هل هذا معقول؟ أَيظهر الله في صورة بشر؟! كيف يكون هذا؟ ولماذا؟
أما كيف يكون، فليس مستحيل عند الله. والله إن أراد أن يدخل إلى خليقته في شبه صورة البشر لن يكون هذا بالمستحيل عليه، وإلا ما كان هو الله «هَلْ يَسْتَحِيلُ عَلَى الرَّبِّ شَيْءٌ؟» (تكوين18: 14). أما السؤال الذي يستحق منا أن نجاوب عليه فهو: لماذا ظهر الله في الجسد؟
يُمكننا أن نجد، بحسب كلمة الله، العديد من الأسباب لذلك:1. لكي يكون الله معروفًا تمام المعرفة للإنسان: ولكن ربما يقول واحد: ألم يعرف الإنسان الله في الخليقة؟ والإجابة هي: لقد عرفه إلى حدٍّ ما «لأَنَّ أُمُورُهُ غَيْرُ الْمَنْظُورَةِ تُرَى مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ مُدْرَكَةً بِآلْمَصْنُوعَاتِ، َقُدْرَتَهُ السَّرْمَدِيَّةُ وَلاَهُوتَهُ، حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ» (رومية1: 20). نعم، إن قدرته ولاهوته يُعرفان بالخليقة، ولكن هذا ليس ما هو الله في ذاته. كما أن «اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ» (مزمور19: 1)، ولكن هذا ليس هو الله بكامل صفاته. فإنني إذا عرضت عليك يومًا لوحة رائعة، فإنك قد تتأملها بإعجاب، وتقول: “يا له من فنان رائع هذا الذي أبدع ورسم هذه اللوحة! ويا لها من مقدرة فنية، هذه التي أنتجت مثل هذه اللوحة!”. وإذا حدث وأريتك تمثالاً آخر نحته هذا الفنان نفسه وأنتجته نفس اليدان، وتأملت في مقدرة هذا الفنان على استخدام “الإزميل” في التمثال، كما الفرشاة في اللوحة، فإنك لا شك تقول: “يا له من رجل بارع!” عندئذٍ أقول لك: “إنه بارع ولكنه يُدمن الخمر، ويقسو على زوجته وأولاده، ويتركهم يتضورون جوعًا”. عندئذٍ تفهم أنه بالرغم من لوحاته وتماثيله، فإن صفاته الأدبية أسوأ ما تكون. وهكذا نُدرك أننا لا نستطيع أن نفهم الإنسان ونعرفه من أعمال يديه. هكذا الله لا يمكن أن يُعرف تمام المعرفة عن طريق خليقته، ولا يمكن لنا أن نعرف الله إلا في شخص الابن المبارك «الله لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ» (يوحنا1: 18). «قَالَ لَهُ فِيلُبُّسُ: يَا سَيِّدُ، أَرِنَا الآبَ وَكَفَانَا. قَالَ لَهُ يَسُوعُ:... اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ» (يوحنا14: 8، 9).
2. لِيَخْدِم ثم يموت ليفدينا: قال الرب يسوع: «كَمَا أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ» (متى20: 28). إذا زار أحد الملوك مدينة ما في مملكته، فيكون ذلك غالبًا لكي يُخدَم، وليس ليُضحي بنفسه لأجل رعاياه. ولكن الرب يسوع نزل من السماء إلى الأرض ليخدم خلائقه، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين. وكم أدى من خدمات جليلة في شفاء المرضى وتطهير البرص وإعطاء البصر للعميان وإقامة الموتى وإخراج الشياطين، وعمل معجزات أخرى كثيرة! وفي النهاية، وضع حياته باختياره «مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا» (1كورنثوس15: 3). هذا هو الغرض الأكثر أهمية في تجسد المسيح؛ فلقد صار جسدًا لكي يموت كفارة وبديلاً عن البشر. ولاحظ أنه لو كان المسيح مجرد إنسان، لاحتاج هو لمن يفديه. لقد كانت أجرة الخطية موت (رومية6: 23)، ولقد اجتاز الموت إلى جميع الناس (رومية5: 12)، فهل يمكن للمائت أن يفدي غيره من الموت؟ لكن حمدًا لله، فإن ابن الله القدوس، الذي ليس فيه خطية، أتى لكي يرفع خطايانا (1يوحنا3: 5). «فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذَلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ، وَيُعْتِقَ أُولَئِكَ الَّذِينَ – خَوْفًا مِنَ الْمَوْتِ – كَانُوا جَمِيعًا كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ» (عبرانيين2: 14، 15). لقد قُدِّمت الذبيحة، والدَين قد سُدِّد، والعمل قد تمّ لجميع الذين يقبلونه بقلوبهم.
