عندما تكلم الرب يسوع لم يتكلم إنسان مثله، فقد كانت كلماته بالنعمة والرحمة للإنسان. فلم نسمعه يطلب ما هو لنفسه، بل ما هو لآخرين. كان يطلب الهالكين ليخلِّصهم. والمُتعَبين ليريحهم. لذا أردنا أن نقف، عزيزي القارئ، في هذه السلسلة التي نبدأها معك في عددنا هذا، عند كلمتين اثنتين فقط نطق بهما الرب يسوع كثيرًا، وهما «أنا هو». خمسة أحرف في لغتنا العربية، لكنهم يحملون الكثير من الحقائق والبركات الثمينة لنفوسنا.
«أنا»: نري أولا أنه عندما يقول الرب يسوع “أنا” لا يشير ورائها إلى عظمة أو مركز أو مجد خاص به، رغم أنه يستحق. ولا يوحي بشيء يطلبه لنفسه أو شيء يريده لذاته كما يفعل الناس. بل وراء كل “أنا” كان يقولها نقرأ عن محبة وعطاء وبذل لخير وفائدة الآخرين.. أنا أعطي.. أنا آتي.. أنا أريحكم.
«أنا هو»: أو “أنا كائن” المشتقة من الفعل “أكون”. تكررت عن الرب يسوع في العهد الجديد حوالي 34 مرة كالآتي: 21 مرة في إنجيل يوحنا، و8 مرات في متى ومرقس ولوقا، و5 مرات في سفر الرؤيا. قالها الرب: أثناء خدمته، وعند صلبه، وبعد قيامته، وبعد صعوده. قالها على مسامع التلاميذ، واليهود غير المؤمنين. ولأنها تشير بالأولى – كما سنرى لاحقًا – إلى لاهوت المسيح؛ فنشير أن كلمة «أنا هو» قالها الله في العهد القديم عن نفسه حوالي 12 مرة، منها 8 مرات في نبوة إشعياء.
قال الرب يسوع عن نفسه «أنا هو»، وقال عنه الآب «هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ» (متى3: 17)، وقال عنه الروح القدس «يَسُوعُ الْمَسِيحُ هُوَ هُو أَمْسًا وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ» (عبرانيين13: 8).
من هو: وهنا أقتبس بعض الكلمات من كتاب "أرني أين قال المسيح أنا الله فأعبدوني" لخادم الرب الأخ يوسف رياض:
ما الذي يعنيه قول المسيح «قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن» (يوحنا8: 58). إنه لا يقول “أنا كنت” بل “أنا كائن” إنها كينونة لا علاقة لها بالزمن، كينونة دائمة! إن عبارة “أنا كائن” تعادل القول “أنا الله” أو “أنا الرب” أو “أنا يهوه” الذي هو اسم الجلالة بحسب التوراة العبرية، ويعني الواجب الوجود والدائم، الأزلي والأبدي. فمن يكون ذلك سوى الله؟ إنه هو الذي ظهر لموسى في العليقة وأرسله لبني إسرائيل وقال له “أهيه الذي أهيه”. هكذا تقول لبني اسرائيل “أهيه” أرسلني اليكم (خروج3: 13، 14).
والخلاصة: “أنا كائن” التي قالها المسيح لليهود، هي كلمة “أنا هو” وهي نفس الاسم “أهيه الذي أهيه”. فمن يكون المسيح الذي يتكلم هنا إلا ذات الإله الذي تكلم لموسى في العليقة! وبهذا، فالمسيح لا يأخذ لنفسه اسمًا أو مركزًا ليسا له فهو «لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله» (فيلبي2: 6). فهل عرفته هكذا عزيزي القارئ؟ ليتك تكون قد عرفته وآمنت به قبل أن تقف أمام كلماته التي ستقرأها الآن. لأنك إن لم تعرفه فلن تعرف كلامه. «فَقَالُوا لَهُ: "مَنْ أَنْتَ؟" فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: "أَنَا مِنَ الْبَدْءِ مَا أُكَلِّمُكُمْ أَيْضًا بِهِ"» (يوحنا8: 25). وأطمئنك إن كنت قد عرفته فأنت قد عرفت الآب «لَوْ كُنْتُمْ قَدْ عَرَفْتُمُونِي لَعَرَفْتُمْ أَبِي أَيْضًا. وَمِنَ الآنَ تَعْرِفُونَهُ وَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ» (يوحنا14: 7). وإن كنت قد آمنت به فقد آمنت بالآب «فَنَادَى يَسُوعُ وَقَالَ: “الَّذِي يُؤْمِنُ بِي، لَيْسَ يُؤْمِنُ بِي بَلْ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي”» (يوحنا12: 44).
أنا هو... إنه شيك مفتوح، مقدَّم لكل إنسان يأتي للمسيح ويقبله ويؤمن به. وما عليك قارئي العزيز إلا الاعتراف بحالتك، فستجد في المسيح ما ترجوا وأكثر. فمثلاً: إن كنت ضالاً ستجده يقول لك «أنا هو الراعي الصالح» الذي يردَّك لمكانك. وإن كنت ميتًا بالذنوب والخطايا تجده يقول لك «أنا هو الحياة». وإن كنت خائفًا من أي شيء يقول لك «أنا هو لا تخافوا»... وهذا ما سنراه لاحقًا بالتفصيل. فقط أردنا في البداية أن نعرف من هو الشخص العظيم الذي يقول لنا «أنا هو».
وسنبدأ بمعونة الرب من العدد القادم بالتأمل في هذه الكلمات وما تحمله لنا من حقائق لفائدتنا.