معجزات سد الاحتياج

أجرى الرب ثلاث معجزات لسد احتياجات الإنسان هي: تحويل الماء لخمر، وإشباع خمسة آلاف بخمس خبزات، وأربعة آلاف بسبع خبزات.

تحويل الماء إلى خمر

«كَانَ عُرْسٌ فِي قَانَا الْجَلِيلِ... قَالَتْ أُمُّ يَسُوعَ لَهُ: لَيْسَ لَهُمْ خَمْرٌ... قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: امْلأُوا الأَجْرَانَ مَاءً... ثُمَّ قَالَ لَهُمُ: اسْتَقُوا الآنَ وَقَدِّمُوا... دَعَا رَئِيسُ الْمُتَّكَإِ الْعَرِيسَ وَقَالَ لَهُ: كُلُّ إِنْسَانٍ إِنَّمَا يَضَعُ الْخَمْرَ الْجَيِّدَةَ أَوَّلاً، وَمَتَى سَكِرُوا فَحِينَئِذٍ الدُّونَ» (اقرأ يوحنا2: 1-11).

أول معجزة للمسيح، وأول شهادة عن قدرته. وما أبعد الفرق بينه وبين أول معجزة لموسى حيث حوَّل الماء لدم، وإيليا حيث منع الماء من النزول! والعجيب أن رجل الأحزان يفتتح خدمته بوليمة عُرس، ليعلن أنه المصدر الوحيد للفرح. ففي يوم ميلاده كانت البشارة للرعاة «أبشركم بفرح عظيم» وبعد موته وقيامته وصعوده كل من آمن به «مضى في طريقه فرحًا».

ليس لهم خمر: لبّى الرب دعوة حضور حفل العرس. ووجوده أنقذ العروسين من فضيحة، فلقد فرغت الخمر. وهنا قدَّمت المطوَّبة مريم طلبها في صورة خبر، لا في صورة أمر. بالضبط كما أخبرت مريم ومرثا الرب بخبر مرض لعازر. وهذا يعلِّمنا أن نلجأ للرب ونخبره عندما تتأزم الأمور. إن وجود الرب في البيوت وفي الحياة يسد كل احتياج، فقط علينا أن نفعل ما يقوله لنا.

أجران فارغة: الأجران هي أوان حجرية تُملأ بالماء – وليس بالخمر – للاغتسال والتطهير، ولكثرة الضيوف استُهلك الماء كله. فالأجران لم يكن بها آثار خمر أو حتى رائحته. ومن ملأها الخَدَم وليس التلاميذ، حتى لا يشك أحد أنها معجزة بكل المقاييس. وعدد الأجران 6 وهو رقم الإنسان الذي فرغ قلبه من كلمة الله بسبب الخطية. لكن عندما تسكن الكلمة القلب تملأه بالأفراح.

املأوا الأجران ماء: أمر من الرب لمن عرف وأمتلك كلمة الله، توجد قلوب كثيرة متعطشة، فلا نحتكر ما بين أيدينا بل نذهب ونملأها من أنهار الماء الحي.

الخمر: ذكرها هنا ليس مبرر لاستخدامها. أولاً لأن معنى الكلمة المستخدَمة هنا أنها غير مسكرة، وثانيًا أن اليهود شعب أرضي وبركاته أرضية ومباح لهم شربها. أما في العهد الجديد فالمؤمن سماوي وبركاته سماوية، وكنذير وملك وكاهن ليس له أن يشرب خمر (اقرأ لاويين10: 9؛ عدد6: 3؛ أمثال31: 4). ومكتوب أيضًا «لا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة» (أفسس5: 18).

الجيدة والدون: يقدِّم الشيطان الخطية في صورتها اللامعة البراقة، ومتى سكر الإنسان بها يحصد عواقبها الدون «لاَ تَنْظُرْ إِلَى الْخَمْرِ إِذَا احْمَرَّتْ حِينَ تُظْهِرُ حِبَابَهَا فِي الْكَأْسِ وَسَاغَتْ مُرَقْرِقَةً. فِي الآخِرِ تَلْسَعُ كَالْحَيَّةِ وَتَلْدَغُ كَالأُفْعُوانِ» (أمثال23: 31، 32).

معجزات إشباع الجموع

سجَّل الوحي لنا معجزتين لإشباع الجموع. نذكر الفرق بينهما ثم نتأمل في إحداهما.

