من الذي يحمل النور

أمر نبوخذ نصر ملك بابل بأن يؤتى له بشباب من العائلة الملكية وأشراف اليهود، تتوافر فيهم مؤهلات اجتماعية وعلمية وجسدية. فالمرشَّحون لخدمة الملك يليق بهم أن يكونوا أهلاً لهذه الوظيفة الملكية الراقية. «وَأَمَرَ الْمَلِكُ أَشْفَنَزَ رَئِيسَ خِصْيَانِهِ بِأَنْ يُحْضِرَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمِنْ نَسْلِ الْمُلْكِ وَمِنَ الشُّرَفَاء، فِتْيَانًا لاَ عَيْبَ فِيهِمْ، حِسَانَ الْمَنْظَرِ، حَاذِقِينَ فِي كُلِّ حِكْمَةٍ وَعَارِفِينَ مَعْرِفَةً وَذَوِي فَهْمٍ بِالْعِلْمِ، وَالَّذِينَ فِيهِمْ قُوَّةٌ عَلَى الْوُقُوفِ فِي قَصْرِ الْمَلِكِ، فَيُعَلِّمُوهُمْ كِتَابَةَ الْكَلْدَانِيِّينَ وَلِسَانَهُمْ» (دانيال١: ٤، ٥).

فيما يتعلق بماضيهم: يشترط أن يكونوا قد تربَّوا في عائلات مَلَكية، لديهم ثقة في النفس، وتخلو حياتهم من أي شعور بالحرمان أو العقد النفسية، ويكونون قد تعلموا من الصغر علومًا متنوعة وعادات راقية تليق بأولاد الأصول.

فيما يتعلق بحاضرهم: يشترط أن تكون صحتهم جيدة، ومظهرهم جذاب، أي بدون أية عيوب في هيئتهم أو علة في أجسادهم.

فيما يتعلق بمستقبلهم: يشترط أن تتوافر لديهم القابلية لتعلُّم لغة وكتابة الكلدانيين، ليتعلموا ثقافة الكلدانيين ولتطوير مهارات التواصل بينهم وبين رجال القصر والشعب البابلي.

صحيح أن عبارة «فِتْيَانً لاَ عَيْبَ فِيهِمْ» هنا تركز على الكمال بالمقاييس البشرية؛ إذ تشمل جمال الهيئة الخارجية وتمام الصحة الجسدية وتوافر المهارات والقدرات الشخصية، لكنها على أيَّة حال تذكّرني بوصف جميل ورد في أحد رسائل العهد الجديد «أَوْلاَدًا للهِ بِلاَ عَيْبٍ». إذ كان الرسول بولس يحثّ المؤمنين في فيلبي أن يكونوا مؤهَّلين لخدمة من هو أعظم من ملك بابل؛ لخدمة ملك الملوك ورب الأرباب وليس في حدود قصر بابل إنما كي يضيئوا بين أبناء جيلهم كأنوار في العالم. «لِكَيْ تَكُونُوا بِلاَ لَوْمٍ، وَبُسَطَاءَ، أَوْلاَدًا للهِ بِلاَ عَيْبٍ فِي وَسَطِ جِيل مُعَوَّجٍ وَمُلْتَوٍ، تُضِيئُونَ بَيْنَهُمْ كَأَنْوَارٍ فِي الْعَالَمِ» (فيلبي٢: ١٥).

هذه الدعوة المباركة لها مقاييسها الخاصة ومقدَّمة أيضًا لشباب مثلك.

١. لا يُشترط أن تكون من نسل ملكي أو من شرفاء العالم، بل يلزم أن تكون من أولاد الله.

٢. لا يُشترط أن تكون لك جاذبية الهيئة من الخارج، لكن نقاء القلب في الداخل.

٣. لا يُشترط أن تكون حاذق في كل علوم الحياة، بل أن تكون متمسِّك بكلمة الحياة.

٤. لا يُشترط قابليتك لمشاكلة دهر هذا العالم، بل استعدادك أن تتغير ويتجدد ذهنك ليكون لك فكر المسيح.

موقف من الماضي

تذكَّرت حديثًا - مضى عليه سنوات كثيرة - جرى بيني وبين أحد زملاء العمل وقتها. ذكرت في معرض حديثي اسم أحد الإخوة الأفاضل، فقاطعني زميلي - الذي كان يكبرني بحوالي ٨ سنوات - وقال لي: “أنا اعرفه جيدًا، مع أني لم ألتقِ به من زمن بعيد، ولا يمكن أنسى اسمه بالكامل إنه (ن. ن. ع) كان زميلي في المدرسة الثانوية وكان شخصًا مختلفًا عن باقي الطلبة، لا زلت أذكر طريقة كلامه وأمانته ودقته.. الخ”. وعلق بقوله “ده نوع من الناس مافيش منه كتير”.

بعد ما ردد كثير من الصفات الفاضلة التي كان يتحلى بها ذلك الأخ حين كان طالبًا في المرحلة الثانوية، قلت في داخلي: ألم يكن هذا الأخ الفاضل نورًا في مدرسته وشاهدًا أمينًا لله بين أبناء جيله.

باب الترشيح ما زال مفتوحًا

عزيزي، إن كان دانيآل وأصدقائه كانوا مرشحين لدورة تدريبية تؤهلهم للعمل في قصر ملك بابل، فأنت أمامك فرصة أعظم تؤهِّلك للعمل مع سيد كل الكون وفادي البشرية وهو المتكفل بتدريبك «لأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِيكُمْ أَنْ تُرِيدُوا وَأَنْ تَعْمَلُوا مِنْ أَجْلِ الْمَسَرَّةِ» (فيلبي٢: ١٣).

إن باب الترشيح ما زال مفتوحًا، والرب يرحِّب بقبول فتيان جمَّلتهم النعمة بصفات الإيمان وهيَّئتهم للعمل معه ليكونوا نورًا وسط جيلهم، الجيل المعوج والملتوي؛ الذي لا يسلك باستقامة بل يستخدم بمكر كل الوسائل ويلويها لتخدم مصالحه وتشبع غرائزه حتى لو استدعى الأمر أن يلبس أقنعة الرياء وعباءة الدين ويمارس أي من الأنشطة المسيحية.

إن كنت تشتاق أن تضيء كالنور بين أبناء جيلك، وتكون من الذين وصفوا بأنهم «أولادًا لله بلا عيب»:

١. تذكَّر أنك من عائلة الله ومدعو أن تعمل معه وتشهد عنه بين أبناء جيلك.

٢. تمسَّك بكلمة الحياة الكافية أن تضيء حياتك وتنشر نورها لمن حولك.

٣. ضع في قلبك أن الله هو الذي يُضرم في داخلك الأشواق المقدسة، وهو الذي يُنتج بها ثمر البر الذي يشبع قلبه أولاً كما أنه يكون سبب بركة لمن حولك.

٤. استند على نعمة الرب ومعونته، وتذكَّر أن قدرته الإلهية قد وهبت لك كل ما هو للحياة والتقوى (٢بطرس١: ٣).