تقدم السجين البلجيكي الخطير “فرانك فان دن بليكين” بطلب رسمي إلى السلطات البلجيكية من أجل إنهاء حياته وتنفيذ حكم الموت الرحيم - الإعدام - فيه، تطبيقًا لقانون مساعدة المسجونين على الوفاة الذي صدر في عام 2002 بعد موافقة البرلمان البلجيكي عليه.
كان بليكين قد أُدين في قضايا اغتصاب وقتل في ثمانينيات القرن الماضي، وعلى أساسها تم الحكم عليه بالسجن مدى الحياة للحد من خطورته على المجتمع والسيطرة عليه بقدر الإمكان. لكن بالرغم من مرور سنين طويلة عليه خلف قضبان السجن، مسلوب الإرادة والحرية، إلا إنه كان بالفعل سجين شقي من النوع المشاكس والذي يصعب التحكم فيه. حيث إن مشكلته الأساسية كانت تكمن في ضعفه الشديد أمام نزعاته الجنسية مما جعله يشعر بآلام نفسية بشعة وفراغ رهيب لا يُحتملا. وعلى هذا الأساس تقدَّم بطلبه لإنهاء حياته؛ إذ إنه فقد الأمل في العيش حياة إنسانية شريفة بعيدًا عن القيود الجنسية التي كانت تسيطر عليه وتقيِّده بشدة بقيود أقوى من قيود السجن نفسه. تقدَّم بليكين بطلبه لتنفيذ حكم الموت الرحيم فيه عام 2011 بعد أن أدرك عدم جدوي الحياة؛ إذ إنه لن يُطلق سراحه أبدًا من السجن وما أضاف الأوجاع عليه هو بئر النجاسة والخطية الغارق فيها.
بالفعل، تم اقتياد السجين الخطير لتنفيذ حكم الموت “الرحيم” فيه بعد ثلات سنوات (عام2014) بواسطة الأطباء في مستشفى خاص للسجناء.
صديقي.. صديقتي.. تألمت جدًا عندما قرأت هذه القصة المأساوية التي أوصلت صاحبها بأن يطلب الموت لنفسه وبصور رسمية من الحكومة. تذكرت قول الرب يسوع عن الشيطان: «اَلسَّارِقُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ لِيَسْرِقَ وَيَذْبَحَ وَيُهْلِكَ، وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ» (يوحنا10:10). تأملت الفارق الرهيب ما بين إنسان أعطى حياته لإبليس للدرجة التي يطلب فيه الموت لنفسه، وآخر وجد الحياة الفضلى من خلال شخص المسيح، وذلك في نقاط قليلة أريد أن أشاركها معك:
1- خطأ كل البشرية
لا اعتقد أن أحد منا يستطيع أن يشير بإصبع الإدانة أو الاتهام إلى بليكين كشخص سقط في بئر الشر والخطية من دون أن يشير إلى نفسه أنه أول الخطاة، مثل بولس الذي صرخ عندما أدرك حقيقة نفسه أمام نعمة وخلاص المسيح قائلاً: «الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ الَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا» (1تيموثاوس1: 15). وهذا ما يؤكده ويوضحه الكتاب المقدس بطوله وعرضه عن سقوط كل البشر في الشر والخطية والنجاسة إذ «الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ» (رومية3: 12). لذا صدر التقرير الإلهي عن القلب والفكر البشري «كُلُّ الرَّأْسِ مَرِيضٌ، وَكُلُّ الْقَلْبِ سَقِيمٌ. مِنْ أَسْفَلِ الْقَدَمِ إِلَى الرَّأْسِ لَيْسَ فِيهِ صِحَّةٌ» (إشعياء1: 6،5). فهذا ما أدركه أيضًا أبينا داود قائلاً «هأَنَذَا بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ، وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي» (مزمور51: 5). وأقرَّه النبي إشعياء في نبوته «ومن البطن سُمِيت عاصيًا»، ثم أضاف لاحقًا «كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلى طريقه» (إشعياء48: 8؛ 53: 6).
2- إبليس وقيود العبودية
كانت مشكلة بليكين الأساسية ليست في السجن مدى الحياة وقيود الحرية لحياته الشخصية، لكنها كانت تكمن في ضعفة وعجزه أمام قيود الشهوة والخطية التي طرحت به أصلاً خلف القضبان، وهذا ما يؤكِّده حكيم الحكماء سليمان في أمثاله «الشِّرِّيرُ تَأْخُذُهُ آثَامُهُ وَبِحِبَالِ خَطِيَّتِهِ يُمْسَكُ» (أمثال5: 22)، وبالأخص الخطايا الجنسية منها «لأَنَّهَا طَرَحَتْ كَثِيرِينَ جَرْحَى، وَكُلُّ قَتْلاَهَا أَقْوِيَاءُ» (أمثال7: 26). هذه هي أكبر حيلة يخدع بها إبليس فرائسه إذ يقيدهم بقيود العبودية حتى ينطبق عليهم قول الرب يسوع نفسه «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ» (يوحنا8: 34). ووصف ذلك السيد القاسي إبليس قائلاً «ذَاكَ كَانَ قَتَّالاً لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ» (يوحنا8: 44). تلك الصورة بعينها نراها واضحة جدًا في مجنون كورة الجدريين “لاجئون” الذي كان قد «رُبِطَ بِسَلاَسِل وَقُيُودٍ مَحْرُوسًا، وَكَانَ يَقْطَعُ الرُّبُطَ وَيُسَاقُ مِنَ الشَّيْطَانِ» (لوقا8: 29).
3- المسيح والحرية الحقيقية
كان الحل الأنسب للسلطات البلجيكية هو الرضوخ لطلب بليكين بالموت الرحيم، بعد صراع لمدة 3 سنوات تطبيقًا للقانون؛ ومنها نستنتج عجز الإنسان عن إصلاح وتهذيب الإنسان، بالرغم من القوانين الصارمة، وحتى ولو بالسجن سنين هذا عددها. أما الرب يسوع المسيح المخلِّص الأعظم والأوحد جاء لعالمنا هذا و«جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ» (أعمال10: 38). لقد لخَّص رسالته قائلاً: «رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ» (لوقا4: 18). فهو الذي جاء ليعطي الحياة لمن فقد الرجاء وأي أمل فيها، فهو الذي أعلن «وَأما أنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ» (يوحنا10:10)، مؤكِّدًا أن هذه الحياة الفضلى ستكون مملؤة بالفرح، السلام، الحرية «فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا» (يوحنا8: 36). فهو «يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ أَيْضًا إِلَى التَّمَامِ» (عبرانين7: 25).
عزيزي.. عزيزتي.. قد تكون مربوطًا بقيود الشهوة والنجاسة ولا تجد أي رجاء. لعلك حاولت طرقًا كثيرة للشفاء، لكنها أضافت الألم ولم يعُد ينفع أي دواء، لكن الرب يسوع نفسه يبحث عنك؛ فهو القادر أن يشفي من كل داء، إنه أقرب من الأهل والأصدقاء. فهل تُقبل إليه وتتجاوب مع أرق نداء؟