الأولي

الثانية

وهي الأشهر ووردت في البشائر الأربع

وردت في متى15: 32؛ مرقس8: 1 فقط

قرب بيت صيدا
(منطقة يهودية)

بجوار العشر مدن
(منطقة أممية)

الآكلون خمسة آلاف رجل عدا النساء والأطفال

الآكلون أربعة آلاف رجل عدا النساء والأطفال

مصدر الخبزات غلام

لا يذكر مصدر الأرغفة

الفاضل اثنتا عشر قفة

الفاضل سبعة سلال

إشباع الخمسة الآلاف

«وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ تَلاَمِيذُهُ قَائِلِينَ: الْمَوْضِعُ خَلاَءٌ وَالْوَقْتُ قَدْ مَضَى. اِصْرِفِ الْجُمُوعَ لِكَيْ يَمْضُوا إِلَى الْقُرَى وَيَبْتَاعُوا لَهُمْ طَعَامًا. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: لاَ حَاجَةَ لَهُمْ أَنْ يَمْضُوا. أَعْطُوهُمْ أَنْتُمْ لِيَأْكُلُوا. فَقَالُوا لَهُ: لَيْسَ عِنْدَنَا ههُنَا إِلاَّ خَمْسَةُ أَرْغِفَةٍ وَسَمَكَتَانِ. فَقَالَ: ائْتُوني بِهَا إِلَى هُنَا. فَأَمَرَ الْجُمُوعَ أَنْ يَتَّكِئُوا عَلَى الْعُشْبِ. ثُمَّ أَخَذَ الأَرْغِفَةَ الْخَمْسَةَ وَالسَّمَكَتَيْنِ، وَرَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى الأَرْغِفَةَ لِلتَّلاَمِيذِ، وَالتَّلاَمِيذُ لِلْجُمُوعِ. فَأَكَلَ الْجَمِيعُ وَشَبِعُوا. ثُمَّ رَفَعُوا مَا فَضَلَ مِنَ الْكِسَرِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مَمْلُوءةً. وَالآكِلُونَ كَانُوا نَحْوَ خَمْسَةِ آلاَفِ رَجُل، مَا عَدَا النِّسَاءَ وَالأَوْلاَدَ» (متى14: 14-21 اقرأ أيضًا مرقس6: 23؛ لوقا9: 11؛ يوحنا6: 10).

المعجزة الوحيدة التي وردت في البشائر الأربعة ورآها واستفاد منها أكبر عدد من الناس. وفيها نرى:

• الخالق، وهو يهتم بالإنسان نفسًا وروحًا وجسدًا، فشفي أمراضهم، ثم علَّمهم كثيرًا، ثم أشبعهم.

• الغني في كل شيء، حين يجتمع إليه الآخرون، كيف يصرفهم جياعًا ليبتاعوا من غيره، وهو من قيل عنه «أعين الكل إياك تترجي وأنت تعطيهم طعامهم في حينه. تفتح يدك فتشبع» (مزمور145: 15، 16).

• القدير وصاحب السلطان، لم نرَه يفعل معجزة واحد لأجل نفسه. فهنا استخدم قدرته المعجزية لإشباع الآخرين ولم يستخدمها في إشباع نفسه لما جاع في البرية!

• الإيمان والعيان: رأي التلاميذ أن لا طاقة لهم ولا مورد لإشباع هؤلاء. وأن الموجود - خمس خبزات وسمكتان - لا شيء أمام الآلاف الجائعة. ونسوا - كآبائهم - أن الرب يَقدِر أن يرتِّب مائدة في البرية. فمَن جعل الخشب يغوص والحديد يطفو، ومن ملأ أوعية كثيرة من دهنة زيت، ومن عَالَ الملايين في البرية أربعين سنة؛ بإمكانه استخدام الإمكانيات البسيطة لأعمال عظيمة، فقط نقدِّمها له بإيمان، ولا نذكر ما بين أيدينا، وننسي من نحن في يده.

• هذه المعجزة قادت الجمع ليقتنع أن المسيح هو النبي الآتي الذي تكلم عنه موسي. لكنهم لم يروا - لعدم إيمانهم - أنه الرب الذي يردِّدون قوله في ترنيمة المصاعد «طعامها أبارك بركة مساكينها أشبع خبزا» (مزمور132: 15).

والخلاصة: في معجزة تحويل الماء لخمر نري صورة لدم المسيح الكريم الذي سُفك لأجلنا، وفي تكثير الخبز نري صورة لجسده المبذول عنا على الصليب. وهنا نرى «عطية الله»؛ قمة العطاء. فالمسيح لم يأتِ ليقدِّم حاجات الجسد من طعام بائد - أنه يفعل هذا مع طيور السماء - بل ليموت عنا على الصليب، ومن يقبله بالإيمان لا يحتاج معه لشيء فهو القائل «أنا هو خبز الحياة. من يقبل إليَّ لا يجوع ومن يؤمن بي لا يعطش أبدا» (يوحنا6: 35).