يسقط كثيرون منا في أخطاء متعدّدة في الحياة؛ منها الصغيرة ومنها الكبيرة الفادحة. وأودّ في هذا المقال، أن أجيب عن هذا السؤال: ماذا أفعل بأخطائي؟ عليَّ أن أتعلّم منها، وأتفاداها فلا أدعها تعوق تقدُّمي واستمراري. لكن كيف أفعل ذلك؟ وتأتي الإجابة في شقّين:
أتعلّم من أخطاء غيري وأتعلّم من أخطائي أنا أيضًا.
الحكيم هو الذي يتعلّم من أخطاء غيره. سمعت قصة رمزية عن دب وذئب وثعلب ذهبوا إلى الصيد. وبعد يوم طويل اصطاد كل واحد منهم غزالاً. فجاء موعد اقتسام الغنيمة. فقال الدب: “ما رأيكما يا صديقيّ، كيف نتقاسم الغنيمة؟” فأجاب الذئب بلا تردد وقال: “كل واحد يأكل غزاله الذي اصطاده!” فانزعج الدب من كلام الذئب فقتله وأكله للتوِّ. وكان الثعلب يراقب المشهد بخوف شديد. فسأل الدب ثانية “كيف سنتقاسم الغنيمة؟” فبُهت الدُبّ من موقف الثعلب فسأله: “ومن أين حصلت على هذه الحكمة كلها؟” فقال الثعلب: “لقد علّمني الذئب كثيرًا”.
مهما كنت حكيمًا، فهناك أشخاص أحكم منك. يقول المثل الشعبي: “ما بيوقع إلا الشاطر”. فلماذا نكرِّر الأخطاء نفسها التي وقع فيها غيرنا؟ إنها علّة تسكن في داخل كل إنسان منّا، أمست تلاحقنا في المواقف كلها: الكبرياء. فنحن نرى أنفسنا أفضل من غيرنا، ونرى دائمًا أن قراراتنا أحكم من تلك التي يأخذها زملاؤنا في العمل أو أصدقاؤنا. الكبرياء هي أنك ترى نفسك بلا خطإ. ولمزيدٍ من التوضيح، الكبرياء هي الادّعاء بأنَّك لو كنت مكان الذئب لَمَا ارتكبت ذلك الخطأ الذي أودى بحياته. هذه الطبيعة التي فينا تقنعنا، بل تخدعنا، بأننا أكثر حكمة من الذين يقعون في أخطاء متعددة. لكن حقيقة الأمر هي أن كل واحد منا له ضعفاته وسقطاته، ومهما ازداد حكمةً ومعرفةً، فلن يصل إلى الكمال المطلق. فعندما يرتكب غيري خطأ ما، ينبغي أن يولِّد ذلك عندي حافزًا على التعلم وأخذ العِبر. وإضافة إلى ذلك، عليَّ الاحتراس من أن أشمت بأخطاء غيري، فلعلّي أسقط في الخطإ عينه قريبًا فتكون عاقبتي أسوأ. ويذكر الكتاب المقدَّس أخطاء أشخاص كثيرين، بمن فيهم الأنبياء والأبطال. ويؤكد هذا الواقع بالقول: «وَهذِهِ الأُمُورُ حَدَثَتْ مِثَالاً لَنَا» (1كورنثوس10: 6). إن الحكيم هو الذي يتعلّم من أخطاء غيره، وليس ذاك الذي يسلك في المسار نفسها آملاً في نتائج مختلفة. اعزم في قلبك على أخذ خطوات حكيمة مبنية على قرارات مدروسة وصحيحة.
ثانيًا، يجب علينا أن نتعلم ليس من أخطاء غيرنا فحسب، بل من أخطائنا الشخصية أيضًا.
