حملت جنازة الشاب “دانيال ديكو” الكثير من الصراخ والعويل، ليس فقط لصغر سنه، لكن بسبب انكشاف المستور والكثير من الحقائق الغائبة عن حياته والتي تم الإفصاح عنها يومها.
كان دانيال يعيش في إحدى مدن رومانيا. وكان معروفًا بتعدد علاقاته النجسة، ولكونه جميل الصورة ومعسول الكلام إنجذبت إليه الفتيات. أصيب دانيال بمرض خطير، وبدت عليه ملامح الضعف والهزال بصورة واضحة؛ فهربت الفتيات بعيدًا عنه. لم تَمضِ شهور قليلة، حتى قضى المرض عليه تمامًا ومات وهو في ريعان الشباب عن عمر يناهز ال٢٤ ربيعًا.
أثناء الجنازة، حضر الكثيرون من أصدقائه وصديقاته، لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة على صديقهم الذين حملوا له ذكريات جميلة، والتي للأسف لم تدم طويلاً، ففي جنازته عرفوا السبب الخفي لموته وهو إصابته بالإيدز (مرض نقص المناعة المكتسبة وينتقل بسبب العلاقات الجنسية غير السوية). نزل الخبر كالصاعقة على عشيقاته، بسبب خوفهن من انتقال العدوى إليهن؛ فأسرعن إلى معامل التحاليل للاطمئنان. كانت النتيجة أن ٤٠ فتاة من رفيقات دانيال ديكو يواجهن خطر مرض الإيدز نتيجة لعلاقاتهن معه. أُجريت تحقيقات موسَّعة للتوصل لأي شخص كان يعلم بمرضه وتستر عليه مما قد يعرضه لعقوبة السجن ما بين ٥-١٥ سنة بموجب القانون الروماني.
هل لاحظت معي عزيزي القارئ العواقب الوخيمة للخطية، وبالأخص خطية النجاسة التي حذرنا منها الحكيم قائلاً: «لأَنَّهَا طَرَحَتْ كَثِيرِينَ جَرْحَى، وَكُلُّ قَتْلاَهَا أَقْوِيَاءُ... طُرُقُ الْهَاوِيَةِ بَيْتُهَا، هَابِطَةٌ إِلَى خُدُورِ الْمَوْتِ» (أمثال٧: ٢٦، ٢٧)، لذا أريد أن أشاركك قارئي العزيز بثلاث نقاط رئيسية من هذه القصة:
١. بريق حياة الشباب
مرحلة الشباب من أجمل مراحل عمر الإنسان؛ فهي تتسم بالقوة والنشاط والحيوية، ممتلئة بروح المغامرة والبحث عن الجديد والمختلف. وبسبب أهميتها يعلِّمنا الكتاب الكثير من الدروس عنها، فمثلاً سليمان الحكيم ينصحنا «اذْكُرْ خَالِقَكَ فِي أَيَّامِ شَبَابِكَ، قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ أَيَّامُ الشَّرِّ أَوْ تَجِيءَ السِّنُونَ إِذْ تَقُولُ: لَيْسَ لِي فِيهَا سُرُورٌ» (جامعة١٢: ١). بينما يحذِّرنا الرسول بولس «أَمَّا الشَّهَوَاتُ الشَّبَابِيَّةُ فَاهْرُبْ مِنْهَا، وَاتْبَعِ الْبِرَّ وَالإِيمَانَ وَالْمَحَبَّةَ وَالسَّلاَمَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ الرَّبَّ مِنْ قَلْبٍ نَقِيٍّ» (٢تيموثاوس٢: ٢٢). ويتساءل داود «بِمَ يُزَكِّي الشَّابُّ طَرِيقَهُ؟ بِحِفْظِهِ إِيَّاهُ حَسَبَ كَلاَمِكَ» (مزمور١١٩: ٩).
