فاجأتني زوجتي يومًا بالصورة المنشورة بجوار عنوان المقال، ولم تنتظر حتى أسألها عن قصتها، بل راحت تحكي لي، بكل مشاعرها، قصة الصورة التي تركت أثرًا حقيقيًا فينا لفترة طويله. فأسمحوا لي أن أبدأ معكم بشرح قصة هذه قبل أن نُكمل حديثنا: كما ترى الصورة بها أربع شخصيات: طبيبان، وسيدتان تبدو كلٍ منهما في عقدها الثالث، الأولى تُمسك مع الطبيب السماعة ناحية قلبها، ودعونا نُطلق عليها اسمًا وليكن “چانيت”، بينما تضع السيدة الأخرى - ولنطلق عليها “ماري” - الطرف الثاني من السماعة في أذنيها لتسمع نبضات قلب المرأة الأولى. ولعلك لاحظت أن ماري التي تضع السماعة في أذنيها، تبدو في الصورة وهي تبكي، وكذلك الطبيب الواقف بجوار چانيت يتطلع لماري بعيون باكية وبتأثر شديد.
وإليكم تفاصيل قصتنا:تم التقاط هذه الصورة في واحدة من المستشفيات الكبرى بإحدى الولايات الأمريكية. كان لماري طفلة صغيرة ماتت في سن مبكرة. وبعد موت ابنتها، قامت ماري بأمر غريب، حيث تبرعت بقلب ابنتها السليم تمامًا لمن يحتاجه، في الوقت الذي كانت فيه جانيت تعاني من أمراض كثيرة في القلب تستلزم تغيير كامل لقلبها. وتم تحديد مكان العملية في هذه المستشفي التي تقع في الولاية التي تعيش بها جانيت المريضة، وكانت تبعد كثيرًا عن الولاية التي تعيش بها ماري؛ مما أضطرها أن تسافر مسافة طويلة لتطمئن على نجاح العملية، وتراقب ما سيفعله قلب ابنتها في هذه السيدة المريضة. وبالفعل تمت العملية بنجاح باهر، وما أن اطمأنت ماري على نجاح العملية، وتأكدت أن جانيت أصبحت قادرة على الحياة من جديد بقلب ابنتها، قررت أن تعود مرة أخرى لولايتها. لكنها طلبت طلبًا أخيرًا قبل عودتها؛ طلبت من الأطباء الذين قاموا بزرع قلب ابنتها أن يسمحوا لها بأن تسمع لنبضات قلب ابنتها للمرة الأخيرة بعد أن بدأ ينبض من جديد، في جسد چانيت. وبالفعل كان لها ما طلبته. ودخلت إليها چانيت تسير على قدميها، حتى تتيح لها هذه الفرصة، وقد الُتقطت هذه الصورة أثناء سماع ماري لنبضات قلب ابنتها، بعد أن زُرع في جسد چانيت. سمعت وهي تبكي من شدة التأثر، وهكذا فعل أحد الأطباء الذين كانوا يشاهدون هذا المشهد المهيب، متأثرًا بدموع ومشاعر الأم المكلومة. بينما نلاحظ أن چانيت تقف بكل وقار واحترام ورهبة أمام هذا المشهد.
أخي.. أختيأعلم أنها قصة مؤثرة جدًا، تركَت فيَّ أثرًا حقيقيًا، وظللتُ وقتًا طويلاً أفكر في مشاعر كلا السيدتين: كيف كانت تشعر ماري؛ هل شعرت بسعادة بعد أن سمعت نبضات قلب ابنتها من جديد؟ أم أنها ظلت تبكي أيامًا بسبب ذات الأمر؟ يا لها من مشاعر مختلطة. وماذا عن چانيت، هل كانت سعيدة بعد أن صار قلبها سليمًا، وصارت تتحرك بسهولة، وانتهت معاناتها؟ أم أنها كانت تشعر بالأسى والحزن لأنها تحمل قلب بنت صغيرة ماتت في باكورة حياتها؟ والسؤال الأهم: تُرى هل كانت جانيت تُقَّدر ما حدث؟ وكيف عاشت حياتها بعد ذلك؟!
