ذات يومٍ اصطحبني شيخٌ وقورٌ، اسمه الشيخ يوحنا، في زيارة سريعة إلى إحدى المستشفيات الكبرى، والتي كانت تكتظّ بالمرضى. هذه المستشفى تسمى “مستشفى الرحمة”، وهي تقع في إحدى العواصم الكبرى والشهيرة في منطقة الشرق الأوسط. كانت نسبة الإشغال في هذه المستشفى تصل أعلى المعدلات. وكانت عبارة عن خمسة أجنحة رئيسية لاستقبال المرضى، مبنية في دائرة مستديرة يتوسطها شيء يشبه حمَّام السباحة الكبير، يسمى بِرْكة (بكسر الباء). والغريب في هذه المستشفى أن المرضى الذين يترددون عليها لم يأتوا لكي يُعالجوا بالعقاقير الطبية التقليدية أو حتى الأعشاب الطبيعية، بل كعادة أهل الشرق الذين يميلون دائمًا للعلاج بما يُسَمَّى “الطب الروحاني” أي الذي يعتمد على تلاوات أو أدعية أو التبرُّك بأحد أولياء الله الصالحين أو ملاك من الملائكة ...الخ.
وقد توافد الناس إلى هذه المستشفى من كل حدب وصوب، لأن الاعتقاد الذي كان سائدًا في ذلك الزمان هو أن ملاكًا كان ينزل أحيانًا في ساحة المستشفى إلى ماء البِركة، ويُحرِّكُ الماء؛ والمريض الذي ينزل أولاً كان يبرأ من كل مرضٍ اعتراه. لذلك سُمّيت هذه البِركة “بِركة بيت حِسدا” أي “بيت الرحمة”. وبناء على هذا الاعتقاد، اجتمع جمهور كثير من مرضى وعمي وعرج ومشلولين، يتوقعون تحريك الماء. والكل يتوق للنزول بعد أن ينزل الملاك ويحرك الماء.
الكل كان على أُهْبَة الاستعداد. ولكن في وسط هذا الحشد الهائل من الناس، فوجئنا بشخص عظيم يقوم بزيارة مفاجئة لهذه المستشفى. لم يكن شخصًا عاديـًا، كما عرفت فيما بعد من الشيخ يوحنا، بل إنه الطبيب العظيم، والذي عنده القدرة والسلطان على الشفاء من جميع الأمراض. والعجيب أن هذا الشخص العظيم دخل المستشفى متخفيـًا في زي رَجلٍ عادي، كأنه من عامة الشعب. وبدأ يتفقّد المرضى بعينين فاحصتين، كاشفًا عن القلوب والكُلى دون أجهزة تحاليل متطورة أو أجهزة أشعة ذات تقنيات عالية. لم يكن محتاجـًا إلى كل هذه الأجهزة، بل كان يكفيه أن يقف أمام المريض برهةً، فيعرف كل ما يشتكي منه.
أثناء تجواله وسط المرضى، إذ به يقف عند حالة فريدة من نوعها، فقد كان المريضُ له زمانًا كثيرًا، فقد كان مريضًا منذ ثمانٍ وثلاثين سنة، مُلقى على الفراش لا يستطيع الحركة. ربما نتيجةً للمدة الزمنية الطويلة، أُصيب بما يُسَمّى بقُرَح الفراش التي جعلت حتى أصحاب القلوب الرحيمة ينفرون منه لأنهم لا يحتملون الرائحة الكريهة التي كانت تسببها هذه القُرَح. وحتى المرضى الذين كانوا معه في ذات القسم، كانوا كثيرًا ما يشمئزون من هذه الرائحة. ولكن هذا الطبيب العظيم، نراه يتَّجِه إلى القسم الذي يرقد فيه هذا الرجل. ووسط دهشة الجميع، يتجِها إلى هذا الرجل بالذات. وقف الطبيب وحوله لفيف من خدامه، يسُدون بأياديهم أُنوفَهم إتقاءً لهذه الرائحة الكريهة، ولكن لم يجسر أحدهم أن ينطق ببنت شفة. وبدأ الطبيب بالكلام مع الرجل المريض، وابتسامة عريضة على فمه بعثت الأمل من جديد في هذا الرجل، قائلاً: «أتريد أن تبرأ؟». وقعت هذه الكلمات على هذا مسامع هذا الرجل وقوع الصاعقة، ومن هول الدهشة أجاب قائلاً: «يَا سَيِّدُ، لَيْسَ لِي إِنْسَانٌ يُلْقِينِي فِي الْبِرْكَةِ مَتَى تَحَرَّكَ الْمَاءُ. بَلْ بَيْنَمَا أَنَا آتٍ، يَنْزِلُ قُدَّامِي آخَرُ» (يوحنا5: 7). فقال له الطبيب العظيم، الرب يسوع المسيح: «قُمِ! احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ. فقام الرجل على الفور وحمل سريه ومضى».