عزيزي الشاب هل تُقدِّر قيمة المرحلة التي أنت فيها؟ إنها مرحلة فارقة في الحياة وبها الكثير من التحديات سواء المادية، الإجتماعية، العاطفية،... لذا دعنا نرنم مع المرنم بعلو الصوت
لست لذاتي وشهواتي بل ها حياتي ملكك
يا رب إني لك أعني وخذ يـــدي بيــدك
استعد ليوم الحساب
لم يكن يخطر على بال دانيال إنه سيموت وهو في مقتبل العمر، فعاش الحياة بطولها وعرضها من علاقات وعادات سرية لم يكن يتخيل ولو للحظة إنها ستُكشف على الملإ وأمام الجميع، ليس في حياته فيدافع عنها، بل أثناء جنازته. لم يكن يدرك «لأَنْ لَيْسَ مَكْتُومٌ لَنْ يُسْتَعْلَنَ، وَلاَ خَفِيٌّ لَنْ يُعْرَفَ» (متى١٠: ٢٦)؛ فقد غاب عن ذهنه التحذير «فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ الظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ النُّورِ. لِنَسْلُكْ بِلِيَاقَةٍ كَمَا فِي النَّهَارِ: لاَ بِالْبَطَرِ وَالسُّكْرِ، لاَ بِالْمَضَاجعِ وَالْعَهَرِ، لاَ بِالْخِصَامِ وَالْحَسَدِ وَلاَ تَصْنَعُوا تَدْبِيرًا لِلْجَسَدِ لأَجْلِ الشَّهَوَاتِ» (رومية١٣: ١١-١٤)، فلم يعمل حسابًا لذلك «الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ يَدِينُ اللهُ سَرَائِرَ النَّاسِ» (رومية٢: ١٦).
عزيزي هل تعلم إنه سيأتي يوم للحساب يقول عنه الرب «أُجَازِيَ كُلَّ وَاحِدٍ كَمَا يَكُونُ عَمَلُهُ» (رؤيا٢٢: ١٢). اسمع القول «أَمْ تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ، غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ اللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى التَّوْبَةِ؟ وَلكِنَّكَ مِنْ أَجْلِ قَسَاوَتِكَ وَقَلْبِكَ غَيْرِ التَّائِبِ، تَذْخَرُ لِنَفْسِكَ غَضَبًا فِي يَوْمِ الْغَضَبِ وَاسْتِعْلاَنِ دَيْنُونَةِ اللهِ الْعَادِلَةِ، الَّذِي سَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ أَعْمَالِهِ» (رومية٢: ٤-٦).
٣. الموت يفرق بين الأحباب
يؤكِّد لنا الوحي المقدس «لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ» (رومية٦: ٢٣)، وهنا نرى نموذجًا واضحًا وصريحًا لمن حصد الموت من نتائج الخطية مثل “دانيال ديكو” فـ«الْخَطِيَّةُ خَاطِئَةً جِدًّا» (رومية٧: ١٣). والشباب والقوة لم يستطيعا أن يمنعا ملك ألأهوال – الموت – من القضاء على دانيال؛ فالموت هو العدو الوحيد الذي لا يفرق ما بين الكبير والصغير، الغني والفقير، الرجل والمرأة.
لقد مات دانيال شابًا نتيجة لخطيته، ونقل مرضه إلى كثيرين، فعلينا جميعًا أن نبتعد عن المعاشرات الردية التي تفسد الأخلاق الجيدة.
لكن، دعني أذكِّرك أخي القارئ بشاب آخر اسمه حلو ويخلِّص إنه: الرب يسوع الذي مات في ريعان شبابه (مزمور١٠٢: ٢٤)، لكي يعطي بموته الحياة والفداء لكل من يؤمن به «لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (يوحنا٣: ١٦).
وهنا دعني أضع أمامك المفارقة التي يكلّمنا عنها بولس «مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ وَاحِدٍ مَاتَ الْكَثِيرُونَ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا نِعْمَةُ اللهِ، وَالْعَطِيَّةُ بِالنِّعْمَةِ الَّتِي بِالإِنْسَانِ الْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، قَدِ ازْدَادَتْ لِلْكَثِيرِينَ! لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ الْوَاحِدِ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ بِالْوَاحِدِ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا الَّذِينَ يَنَالُونَ فَيْضَ النِّعْمَةِ وَعَطِيَّةَ الْبِرِّ، سَيَمْلِكُونَ فِي الْحَيَاةِ بِالْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ!» (رومية٥: ١٢-١٨). فهل ترتبط بالمسيح الطاهر فتنتقل طهارته إليك، وتسري فيك حياة جديدة أبدية من نوع حياته، فالمسيح هو: مصدر الحياة ومانحها بل ورئيس الحياة؟
صديقي العزيز... قد تكون غريقًا في بحر الخطية والشهوات، فيه تعيش لكنك في عداد الأموات، بالحزن والندم على شرور الماضي أو السهوات، ها يسوع بالصليب عنك قد مات، فهو الوحيد القادر على محو كل ما فات، ليعطيك الحياة الإبدية لتعيش أسمى حياة، يمحو ذنوبك ويجعلها كسحابة ذكريات... هل تسرع إليه لتضمن معه مكانًا في سماء السماوات؟!