كان مرسلاً تقيًا يخدم وسط بعض القبائل، ولم يكن هذا الخادم ماهرا كثيرًا في الوعظ، لكنه عاش حياة المسيح بينهم بطريقة مؤثرة. ولم تستمر حياة هذا المرسل طويلاً، لسبب مرضه وأنطلاقه ليكون مع المسيح. جاء بعده مرسلاً آخر ليواصل خدمته بين هؤلاء الأفارقة. وحينما ابتدأ الأخير يعظهم عن المسيح وصفاته الرائعه، أندهش هذا المرسل الأخير من رد فعل مستمعيه هناك!! لقد قالوا له أن هذا المسيح الرائع الذي أنت تتحدث عنه، كان هنا بيننا يعظنا، لكنه مات منذ عده أشهر!! يا للعجب، فمن روعة حياة الخادم الراحل، ظن أولئك البسطاء أنه هو شخص المسيح!!
فما أحوج العالم اليوم أن يرى بين المسيحين قدوة ونموذجًا يرون فيه المسيح. وليعطِنا الرب أن نكون قدوة لا عثرة لأحد منهم.
أولاً: معنى القدوة وأهميتهاالقدوة تأتي بمعنى ”نموذج يحتذى به الآخرون ويحاكونه“، وبالإنجليزية Model. وهذا ما أوصى به الرسول بولس ابنه تيموثاوس «كن قدوة». فالعالم من حولنا إن كان لا يستطيع أن يرى المسيح وخلاصه وسمو أخلاقه بسبب عمى قلبه، فالعالم يمكنه أن يرى صورة مجسدة للمسيح وصفاته في مؤمن حي يعيش نموذجًا ومثالاً لمسيحه. وأعتقد أن هذا ما قصده الرب عندما قال لنا «أنتم نور العالم».
ثانيًا: كيف أكون قدوةوهنا أقتبس قول الرسول لأهل كورنثوس «كونوا متمثلين بي كما أنا أيضًا بالمسيح» (1كورنثوس11: 1)، وأفهم من هذه الآية أمرين:
الأول: عش كما عاش المسيح. وهل يوجد أعظم من المسيح مثالاً حلوًا نقتديه. لقد قال: «تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب» (متى11: 29). إننا بحق نحتاج أن نتعلم منه، وأن نتعلم المسيح نفسه (أفسس4: 20). بل أقول إنني شخصيًا أحتاج المسيح أن يعيش بنفسه فيَّ «بل المسيح يحيا فيَّ» (غلاطيه2: 20) و«ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم» (أفسس3: 17).
الثاني: كن مثالاً حلوًا وعمليًا للآخرين، أصيب الناس من حولنا بصدمة كبيره بسبب فساد بعض القادة السياسين والدينين أيضًا، والناس متعطشون يبحثون عن مثال حلو يشجِّعهم يتشبهوا يه ويسيرون وراءه!! وهذا يضع مسؤولية علينا أن ندقِّق جدًا - بنعمة الرب ومعونته - في كل جوانب حياتنا «وأن تكون سيرتكم بين الأمم حسنة... من أجل أعمالكم الحسنة التي يلاحظونها» (1بطرس2: 12).
ثالثًا: مجالات القدوةحياة القدوة هي في المقام الأول مجال عملي، لا منبر للشعارات النظرية، وهذا ما قصد الرب يسوع أن يعلِّمه لتلاميذه بعد أن غسل أرجلهم قائلاً لهم «لأني أعطيتكم مثالاً حتى كما صنعت أنا بكم تصنعون أنتم أيضًا» (يوحنا13: 15) وقال الطبيب لوقا عن شخص المسيح «جميع ما ابتدأ يسوع يفعله ويعلّم به» (أعمال1:1).
وإليك بعض الجوانب العملية:1.
المسيح المصلي: تأثَّر التلاميذ بقدوة المسيح كرجل الصلاة؛ فطلبوا منه أن يعلِّمهم هذه الحياة المصلية «وإذ كان يصلّي في موضع لما فرغ قال واحد من تلاميذه يا رب علّمنا أن نصلّي» (لوقا11: 1).