بحق كان هذا عملاً عظيمًا مُدهِشـًا؛ أن رجلاً بمثل هذه الحال يُشفى بهذه السرعة. ولكن ما أثار دهشتي أكثر هو ردود الأفعال بعد هذه المعجزة العظيمة، فلقد دهشت من أمرين وهما:
1– رد فعل المرضى
فالمرضى كثيرون يرقدون حول البركة، والكل يتوقع تحريك الماء لينالوا الشفاء، ولكن للأسف بعد أن رأوا هذه المعجزة لم يتحرك لهم ساكن، ولم يطلب أحدهم من الرب أن يشفيه، بل ما زال الكل منتظرًا ظهور الملاك. وهؤلاء صورة لقطاع كبير من الناس، يعرفون جيدًا أنَّ الراحة الحقيقية في شخص المسيح، ومع ذلك يلجأون إلى مصادر أخرى. ينطبق عليهم ما قاله إرميا عن الشعب قديمًا: «تَرَكُونِي أَنَا يَنْبُوعَ الْمِيَاهِ الْحَيَّةِ، لِيَنْقُرُوا لأَنْفُسِهِمْ أَبْآرًا، أَبْآرًا مُشَقَّقَةً لاَ تَضْبُطُ مَاءً» (إرميا2: 13). فبحق، عجبًا من أناس يعرفون جيدًا من هو الرب يسوع، ولكن مع ذلك يُفَضِّلون ألم المعاناة في البعد عنه على الراحة الحقيقية في القرب منه!!
2– رد فعل اليهود
كان اليهود يحقدون على الرب يسوع المسيح، ويحاولون أن يصطادوه بكلمة؛ فلم يستطيعوا. ولكن هذه المرة اعترضوا على الرجل وسألوه: «“مَنْ هُوَ الإِنْسَانُ الَّذِي قَالَ لَكَ: احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ؟”. وَلِهذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْرُدُونَ يَسُوعَ، وَيَطْلُبُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، لأَنَّهُ عَمِلَ هذَا فِي سَبْتٍ» (يوحنا5: 16).
وهنا يظهر شرَّ اليهود في مقاومتهم للرب يسوع، ليس حفاظًا على السبت، ولكن لأن الرب دائمًا كان يكشف زيفهم وكذبهم وعبادتهم الشكلية التي يبغون من ورائها مكسبًا ماديًّا، كما كشفه الرب في عيد الفصح قبل ذلك عندما طردهم من الهيكل قائلاً: «لاَ تَجْعَلُوا بَيْتَ أَبِي بَيْتَ تِجَارَةٍ!» (يوحنا2: 16). وهذا هو طابع اليهود الذين كانوا دائمًا يستغِلّون الأمور الدينية للمكاسب الماديّة. ولا يُستبعد أنهم استَغَلّوا موضوع تحريك الملاك لمياه البركة استغلالاً ماديًا وتجاريًا. ولكن عندما جاء المسيح وشفى أصعب حالة مرضية كانت موجودة، جعل هذا يُهَدِّد نشاطهم التجاري، فلا بد من المقاومة. كما حدث بعد ذلك مع بولس عندما ذهب للكرازة في أفسس فقاومه ديمتريوس الصائغ ومن معه.
عزيزي القارئ.. يا من تعاني من هموم ومشاكل كثيرة ومزمنة، تعال للرب يسوع المسيح الطبيب العظيم الذي يداوي كل أمراضك المزمنة والحادة والمستعصية، وأصعب مرض عانت منه البشرية كلها ولا زالت تعاني منه، هو مرض الخطية، فإذا كنتَ تعاني من مرض الخطية فلا أمل في الشفاء إلاّ على يدي هذا الطبيب العظيم. فاقبِل إليه الآن.