إنه ذات السؤال الذي لا بد أن نسأله لأنفسنا في كل وقت؛ لقد مات المسيح لأجلي ولأجلك، قدَّم حياته من أجلنا، بذل نفسه عن الخطاة الأثمين، ليصيروا أبرارًا بموته، حمل في جسده خطايانا، ومحا ذنوبنا، ورفع قصاص خطايانا. «الَّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى الْخَشَبَةِ، لِكَيْ نَمُوتَ عَنِ الْخَطَايَا فَنَحْيَا لِلْبِرِّ. الَّذِي بِجَلْدَتِهِ شُفِيتُمْ» (1بطرس2: 24). وكما هو مكتوب في الآية السابقة؛ لقد مات لكي نحيا، لكنه مات أيضًا لكي نموت نحن؛ نعم نموت عن الخطية، عن الشهوة، عن نتائج الخطية اللعينة، نموت عن محبة أنفسنا ونحيا له وحده «وَهُوَ مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ كَيْ يَعِيشَ الأَحْيَاءُ فِيمَا بَعْدُ لاَ لأَنْفُسِهِمْ، بَلْ لِلَّذِي مَاتَ لأَجْلِهِمْ وَقَامَ» (2كورنثوس5: 15). مات المسيح لأجلي ولأجلك، ليس فقط لكي يضمن لنا الحياة الأبدية، لكن لكي يعطينا حياة مختلفة هنا على الأرض، ليجعلنا مشابهين صورته (روميه8: 29). فكيف بعد كل هذا، نحيا لأنفسنا؟ أو كما قال أحدهم: “إن كان المسيح يمثِّلنا في السماء؛ فلنمثِّله على الأرض”. هل بحق نمثله؟ّ
أخي.. أختيماذا عن حياتك؟ هل تحمِل قلبَ المسيح في داخلك؟ هل تحنو على الآخرين، أم تُكيل لهم الإدانة، وتُلصق بهم العيوب طوال الوقت؟ هل تلتمس العذر لإخوتك، أم أنك دائمًا تلوم، وتتهم، وتبغض.
ماذا عن كلماتك؟ هل تتكلم بما يليق، أم أنك تخجل كثيرًا كلما تتذكر كلمات فمك؟ هل تُمجِّد الله بأقوال فمك؟ هل تُصلي مع كاتب المزمور: «لِتَكُنْ أَقْوَالُ فَمِي وَفِكْرُ قَلْبِي مَرْضِيَّةً أَمَامَكَ يَا رَبُّ، صَخْرَتِي وَوَلِيِّي» (مزمور19: 14).
ماذا عن أفكارك؟ هل لك فكر المسيح «وَأَمَّا نَحْنُ فَلَنَا فِكْرُ الْمَسِيحِ» (1كورنثوس2: 16)، أم أنك مسلوب الفكر، وذهنك ممتلئ بأفكار شريرة لا تليق بأولاد الله؟
لقد طلبت ماري أن تسمع نبضات قلب ابنتها في چانيت بعد أن أعطتها قلب ابنتها، وماذا عني وعنك؟ هل لو طلب الله الآب أن يسمع نبضات قلوبنا، سيسمع نبضات قلب ابنه أم شيء آخر؟ ماذا لو طُلب منك أن تحكي له عن حياة الابن التي صارت لك؟ هل ستخجل من الإجابة، أم أنك سُتجيب وهامتك مرفوعة؟
مكتوب «أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَ للهِ» (1كورنثوس6: 19). فليتنا نُقَّدر هذا الأمر، ولا نحيا لذواتنا، إنما نحيا لمن مات من أجلنا وقام. حتى نُرضي إلهنا ونُشبع قلبه بحياة عطرة شاهدة عن نعمته.