قرأت قصة عن رجل اسمه لويس واترمان عمل كموظف في شركة تأمين في مدينة نيويورك في سنة 1883. في ذات يوم كان واترمان على وشك بيع أفضل بوليصة تأمين لأحد رجال أعمال المدينة. فبعد وقت طويل في كتابتها وطبعها، أخذها إلى رجل الأعمال آملا أن يمضيها بقلم الحبر السائل الذي اشتراه مؤخرًا. فتعطّل القلم وانكسر، فانسكب الحبر السائل كله على أوراق البوليصة، الأمر الذي تسبّب في إتلاف العقد كله. فاعتذر واترمان لرجل الأعمال ووعده بأن يعدّ عقدًا جديدًا وأن يحضره له بعد بضعة أيام. لكنه صُدِم كثيرًا عندما علم أن رجل الأعمال قرر عدم المضي قُدمًا في العقد. لقد خسر صفقة كبيرة نتيجة خطإ بسيط ارتكبه، وهو عدم فحص القلم قبل استخدامه. لكن هل تعلّم واترمان من خطئه؟ بكل تأكيد. فبعد خسارته، بدأ واترمان في صناعة أقلام الحبر السائلة بعد سنة من فشله كموظف تأمين. ثم فتح مصنعًا في مدينة مونتريال سنة 1899، واخترع مجموعة مدهشة من الأقلام ذات التصاميم الجميلة. وأُدخل اسم لويس واترمان في قاعة مشاهير المخترعين في سنة 2006 ليصبح مخترعًا لأجود أقلام الحبر السائلة في العالم.
وبيت القصيد هُنا: هل تستطيع أن تحوِّل أخطاءك إلى بركة في حياتك؟ نعم، تستطيع ما دُمتَ تملك روح التواضع والاستعداد للتعلم من الخطإ. لقد دفع واترمان ثمنًا باهظًا حينما خسر تتميم العقد مع رجل الأعمال. لكنه لم يمشِ في مسار الفشل وندب حظه طويلاً. بل عزم على أخذ قرار استطاع من خلاله تحويل الخسارة إلى ربح، والفشل إلى انتصار.
ينبغي كمؤمنين بالمسيح أن نبني حياتنا وحكمتنا على المسيح وتعاليمه. فهو «الْمُذَّخَرِ فِيهِ جَمِيعُ كُنُوزِ الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ» (كولوسي2: 3)، وإلاّ افتضح حُمقنا وتهدَّمت حياتنا. «وَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَلاَ يَعْمَلُ بِهَا، يُشَبَّهُ بِرَجُل جَاهِل، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الرَّمْلِ. فَنَزَلَ الْمَطَرُ، وَجَاءَتِ الأَنْهَارُ، وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ، وَصَدَمَتْ ذلِكَ الْبَيْتَ فَسَقَطَ، وَكَانَ سُقُوطُهُ عَظِيمًا!» (متى7: 26، 27).
ومن المهم جدًا أن يكون لنا أصدقاء حكماء نلجأ إليهم عند الحاجة: «وأمّا سامع المشورة، فهو حكيم» (أمثال12: 15).
سألني أحد أصدقائي، ماذا ستفعل لو علمت أنك لن تفشل؟ يا له من سؤال عظيم! إنه سؤال يدفعني إلى التفكير الجدي. إنه سؤال يجعلني أحلم من جديد. يحثني على تحديد أهداف ومرامٍ جديدة لحياة الخدمة التي أقوم بها.
لكن السؤال الأهم: ماذا تتعلم عندما تفشل وتخسر؟
بطبيعتنا كبشر، نحن نحب التكلّم عن نجاحنا والأمور التي تميّزنا، ولا نكترث بذكر فشلنا وخسارتنا أو حتى أخطائنا. نحن لا نشعر بارتياح عندما نتكلم عن ضعف أو أمر سبّب لنا خسارة مادية أو علاقية أو مِهنية. فليس عيبًا أن نشخّص مشكلتنا أو خطأنا. لكن العيب يكمن في عدم اعترافنا وتجاهلنا بحقيقة خطئنا. لا يفكّر الأشخاص الناجحون بهذه الطريقة. فالناجح يعرف خطأه دائمًا ويسعى إلى التعلُّم وكسب الحكمة منه، والاجتهاد في إصابة الهدف في الفرص القادمة. لا تحاول تبرير خطئك أو أن تهرب من فشلك بإلقاء اللوم على غيرك، أو على الظروف، أو ربما على الله. بل تعلّم من خطئك وابذل كل جهدك ألا تسقط مرة ثانية.
وخلاصة الموضوع هو أن «اللهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ الْفَشَلِ، بَلْ رُوحَ الْقُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالنُّصْحِ» (2تيموثاوس1: 7). فلا تفشل، بل اجعل في قلبك أن ترتقي فوق الأخطاء والمعطلات وكل فشل يأتي في طريقك.