حذاء والدة الرئيس

كان الجندي فلاديمير سبيريدوموفيتش “Vladimir Spiridonovich” يشتاق كثيرًا لزوجته “Maria Ivanovna” لقضاء أجازة قصيرة كان قد حصل عليها في مدينه “لينينغراد” بعد أن أمضي وقتًا طويلاً بعيدًا عنها أثناء خدمته في جيش بلاده في الحرب العالمية الثانية. لكن للأسف، تحوّلت تلك الأشواق إلى صدمة كبيرة بمجرد وصوله، إذ رأى شاحنة عسكرية محمّلة بالجثث ومتوقفة إلى جانب الطريق الرئيسي في المدينة. كانت قوات العدو قد قصفت المدينة عشوائيًا، وسقط العشرات بين قتلى وجرحى، وجرى تجميع الجثث في الشاحنة تمهيدًا لنقلها إلى مقبرة جماعية. وقف الجندي المكلوم أمام الجثث المتكدِّسة حزنًا وتأثُّرًا، لكنه لاحظ أن هناك حذاء في قدم سيدة يشبه حذاء سبق أن اشتراه لزوجته الغالية، فتوجه نحو بيته مسرعًا للاطمئنان عليها. ولما لم يجدها، عاد بسرعة إلى الشاحنة ليتفحص جثة السيّدة. وإذ بها زوجته!!

عزّ على فلاديمير أن تدفن زوجته في مقبرة جماعية، لذلك طلب سحبها من كومة الجثث لنقلها إلى منزله تمهيدًا لدفنها بشكل لائق. ولكن كانت المفاجأة الكبرى أن زوجته لم تمت وبها القليل من نبض الحياة، تتنفس ببطء وصعوبة؛ فحملها إلى المستشفى حيث أجريت لها الإسعافات اللازمة، فاستعادت الحياة من جديد.

وبعد بضعة سنوات، حبلت الزوجة، التي كادت أن تُدفن حيّة، ووضعت طفلاً سمته “فلاديمير بوتين”، ضابط الاستخبارات السوفييتية الأشهر في العالم، ورئيس روسيا الحالي، وهو من صرح بهذه القصة عندما سُئل عن أسباب نجاحه، و شهرته فأوضح: “إنها عوامل كثيرة، إحداها: قدم أمي.”

لقد تأثرت جدًا بهذه القصة الحية، التي تبدو وكأنها واحدة من “عجائب القدر”، ولكن مما زاد إعجابي هو مدى تقدير الرئيس الروسي لقدم أمه.

أما بالنسبة لي والكثيرون ممن اختبروا محبة المسيح وخلاصه، لنا الحق أيضًا أن نفتخر بقدمي فادينا: الرب يسوع المسيح، الذي «جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ» (أعمال١٠: ٣٨)، حتى إنه ذهب بإرادته إلى الصليب ليكون الذبيح العظيم الكافي لكل البشرية، وهناك تمَّت فيه النبوة «ثَقَبُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ» (مزمور٢٢: ١٦). بل وقَبِلَ المسيح أن يموت وينوب عنا. لقد تجرع الآلام والجراح، ليعطينا الراحة والسماح «الَّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى الْخَشَبَةِ، لِكَيْ نَمُوتَ عَنِ الْخَطَايَا فَنَحْيَا لِلْبِرِّ. الَّذِي بِجَلْدَتِهِ شُفِيتُمْ» (١بطرس٢: ٢٤). وإن كان بوتين له الحق أن يعتز بقدمي أمه، فما أكثر البركات التي نستطيع الحصول عليها عند قدمي المسيح، ومنها:

١. جلسة الحرية والغفران (لوقا٧: ٣٦-٥٠)

دار حديث بين الرب يسوع وسمعان الفريسي، الذي كان قد دعى المسيح ليأكل في بيته وإذ بامرأة خاطئة جاءت عند قدميه، وهناك ذرفت دموع التوبة والندم على خطاياها، حتى بللت قدميه بالدموع ومسحتهما بشعر رأسها. فقَبِلَ المسيح توبتها وأسمعها أجمل بشارة «مغفورة لك خطاياك» (لوقا٧: ٤٨) وصرفها بسلام.

صديقي.. إن كنت تشعر بالألم من مرارة الشر والخطية - أيّا كان نوعها وحجمها - أشجِّعك أن تسرع إلى المسيح معترفًا بخطاياك وهو «أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ» (١يوحنا١: ٩)، فتسمع منه أجمل إعلان «مغفورة لك خطاياك».