3. ليشاركنا الله في ظروفنا: إن تجسُّد ابن الله واجتيازه وادي الألم، يعني بالنسبة لنا أن الله ليس فقط يعرف ظروفنا من مطلق علمه كالله الخالق، بل يعرفها لأنه اختبر الحزن والألم نظيرنا. لقد أتى المسيح إلى الأرض التي تنبت الشوك والحسك، وشاركنا البشرية، وتجرَّب في كل شيء مثلنا ما خلا الخطية «لأَنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ» (عبرانيين2: 18).
4. ليدعو الخطاة إلى التوبة: إن إحدى العبارات التي قالها الرب بخصوص تجسده هي هذه: «لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ» (لوقا5: 32). وهذه الحقيقة تبدو غريبة، ذلك لأن المعروف بين الناس أن الإنسان لا بد وأن يُصلح نفسه قبل أن يقبل دعوة الرب يسوع. ولكن لو كان المُخلِّص قد أتى ليدعو الصالحين والأبرار بالطبيعة وبالعمل، لكانت دعوته بدون فائدة، لأنه «لَيْسَ بَارٌّ وَلاَ وَاحِدٌ. لَيْسَ مَنْ يَفْهَمُ. لَيْسَ مَنْ يَطْلُبُ اللهَ. الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ» (رومية3: 10-12). فمن حيث أن المسيح قد أتى ليدعو الخطاة إلى التوبة، إذن كخطاة يمكننا التمتع بهذه الدعوة المجانية الثمينة.
5. لكي يشفينا من الظلمة الأدبية والعمى الروحي: يتكلَّم الرب يسوع أيضًا بخصوص مجيئه الأول قائلاً: «أَنَا قَدْ جِئْتُ نُورًا إِلَى الْعَالَمِ، حَتَّى كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِي لاَ يَمْكُثُ فِي الظُّلْمَةِ» (يوحنا12: 46). إن مَن لا يعرفون الرب بالإيمان هم في ظلمة الخطية. ولغة كل منهم هي هذه: “لا أستطيع أن أرى لماذا يهتم الله هكذا بالخطية... لا أستطيع أن أفهم كيف يكون الله بارًا في عقابي... لا أستطيع أن أفهم لماذا يتحتم عليَّ أن أسلك طريقًا واحدًا للخلاص... لا أستطيع أن أفهم لماذا يجب عليَّ أن أختار المسيح أو أهلك”... كل هذه الأسئلة إنما هي إعلان العمى الروحي والظلام الذي يكتنف كل شخص من غير المُخلَّصين. والمُخلِّص المُبارك قد أتى ليطرد الظلمة، فكل مَن يؤمن به يكون له نور الحياة، ويستطيع أن يقول: «أَنِّي كُنْتُ أَعْمَى وَالآنَ أُبْصِرُ» (يوحنا9: 25).
6. لتكون لنا الحياة الفضلى: قال الرب يسوع: «أَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ» (يوحنا10: 10). بعيدًا عن المسيح يصف الله الإنسان كمن هو “ميت بالذنوب والخطايا” (أفسس2: 1). إنه في شديد الحاجة إلى الحياة التي لا يُعطيها إلا المسيح وحده. وهذه الحياه تُقدَّم مجانًا «لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا» (رومية6: 23).
«مَنْ لَهُ الاِبْنُ فَلَهُ الْحَيَاةُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ابْنُ اللهِ فَلَيْسَتْ لَهُ الْحَيَاةُ» (1يوحنا5: 12). ومن أهم الآيات التي تُشير إلى مجيء المُخلِّص هي هذه «لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (يوحنا3: 16). ليتك أيها القارئ العزيز تكون ممن تمتعوا بهذه الحياة الأبدية التي تُوهب بمجرد التوبة عن الخطية، والإيمان القلبي بالمسيح الفادي.