يا ما في الحبس كوامي

“كوامي إجامو”، انتشر هذا الاسم منذ بضعة شهور، في كل وسائل الإعلام. كاشفًا عن واحدة من القصص المؤلمة جدًا التي تتكشف لنا من وقت لآخر؛ فصاحب هذا الإسم هو أمريكي الجنسية، كان عمره 17 عامًا عندما حُكم عليه بالسجن في قضية قتل في كليفلاند بولاية أوهايو الأمريكية. وفي يوم 9 ديسمبر 2014، وبعد أن قضى “كوامي” أربعين عامًا من السجن، حكمت المحكمة ببراءته بعد أن ثبتت براءته بالفعل. وكان قد بلغ من العمر 57 عامًا!!

عاش “كوامي” مظلومًا لأربعين عامًا، ضاعت زهرة شبابه وأجمل أيام حياته في السجن، ظلمًا.

والقصة تقول إنه بعد أن نطقت القاضية “باميلا باركر” بحكم البراءة، تركت منصة القضاء، وجاءت إلى “كوامي” وانحنت أمامه ثم عانقته، بينما هو يبكي، كما توضح الصور. ربما يبكي بسبب ظلم الأربعين عامًا، وربما يبكي من فرحته بالبراءة. ربما حزنًا على شبابه الذي ضاع في غياهب السجن، وأجمل سنوات عمره التي فقدها خلف أسوار الظلم. وربما كان يتذكر أهله وأقاربه وأصحابه الذين صدَّقوا التهمة، وتخلّوا عنه، أو تأثرًا بأولئك الذين لم يصدِّقوا وأصروا أن يقفوا بجواره كل هذا الوقت.

ومهما فكرنا في أبعاد الأمر، سيبقى “كوامي” هو الوحيد الذي يعرف جيدًا طعم الظلم، والبراءة؛ قسوة القضاء في حكمة عليه بالسجن، وعظمته في اكتشاف البراءة؛ برودة الوحدة في السجن، ودفء لحظة البراءة. أربعون عامًا من الحزن واليأس والخوف والمرارة والحسرة والحرمان والضيق، ثم في دقائق معدودة ظهرت الحقيقة الغائبة، وصار “كوامي” حُرًا طليقًا.

قصة مؤثرة ومؤلمة ومُعلِّمة لنا. لكننا سنكتفي بالحديث مع ثلاثة فئات من البشر، نراهم في بطل قصتنا وهم:

المسجونون

لا أتكلم هنا عن المسجونين في قضايا مدنية أو جنائية، بل عن المحبوسين خلف قضبان الشر والخطية، أولئك الذين يعانون من الحزن والضيق والتعب بسبب حياة البُعد عن الله، المخدوعين بحلاوة الخطية، والمقيَّدين بسلاسل الشهوة، مستعبَدين لذلك السيد القاسي الذي يخدعهم يومًا فيومًا بأكاذيب ماكرة بهدف إبعادهم عن المسيح الذي هو «الطريق والحق والحياة» (يوحنا14: 6). يشعر كل من هو بعيد عن الله بذات المشاعر التي يشعر بها كل مسجون لم يحصل على حريته بعد؛ بالقهر، واليأس، والخوف، والفشل. يشعر أنه بلا هدف، وأن لا معنى لحياته. يشعر بأنه مجرد رقم بلا قيمة. الكل يبغضونه، ويتنصلون منه. أقرب الناس إليه لا يرغبون فيه! وهكذا يقودهم الشيطان في طريق وعر يزداد صعوبة وسوءًا كل يوم.

عزيزي يا من تُعاني من ذلك السجن القاسي، لماذا لا تأتي الآن لمن يستطيع وحده تحريرك منه؟ لقد قال المسيح: «فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا» (يوحنا8: 36). هو المحرِّر، هو المخلِّص الوحيد الذي «لَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ» (أعمال4: 12). لا تجعل شبابك يضيع بلا معنى، ولا تفقد أجمل سنوات حياتك في تفاهات، وأكاذيب يخدعك بها الشيطان؛ ثم تندم على ما فاتك. صلِّ الآن طالبًا من المسيح أن يحرِّرك ويفُكّ كل قيودك، ويخلصك من أتعابك وثقل خطاياك الآن.