٢. جلسة التغيير والإيمان (لوقا٨: ٢٦-٣٩)

كان مجنونًا وخطيرًا جدًا، على نفسه والمجتمع من حوله - إذ كان يسكن فيه قرابة ٦٠٠٠ شيطان - لم تنفع معه القيود البشرية، وكان يجرح نفسه بالحجارة ويسكن القبور، حتى التقاه يسوع وأعطاه الحرية من قيود الشيطان، فتمتع بالبركة والأمان، وعند قدمي المسيح كان «جالسًا ولابسًا وعاقلاً». إن قيود الخطية مدمِّرة «الشِّرِّيرُ تَأْخُذُهُ آثَامُهُ وَبِحِبَالِ خَطِيَّتِهِ يُمْسَكُ» (أمثال٥: ٢٢)، والوحيد القادر على التحرير منها هو الرب يسوع «يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ أَيْضًا إِلَى التَّمَامِ» (عبرانين٧: ٢٥). أخي.. هل إيمانك بالمسيح غيَّر سلوكك وحياتك؟

٣. جلسة الشكر والعرفان (لوقا١٧: ١١-١٩)

تجاوب المسيح البار مع صراخ عشرة برص مملوئين بالبرص والنجاسة بعد أن طلبوا منه أن يرحمهم ويشفيهم، وبالفعل تحنن عليهم وأمرهم بالذهاب إلى الكاهن «وفيما هم منطلقون طهروا جميعًا». فلما أدرك واحد منهم حقيقة طهارته، عاد مسرعًا وانحنى عند قدمي المسيح مقدِّمًا له الشكر والعرفان. أخي، أختي هل تعتاد على تقديم الشكر والحمد لشخص المسيح مهما ضاقت أو وسعت بك ظروف الحياة؟ أعتقد إنك إن بحثت عميقًا في داخلك حتمًا ستكتشف الكثير والكثير جدًا لتشكره عليه وتجد نفسك ترنم بعلو الصوت: “أي شكر يا حبيبي يوفي ديني.. مهما كان أنت أكبر”.

٤. جلسة الشفاء والإحسان (لوقا٨: ٤٠-٥٦)

يايرس هو رئيس المجمع اليهودي وكان قد سمع بيسوع ومعجزاته الفريدة، ذهب إليه ووقع عند قدمي المسيح - بالرغم من شهرته ومركزه - طالبًا منه أن يتدخَّل ويسرع لشفاء ابنته التي كانت في حال الموت. وكعادته، ذهب المسيح معه إلى بيته، وهناك أقام المسيح ابنته من الموت فعلاً!!

عزيزي القارئ.. عندما نواجه جبال أو تحديات كبيرة في حياتنا – حتى لو وصلت الحالة إلى الموت - يطمئنا الكتاب قائلا: «اسْمُ الرَّبِّ بُرْجٌ حَصِينٌ، يَرْكُضُ إِلَيْهِ الصِّدِّيقُ وَيَتَمَنَّعُ» (أمثال١٨: ١٠) فهو الذي وعدنا «ادْعُنِي فِي يَوْمِ الضِّيقِ أُنْقِذْكَ فَتُمَجِّدَنِي» (مزمور٥٠: ١٥). فإذا كان الله معنا فمن علينا، وإن كان الله نفسه لنا فكيف نسرع إلى أي ملجأ آخر سواء كان: مال، إمكانيات، علاقات،....؟!!

٥. جلسة لكسر طِيْبٍ بأغلى الأثمان (يوحنا١٢: ١-٨)

بعد أن أقام المسيح لعازر الميت في معجزة فريدة من نوعها، أدركت مريم قيمة شخصه، فجلست عند قدميه وهناك «أَخَذَتْ مَرْيَمُ مَنًا مِنْ طِيبِ نَارِدِينٍ خَالِصٍ كَثِيرِ الثَّمَنِ، وَدَهَنَتْ قَدَمَيْ يَسُوعَ، وَمَسَحَتْ قَدَمَيْهِ بِشَعْرِهَا، فَامْتَلأَ الْبَيْتُ مِنْ رَائِحَةِ الطِّيبِ» (يوحنا١٢: ٣). صديقي: أعدك بإنك بمجرد الإعتياد على الجلوس عند قدمي المسيح ستتعلم أهمية ترتيب أولوياتك فتهتف مع يوحنا المعمدان «يَنْبَغِي أَنَّ ذلِكَ يَزِيدُ وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ» (يوحنا٣: ٣٠).

كانت العلامة لقدم أم الرئيس هي حذائها، أما العلامة في قدمي مخلِّصي المسيح هي: المسامير، فقد احتمل الآلام والجَلْدِ والصلب، ليفدي كل خاطئ شرير، كان مصيره نار جهنم وبئس المصير. فهل تُسرع إليه تائبًا عن كل شرورك وماضيك المرير، فتختبر معه السلام والفرح وحقيقة التحرير؟!