2.
بولس العامل والمجتهد: مع أنه كان رسولاً عظيمًا، لكنه كان عاملاً ومشتغلاً لسداد حاجاته وحاجات الآخرين معه، فلم يكن متكاسلاً أو ثقلاً على المؤمنين لذلك قال «أنتم تعلمون أن حاجاتي وحاجات الذين معي خدمتها هاتان اليدان. في كل شيء أريتكم أنه هكذا ينبغي أنكم تتعبون» (أعمال20: 34-35).
3.
المؤمن المطمئن الواثق بالرب: في رحلته إلى روما، كان الرسول بولس معه 275 نفسًا في السفينة، وبعدما صارت الرحلة في خطر أكيد وانتُزع كل رجاء في نجاتهم، وقف بولس الواثق في الرب، مشجِّعًا إياهم بما سمعه من الرب في تلك الليلة، وتأثر به وبسلامه الجميع «ولما قال هذا أخذ خبزًا وشكر الله أمام الجميع وكسر. وابتدأ يأكل. فصار الجميع مسرورين وأخذوا هم أيضًا طعامًا» (أعمال27: 35-36).
4.
المظهر الخارجي: كم هو مشين أن يُشار في مجتمعاتنا إلى خلاعة بعض الفتيات بسبب ملابسهن، ونسمع تعليقًا مؤلمًا من الناس «أصلهم مسيحين..»؟!! فهل نتذكر وصية الرب لنا «وكذلك أن النساء يزيّنّ ذواتهنّ بلباس الحشمة مع ورع وتعقل» (1تيموثاوس2: 9).
5.
في كل جوانب الحياة: توصينا كلمة الله بأهمية القدوه في كل شيء «كن قدوة للمؤمنين في الكلام في التصرف في المحبة في الروح في الإيمان في الطهارة» (1تيموثاوس4: 12).
رابعًا: العثرة للآخرينأحبائي لا بد أن نكون شيئًا من أثنين لا ثالث لهما.. أما أن نكون بركة مؤثِّرة فيمن حولنا، أو سنكون، دون أن ندري، صدمة وعثرة لهم.
1. ما هي العثرة؟! هي أن تضع عائقًا أو حجرًا في طريق شخص ما، يُسقطه أو يعطِّل مسيرته!! تكلم الرب يسوع عن الفريسين وعثرتهم - أي بتعطيلهم إيمان الآخرين – بالقول «ويل لكم... لأنكم تغلقون ملكوت السماوات قدام الناس فلا تدخلون أنتم ولا تدعون الداخلين يدخلون» (متى23: 13).
2. خطورة عثرة الآخرين: وقال الرب يسوع أنه لا بد أن تأتي العثرات لكن «ويل لذلك الإنسان الذي به تأتي العثرة»، بل وقال أيضًا عن الويل لمن يسبب عثرة للآخرين في طريق إيمانهم بالمسيح «فخير له أن يعلق في عنقه حجر الرحى ويغرق في لجة البحر» (متى18: 6، 7).
3. ضرورة الحرص الشديد: كان الرسول بولس حريصًا ليس فقط أن يكون قدوة وبركة للآخرين، بل ألاّ يُعثر أحدًا منهم، فقال «لذلك إن كان طعام يعثر أخي فلن آكل لحمًا إلى الأبد لئلا أعثر أخي» (1كورنثوس8: 13).
أحبائي.. ما أحوجنا في أيام شريرة إلى أن نمتلئ بالروح القدس، وبكلمة الله المُحكِّمه لنا؛ فيظهر المسيح فينا في كل جوانب حياتنا لنكون بركة لا مرارة، ونصبح قدوة مؤثرة لا عثرة منفِّرة.
في سيرك في ذي الحـياة
سوف تراك الجموع
عِش طاهرًا روحًا، جسد
حتى يروا فيك يسوع