صبية أو شاب، فما أقسى الموت وما أقصر رحلة العمر الذي يذبل سريعًا كالزهور، ويتحرك مسرعًا كالظل.  وفي هذه المعجزة نرى:

* الرب يظهر عواطفه تجاه الأرملة «تحنن عليها»، قبل أن يظهر قدرته في إقامة الميت.  وهكذا، في الوقت الذي نرى فيه مشاعره الإنسانية، نرى أيضًا قدرته الإلهية.

* الولد هنا صورة للخاطئ الذي تمادى في خطاياه حتى صار غير مرغوب فيه بين أهله ومجتمعه فأخرجوه من البيت والمدينة.

* نرى في النعش المحمول عليه الولد صورة للخطية التي تحمل الإنسان إلى الهاوية وهو مسلوب الإرادة «آثامنا كريح تحملنا»، وأيضًا صورة للتعليم الغريب الذي يقود إلى الهلاك «كَيْ لاَ نَكُونَ فِي مَا بَعْدُ أَطْفَالاً مُضْطَرِبِينَ وَمَحْمُولِينَ بِكُلِّ رِيحِ تَعْلِيمٍ، بِحِيلَةِ النَّاسِ، بِمَكْرٍ إِلَى مَكِيدَةِ الضَّلاَلِ» (أفسس4: 14). 

ومن يستطيع أن يوقف مفعول الخطية في إنسان فاسد يسير في طريق الهلاك إلا المسيح؟!

* «دفعه إلى أمه» أمنا هنا هي كلمة الله: فبها وُلدنا «مولودين ثانية...  بكلمة الله» (1بطرس1: 23) ومنها نستمد غذائنا كلبن وطعام قوي (عبرانيين5: 12 14).

3– إقامة لعازر:

* «ولما قال هذا صرخ بصوت عظيم لعازر هلم خارجًا.  فخرج الميت» (اقرأ يوحنا11). 

* مرض لعازر فأرسلت الأختان، مريم ومرثا، للرب بثقة في محبته، وكانتا تتوقعان حضور الرب سريعًا.  لكنه تعمَّد الانتظار؟!  فلماذا لم يبادر
بالمجيء ويستجيب لطلبهما مع أنه كان يرى مرض - ثم موت - لعازر، ويرى حزن وألم الأختين؟!  إنه يتأنى لأجل مجد الله، وفي وقته يسرع به.

* في لعازر نرى صورة أخطر للخطية، صورة شخص خطر على المجتمع فاحت رائحة جرائمه ونجاسته.  لكننا نرى نعمة الرب التي تخلِّص السارق والمجنون والنجس.

* «لعازر حبيبنا قد نام» كان المسيح في عبر الأردن لكنه رأى لعازر عندما مات.  فهو الموجود في كل زمان ومكان.  ونرى هنا أن من تمتع بمحبة الرب يسوع؛ فالموت بالنسبة له “رُقاد” أو نوم قليل سيقوم منه.

* هنا نرى المسيح، لا كمن يقيم ويُحي فقط، بل كمن هو نفسه القيامة والحياة.  فعند الاختطاف: القيامة مضمونة للراقدين، وعدم الموت مضمون للأحياء.

* المعجزة الأخيرة للمسيح في يوحنا قبل الصليب في مأتم، وكانت الأولى في عرس.  فهو يشاركنا أفراحنا وأحزاننا.

* لم يسجِّل الكتاب المقدس كلمة واحدة للعازر، ومع هذا آمن كثيرين من اليهود بيسوع بسببه!  لم يقدِّم لهم عظة، بل كان قدوة في جلوسه في محضر
الرب وفي سلوكه أمام الناس!

ثلاث أموات أقامهم الرب في أماكن مختلفة وبعد أزمنة مختلفة:


- ابنة يايرس: في البيت، وبعد موتها مباشرة، صورة للخاطي الذي خطاياه مخفية عن الناس.

- ابن الأرملة: عند باب المدينة، وفي نفس يوم موته، صورة للخطاة الذين خطاياهم ظاهرة في أيديهم وسلوكهم وعلى باب ألسنتهم.

- لعازر: في القبر، بعد أربعة أيام، صورة لمن وصل للقمة في شره وفساده إذ صارت أعماله عفنة ورائحتها تفوح عن بُعد.

- إنه الجنس البشري، فالجميع: أخطأوا، ثم زاغوا، ثم ماتوا بالذنوب والخطايا، ثم فسدوا.

صديقي القارئ: أنت واحد من “الجميع”؛ فإن رأيت صورتك في الحالات السابقة، فالمسيح محيي الرميم يناديك ليلمسك ويعطيك الحياة.  فهل تأتي إليه؟