صفٌ مِن زجاجات الأدوية

كان “روبرت لويس ستيفنسن” طريح الفراش لسنوات عديدة، بسبب مرض السل الذي كان يُعاني منه. كان ضعيفًا وهزيلاً جسديًا، ولكن كان عنده إيمان كبير بالله؛ فكان دائمًا شاكرًا ومتهللاً، واثقًا في محبة الله التي لا تتغير، وفي حكمته التي لا تُخطئ قط. سَمِعَته زوجته في أحد الأيام يسعل سعالاً شديدًا، فقالت له: “أظن أنك ستقول لي أن هذا اليوم هو أيضًا يومٌ جميلٌ!” أجابها “ستيفنسن” وهو ينظر من نافذته إلى جمال الطبيعة في الخارج، وقال: “نعم، إني أعتقد ذلك، ولن أدع صفًا من زجاجات الأدوية يحجب الأفق الجميل الذي أمامي”!

وكان أحد خدام الرب مشهورًا بصلواته الحارة التي كان يُصليها مِن على المنبر، بحيث أنه كان دائمًا يجد شيئًا يشكر الله عليه في صلاته. وفي أحد أيام الآحاد، كان الطقس عاصفًا، ومظلمًا، وعابسًا، حتى أن أحد أعضاء الكنيسة قال لنفسه: “إني واثق بأن الخادم لن يجد شيئًا اليوم لكي يشكر الله عليه”! ولكن كم كانت دهشته عظيمة عندما بدأ الخادم بالصلاة قائلاً: “نشكرك يا أبانا لأن ليست كل أيام السنة مثل هذا اليوم”! وهكذا بالحقيقة وجد شيئًا يستطيع أن يشكر الرب عليه.

كان للرسول بولس وجهة نظر مماثلة في هذا الموضوع. لقد كانت لديه تجربة جسدية معيَّنة سمح الله أن تُبتلى بها حياته، وصفها بأنها شوكة في الجسد. ولقد تضرع الرسول ثلاث مرات إلى الرب بهذا الشأن لكي يُفارقه ذلك العائق، ولكن الله لم يستجب لطلبته، وهو الذي كان يشفي الآخرين! ولكنه أظهر له أن القوة الإلهية تُكمَل فقط في الضعف البشري، وهذا فقط ما أراح الرسول بولس، فلم نقرأ أنه تذمّر يومًا، أو ندب حظه، أو تذرع بضعفه كمبرر لكي يشتكي همه. بالعكس، لقد استخدم الرب الشوكة لإنجاح عمل الرب من خلال إبقاء الرسول بولس متواضعًا، لأن خدمة المسيح الناجحة تعتمد كثيرًا على خادم ضعيف. وبقدر ما يكون هذا الخادم ضعيفًا، ترافق قوة المسيح كرازته. ومن هنا، عوضًا عن التذمر والاعتراض من جراء الشوكة، أخذ يفتخر بالحري في ضعفاته. إنه الآن يريد أن يجثو على ركبتيه ويشكر الله لأجل تلك الضعفات. إنه يحتملها بكل شكر وسرور ما دام ذلك يؤول إلى حصوله على قوة المسيح (2كورنثوس12: 7-10). وما أعظم هذا الدرس! إذ أن الطبع المتذمر قد يُعكّر صفو رؤيتنا الروحية، ولكن الإيمان والرجاء بالرب، خلال وضع مثل ذلك، قد يكشفان آفاقًا واسعة أمام المؤمن. وقد لا ننال نجاتنا من ضيقاتنا، ولكن بالرغم من ذلك لنا السلام عينه الذي عبَّر عنه الرسول بولس. ونستطيع - بفضل القوة التي يمنحها الله لنا - أن نُردد مع “ستيفنسن”: “إن صفًا من زجاجات الأدوية لا يستطيع أن يحجب الأفق الذي أمامنا”!

ولذلك لا نستغرب أن نجد هناك موضوعًا يتكرر تقريبًا في كل رسائل الرسول بولس؛ ألا وهو الحثّ على تقديم الشكر دائمًا وفي كل الظروف؛ كتب إلى أهل تسالونيكي قائلاً: «اشْكُرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ، لأَنَّ هَذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ اللهِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ مِنْ جِهَتِكُمْ» (1تسالونيكي5: 18). وكتب إلى أهل فيلبي قائلاً: «لاَ تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ، بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ مَعَ الشُّكْرِ، لِتُعْلَمْ طِلْبَاتُكُمْ لَدَى اللهِ.وَسَلاَمُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْلٍ يَحْفَظُ قُلُوبَكُمْ وَأَفْكَارَكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (فيليبي4: 6، 7).وأيضًا إلى أهل أفسس كتب قائلاً: «شَاكِرِينَ كُلَّ حِينٍ، عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فِي اسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، لِلَّهِ وَالآبِ» (أفسس5: 20).

إن إعطاء الشكر للرب في كل ظرف ومناسبة، هو العلاج الإلهي لمشاكلنا. وحتى في أيام المِحن والتجارب، حيث يصعب علينا أن نكون شاكرين، يجب علينا أن نفكر بأننا نحيا في شخص المسيح ربنا. وعلينا أن نتذكر الذي عمله من أجلنا على عود الصليب، وكيف أنه – له كل المجد - ما زال يعمل فينا من خلال روحه القدوس. وعندما تكون صلواتنا بطيئة وثقيلة، فمن المؤكد أن أحد أهم العوائق يكمن في عدم تقديم الشكر لله لأجل ما سبق وعمله من أجلنا، وما زال يعمله!

عزيزي المؤمن:

هل تواجهك الصعوبات؟ ..

هل تبدو الظروف كلها وكأنها تعمل ضدك؟ ..

هل أنت متألم؟ .. حزين؟ .. مكتئب؟ .. مُفلس؟ .. منهار؟ .. يائس؟ .. صغير النفس؟ ..

هل خابت آمالك، ولم تتحقق أحلامك؟ ..

هل حدثت لك أو منك أمور غير متوقعة لم تكن في الحسبان؟ ..

ولكن،

هل تركك الله بلا أية بركة منه، أو ينبوع فيه ما يستحق أن تشكره وتسبحه لأجله؟

تذكَّر ما عمله الرب من أجلك على الصليب، وكيف أنه ما زال يعمل فيك بروحه القدوس. وعليك الآن أن تقرِّر أن تشكر الرب بالرغم من كل ما حدث لك. انظر إلى الجوانب الحسنة في وضعك الشاذ الذي تتخبط فيه، واشكر الرب! لأنه عجيب ولا يُقاس العلاج الذي يُسببه البدء في إحصاء بركات الرب عليك، وإعطائه الشكر لأجلها! لذلك فالعلاج هو في شكرك!

إِنَّ جُودَ اللهِ يَدْعُو لِلسُّرورْ



زَمَنَ الْخَيْرِ وَفِي وَقْتِ الشُّرُورْ

فَمَتَى أَمْسَتْ رَحَى الْبَلْوَى تَدُورْ



بَرَكَاتِ الرَّبِّ عَدِّدْ شاكرًا

بَرَكَاتِ الرَّبِّ عَدِّدْ شَاكِرًا



وَاعْتَرِفْ بِالْجُودِ حَتَّى فِي الْعَنَاءْ

كُلَّ صُبْحٍ وَمَسَاءٍ ذَاكِرًا



جُودَهُ السَّامِي بِحَمْدٍ وَثَنَاءْ