المظلومون

ربما تعرَّضنا جميعنا للظلم بشكل أو بآخر، ربما في مدرستك، أو في مجال عملك، وربما في بيتك ومن أقرب الناس لك. وربما من مؤمنين كنت لا تتوقع يومًا أن يفعلوا معك ما فعلوه. كما أن الظلم له صور وأشكال متعدده، فهناك كلمات قد تُقال ظلمًا عليك، وهناك أفعال وقرارت ظالمة وصادمة تتُخذ ضدك في لحظة ما. وهناك من يظلمك بتوجيه أتهامات كاذبة لك... وهكذا. وكلمة الله تؤكد لنا الأرض ملآنة ظلمًا (تكوين6: 11). فما دام الشيطان هو رئيس هذا العالم (يوحنا12: 31؛ 14: 30) سيظل العالم ممتلئًا بالظلم والفساد والأكاذيب. وأعظم من ظُلم على هذه الأرض هو سيدنا المعبود، ربنا يسوع المسيح الذي «ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ» (إشعياء53: 7). وهذا ما يعطينا الصبر وقوة الإحتمال على كل ما نتعرض له من ظلم وافتراء في حياتنا، حتى يأتي اليوم الذي سينتهي فيه كل ظلم، وكذب، وحزن في الأرض. وقتها لن ينحني أمامك القاضي ويعانقك كما فعلت “باميلا باركر” في قصتنا. بل إن القاضي العادل، وسيد كل الأرض، ورب الأرباب سيتمنطق ويتكئنا ويتقدم ويخدمنا (لوقا12: 37). سيكافئك ويعوِّضك عن كل لحظة ألم وظلم عانيتها في حياتك، وسيمسح كل دمعة من عينيك بسبب معاناتك وضيقتك وكل ظلم تعرضت له في حياتك. لن تبكي هناك في أحضانه كما فعل «كوامي» إنما ستفرح وستنسى كل تعب وضيق وحزن عانيته يومًا. «وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ» (رؤيا21: 4). وقريبًا جدًا ستأتي هذه اللحظة السعيدة. فما عليك إلا أن تحتمل، ناظرًا إليه، ومنتظرًا لحظة المكافأة والتعويض التي تنتظرك.

إلى المُحرَّرَيِن

تُرى ماذا فعل “كوامي” بعد خروجه من السجن؟ ربما في طريقه للبيت كان يخبر كل من يلتقيه بقصته، وربما انشغل بلقاءات صحفية وتليفزيونية يحكي فيها قصة معاناته الني عاشها على مدى أربعين عامًا. ولا نستبعد أنه قام بعمل زيارات لأولئك الذين يعانون من الظلم والضيق في حياتهم ليكون سبب تشجيع وسند لهم من خلال قصته المؤثرة.

وأنت يا عزيزي الشاب، يا من تذوقت طعم الحرية في المسيح، وعرفت معنى الخلاص من عبودية الخطية والشر. ماذا فعلت؟ هل تعيش حياتك كأي إنسان عادي. تدرس وتلهو وتذهب للكنيسة يوم الأحد، ثم تقضى بقية الأسبوع كبقية الشباب؟ أم أن لك هدفًا آخر، وحياتك لها معنى حقيقي في المسيح. هل تبحث عن المأسورين؟ هل تشارك أصحابك بمحبة المسيح لهم؟ هل تصلي لأجلهم، وتساعدهم على اتخاذ القرار بتبعية المسيح؟

فكر في الأمر جيدًا، وصلِّ لكيلا تكون حياتك مجرد حياة عادية بلا معنى أو هدف حقيقي. صلِّ لكي يعطيك الرب كلامًا لأصحابك، وأقربائك، وجيرانك. شارك الناس بخلاص المسيح ومحبته وقدرته على التحرير. ولا تنشغل كثيرًا بما ستقوله لهم وقتها لأن الرب وعد أن يعطينا كلامًا. الجميع من حولك يحتاجون لكلمة الله المشبعة للقلب. فقدِّمها لهم وثق أن كلمة الله لا ترجع فارغة أبدًا (إشعياء55: 11).